نزار العوصجي: لماذا نقاطع الانتخابات؟

في البدء دعونا نتفق ان التجربة الديمقراطية قد اثبتت نجاحها في العديد من دول العالم المتمدن ، المتقدمة ، النامية ، والضعيفة ، الاوربية ، الاسيوية ، والافريقية ، المسيحية ، الإسلامية ، ومتعددة الديانات ، وعلى سبيل المثال لا الحصر ( كندا ، ماليزا ، تركيا ، سنغافوره وصولاً إلى راوندا ) ، وجميل ان نرى ما تحقق في تلك الدول من تقدم وازدهار ، على مختلف الاصعدة ، الاقتصادية ، التعليمية ، الصحية ، العمرانية ، الخدمية ، والامنية ، رغم ان البعض من تلك الدول ليست نفطية ، لذا نحن فرحين ، معجبين ، ومبهورين بنجاح تجاربهم الديمقراطية كافة ، واقرب مثال لنا هي الجارة تركيا ، التي نطلع على منجزاتها من خلال زياراتنا المتباعدة لها ، لنسعد بما نراه من تقدم وأزدهار ملموس بين زيارة وأخرى ، بالاضافة الى التطبيق الحقيقي لمفهوم الديمقراطية الانتخابية قولاً وفعلاً على ارض الواقع ، من خلال انتخابات حرة ونزيهة وشفافة ..
من خلال ما تقدم بات من الضروري ان نسأل :
ماذا عن تجربتنا الديمقراطية في العراق ، التي يتغنى بها سياسيي الصدفة منذ أثنان وعشرون عاماً ؟؟
ماذا عن قادة التجربة الافذاذ وانجازاتهم ، بعد ان هيمنوا على خيرات العراق وثرواته وموارده ؟؟
قد يلومنا البعض على أبداء أعجابنا أو مدحنا لنجاح التجارب الديمقراطية في دول العالم عموماً ، دون الإشارة لما يسمى بالعملية الديمقراطية التي تجري في العراق ..
السبب في ذلك ببساطة شديدة ، أننا لم نلمس في حكومات مابعد الاحتلال ، وجود قادة عراقيين يعملون لأجل العراق وشعبه ، من الممكن ان يكونوا موضع ثقة ، فندعوا لهم كل صباح بطول العمر والموفقية ، على أمل تحقيق الإنجازات التي نتطلع اليها ، فكل السياسيين العراقيين الذين عايشناهم في زمن الحرية والديمقراطية المزيفة التي انعم بها علينا الغزاة المحتلين ، أثبتوا بما لا يقبل الشك أنهم الأسوء في تاريخ العراق منذ تأسيسه إلى يومنا هذا ، فقد مارس كل منهم دوراً مأساوياً ، أوصلنا بطريقة أو بأخرى لما نحن فيه الان ، فاصبحنا مثل الغرقى ننتظر قشة نتمسك بها لننقذ انفسنا ..
لذا من حقنا ان نحلم بان نحضى بمراكب النجاة ، الذي يوصلنا إلى بر الأمان حتى لو بالخيال ، وسنبقى نعيش في هذا الحلم الى أن يصل مركب عراقي حقيقي أصيل ، نستقله فيسير بنا نحو المستقبل الأمن الذي نطمح اليه ..
لانزال بانتظار المنقذ غودو (( وذلك ليس على الله بعزيز )) ، فهل سيحضر ؟؟
والى أن يحضر هذا ال غودو العراقي ، لينقذ العراق وشعبه ، سيبقى نجاح التجربة الديمقراطية في دول العالم المتمدن مثار أعجابنا ، ومثالً نتطلع اليه ..
لم يأت قرار مقاطعة شعبنا الانتخابات النيابية في العراق من فراغ ، بل جاء استناداً الى عوامل عدة :
أولها : عدم ثقة الشعب بالعملية السياسية برمتها والتي جاء بها المحتل البغيض ، كونها تدار من قبل مجموعة من الميليشيات (( تدعى بالاحزاب كما يدعون )) ، تبث السموم المشبعة بالحقد على الانسانية بشكل عام والأمة العربية بشكل خاص ، فهي دخيلة على مجتمعاتنا ولا تنتمي للعراق ، لا من قريب ولا من بعيد ، لأنها امتداد للفكر المجوسي وتدين بالعمالة والولاء المطلق لاعدائه من الفرس المجوس ..
وثانيها : ان القائمين عليها (( قياداتها )) الذين كانوا يطلقون على انفسهم قبل الإحتلال تسمية المعارضة للنظام الوطني ، لا يعدوا كونهم مجموعة من اللصوص والمهربين وقطاع الطرق والقتلة والمجرمين وتجار المخدرات ، وهذا ليس تجنياً بل انه الواقع ..
بالفعل اثبتوا انهم مرتزقة لا يمتلكون أدنى مقومات الشرف والنزاهة ، غايتهم الاساسية ترتكز الى نقطتين رئيسيتين :
سرقة ونهب المال العام والخاص .. وتدمير تاريخ وحاضر ومستقبل العراق بشتى الوسائل الوحشية والبربرية .. وقد نجحوا في ذلك بامتياز بعد ان سرقوا واهدروا ما يزيد عن الفي مليار دولار ، (( وهذا المعلن فقط وما خفي كان اعظم )) ، بالاضافة الى تنفيذهم بدقة متناهية للأوامر الصادرة لهم لتدمير كل ما من شأنه الارتقاء والنهوض بمستوى حياة الشعب العراقي ، وتحطيم البنية التحتية بالكامل ، وهذا ما لمسناه في كل المحافظات والمدن العراقية بدون استثناء ..
كنا نعي من الوهلة الأولى ان هؤلاء المرتزقة ليسوا برجال دولة يمكن الاعتماد عليهم في بناء الوطن ، كما انهم ليسوا بسياسيين بالمعنى الصحيح ، يمتلكون القدرة على النهوض بالمهام المطلوبة في معالجة الخلل الحاصل جراء احتلال العراق من قبل قوى الشر الباغية ، وها هم اليوم يثبتون ذلك بجدارة على مرأى ومسمع العالم بأسره ، بعد ان أصبحوا اضحوكة هذا الزمن ، حيث تتناقل سفاهاتهم وكالات الأنباء والفضائيات حول العالم ، لتحكي قصة صراعاتهم والرغبة العارمة في الاستيلاء على السلطة وسرقة المال العام ، ولتحكي قصة وطن تمتد حضارته الى سبعة الاف سنة قبل الميلاد ، اسمه العراق ..
وطن عرف بقادته الذين اسسوا للعلم والقانون والبناء ، وسنوا الكتابة ليعلموا البشرية معاني الرقي والثقافة ، ليتحول في غفلة من الزمن الى مغارة للصوص والمارقين وتجار المخدرات ، يختبئون فيه ليتقاسموا غنائمهم التي استحوذوا عليها بالباطل ..
لتلك الأسباب وغيرها التي لا مجال لحصرها في مقال ، قرر الشرفاء من أبناء الوطن عدم المشاركة في جريمة تدمير العراق ..
أبعد كل هذا هل لا زال هنالك من يسأل لماذا قاطعنا الانتخابات ؟؟
لله درك ياعراق الشرفاء …
كاتب عراقي