جورج يوسف: ريان الكلداني وإمبراطورية الوهم على ضفاف دجلة

الموصل، المدينة الجريحة التي دفعت أثماناً باهظة من دمها وخراب بيوتها، يجد أهلها أنفسهم اليوم يتفرجون على قصور تُزرع على ضفاف دجلة كما تُزرع الأعشاب الضارة، والمواطن البسيط الذي يقضي نصف عمره يركض خلف قطعة أرض صغيرة بالكاد تصلح لبناء غرفة رثة مع مطبخ من صفيح، يكتشف أن نهره صار ضاحية للأباطرة الجدد، وفي الواجهة يطل ريان الكلداني متبختراً في فيديو، يتجول في قصره المترف وهو يوزع ابتسامات المنتصر، كأنه فتح الأندلس أو أعلن قيام إمبراطورية الكلداني على نهر عطشان !
في نينوى، الغني والمتنفذ يوسع نفوذه كما يشاء، بينما الفقير إذا بنى غرفة من طابوق تُهدم فوق رأسه، أما أصحاب الجلالة الميليشياوية فيحولون محرمات دجلة إلى قصور رخامية بلا خجل، وخلف وأمام الكواليس يقف عمر نامق المولى، سمسار الصفقات المشبوهة، الذي يصوغ الأوراق مع موظفين مرتشين في الوقف السني، ويحول أراضي الوقف والزراعة إلى عقارات فاخرة، وكأن دجلة تركة ورثها عن أبيه.
ريان الكلداني لم يأتِ بالصدفة، بل جُلب على أكتاف المال الإيراني وأموال التهريب والمخدرات، أما شقيقه أسامة، فقد تحول إلى أضحوكة عامة، مرة يركب المرسيدس كأنه وريث تركة روتشيلد، ومرة يوزع الكيك على المصفقين، ومرات يلهو في حفلات باذخة، وأهل الموصل يضحكون ويتساءلون بمرارة؛ هل هذه حملة انتخابية أم فقرة رديئة من سيرك مبتذل ؟
الموصليون الذين خرجوا من خراب الحرب يسألون أيضا؛ لماذا يُمنع المواطن من بناء غرفة سقفها من التنك، بينما يبني هؤلاء قصوراً على النهر بلا رقيب؟
والجواب بسيط وفاضح؛ فالقانون يطبق على الفقير بشدة، لكنه يتراخى أمام المتنفذ والمتخوم بالمال الحرام، حيث يختفي النظام مثل الكهرباء الوطنية بأول مطرة، ويذوب كما يذوب الإسفلت الرديء في شمس تموز.
الصور الجوية كشفت المستور، من قصور مصطفة كقلادات العار على رقبة دجلة، مدعومة بحماية سياسية وتواطؤ إداري رخيص، وكأن الأرض تُباع وتشترى مثل بطاقات مباراة لفريق متهالك، أو مثل تذكرة إلى ملهى ليلي من الدرجة الثالثة.
أهالي نينوى الذين صبروا وصابروا رفعوا اليوم شعاراً صريحاً، سنقاطع بابليون ومن سرقوا ضفاف دجلة، فالقضية لم تعد قصوراً وأحجاراً، بل استباحة كاملة لمدينة منكوبة، والقصور لم تعد مجرد رمز رفاهية، بل لافتة عملاقة تقول، ان الفساد صار له إطلالة نهرية وحدائق غناء، والمفارقة أن بعض هؤلاء “الأباطرة” الذين يستعرضون اليوم ثرواتهم، كانوا قبل سنوات قليلة يتوسلون سائق تكسي أن يقلهم إلى عمل متواضع، فإذا بهم اليوم يتعاملون مع دجلة وكأنه عزبة شخصية، يورثونها ويبيعونها كما يشاؤون.