آراء

نزار العوصجي: سحب الشرعية عن الحكومة العراقية!

في ظل تصاعد الأزمات في عراق مابعد الاحتلال ، واستمرار حملات انتهاك حقوق الإنسان ، بات الزاماً على المجتمع الدولي عموماً أن يتحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية بسحب الشرعية عن الحكومة العراقية ، وفي مقدمته الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا ، لما ترتكبه ميليشيات أحزاب السلطة من جرائم أنسانية وفساد مالي واداري وزعزعة للأمن المجتمعي ، فالنظام الحاكم في العراق الذي جاؤا به من ارصفة الشوارع ليهيمن على القرار السياسي ، متورط في ارتكاب مجازر مروعة وفساد مالي وإداري ممنهج يفوق كل التصورات ، بالإضافة إلى دعمه المستمر للميليشيات المسلحة التي تهدد الأمن القومي المحلي والإقليمي والدولي ..
فمنذ احتجاجات تشرين 2019 ، عمدت الحكومة العراقية إلى أستخدام القوة المفرطة لقمع المتظاهرين السلميين العزل ، وارتكبت العديد من المجازر ، وانتهكت حقوق الإنسان ، مما أدى إلى سقوط آلاف القتلى والجرحى في صفوف المتظاهرين ، دون أي محاسبة حقيقية لمرتكبي تلك الجرائم الوحشية ، كما تمارس الأجهزة الأمنية القمعية والميليشيات المرتبطة بها ، انتهاكات جسيمة ، من بينها الإخفاء القسري ، والتعذيب في المعتقلات ، والاعتقالات التعسفية بحق الناشطين والإعلاميين ..
ان هذه الأفعال المشينة تشكل انتهاكاً صارخاً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفق (المادة 3 والمادة 5) ، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (المادة 7 والمادة 9) .

اما في جانب الفساد الإداري والمالي ، فيعد العراق من بين أكثر الدول فساداً في العالم ، حيث تقدر الأموال المنهوبة و المهدرة بما يزيد عن ترليون دولار ، مما أدى إلى انهيار الخدمات الأساسية وانتشار الفقر رغم الثروات النفطية الهائلة ..
لم تقم الحكومات المتعاقبة بأي إصلاح حقيقي ، بل ساهمت في تعميق الفساد وتعزيز المحسوبية ونهب المال العام ..
لذا فان الفساد يعد انتهاكاً لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (المادة 5 والمادة 19) التي تلزم الدول بمكافحة الفساد السياسي والإداري والمالي ..
ان اعتماد الحكومة العراقية على ميليشيات مسلحة تعمل خارج إطار القانون بدلاً من ترسيخ سلطة الدولة ، ادى الى دعم الإرهاب وزعزعة الاستقرار ، مما شكل تهديداً مباشراً للأمن القومي العراقي والإقليمي ..
هذه الميليشيات متورطة في أعمال إرهابية ضد المدنيين والمعارضين السياسيين ، كما تساهم في تأجيج الصراعات الطائفية ، مما يجعل العراق ساحة للفوضى وعدم الاستقرار ..
فوفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1373 (2001) ، فإن دول العالم ملزمة بمنع تمويل ودعم الجماعات الإرهابية ، وهو ما تتجاهله الحكومة العراقية من خلال دعمها غير المباشر لهذه الميليشيات ..

لذا فان التبرير القانوني لسحب الشرعية ينطلق من القانون الدولي ، فإن أي حكومة تفقد قدرتها على حماية حقوق مواطنيها ، وتنتهك بشكل منهجي حقوق الإنسان ، وتشارك في الفساد الممنهج ، وتساهم في زعزعة الأمن والاستقرار ، تصبح فاقدة للشرعية ..
ويستند سحب الشرعية إلى عدة مواد قانونية دولية ، حيث تؤكد المادة 1 (2) من ميثاق الأمم المتحدة على حق الشعوب في تقرير مصيرها ، وهو ما تنتهكه الحكومة العراقية عبر القمع الممنهج للاحتجاجات الشعبية ..
كما ان المادة 21 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنص على أن إرادة الشعب هي أساس شرعية السلطة ، وهو ما لم يعد متحققاً في العراق نتيجة التزوير والفساد الأنتخابي ..
كما ان المادة 25 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تضمن حق المواطنين في المشاركة السياسية بحرية ، وهو ما تعرقله الحكومة العراقية عبر الترهيب والاغتيالات السياسية ..
اما قرار مجلس الأمن رقم 2170 (2014) فانه يدعو إلى محاسبة الحكومات التي تدعم الإرهاب ، وهو ما ينطبق على الحكومة العراقية بسبب علاقتها بالميليشيات المسلحة ..
لذا فان فرض عقوبات دولية على المسؤولين المتورطين في الفساد والجرائم ضد الإنسانية يعد مطلباً دولياً ، وعلى المجتمع الدولي دعم القوى الوطنية الساعية إلى إرساء الديمقراطية الحقيقية في العراق ..
من هنا تأتي حتمية الضغط على المؤسسات الدولية لإجراء تحقيقات مستقلة في الانتهاكات التي ترتكبها الحكومة العراقية ، وتشكيل لجنة أممية لمراقبة الوضع في العراق واتخاذ إجراءات قانونية لسحب الشرعية عن الحكومة الحالية ..
كما يجب دعم المعارضة الوطنية العراقية في تشكيل حكومة انتقالية مستقلة من التكنوقراط ، تكون مهمتها الإعداد لانتخابات حرة بإشراف الأمم المتحدة ، لضمان تشكيل حكومة دائمة وبرلمان يعكس الإرادة الحقيقية للشعب العراقي ..

إن استمرار الاعتراف بحكومة متورطة بارتكاب المجازر وعمليات فساد ودعم الإرهاب ، هو تواطؤ غير مباشر مع جرائمها ..
لقد آن الأوان لاتخاذ إجراءات حقيقية لسحب الشرعية عن الحكومة ، من أجل مستقبل عراقي أكثر استقراراً وأماناً ، وإتاحة الفرصة للشعب العراقي ليقرر مصيره بعيداً عن الاستبداد والفساد ..
ان دعم المجتمع الدولي للشعب العراقي سيثبت ان العراق ليس معزولاً عن العالم ، وان أي تغيير داخلي فيه سيكون له تأثير على الاستقرار الأمني والسياسي للمنطقة ، كما ستكون له انعكاسات مباشرة على الاقتصاد الإقليمي والدولي ..

زر الذهاب إلى الأعلى