آراء

نزار العوصجي: التهويل والضجيج الأعلامي

“أسمع جعجعة ولا أرى طحنا”..
المعنى الاصطلاحي للجعجعة يشير إلى صوت الرحى الحجرية التي تدور فارغة دون طحن ، ولقد توسع معناها ليُطلق على الكلام الكثير الذي لا يُفيد عملاً ، أو الوعود التي لا تُنفذ ..
بالأضافة إلى ان مصطلح الجعجعة يعني صوت الرحى الفارغة ، وهذا هو المعنى الأصلي للكلمة ، وهو صوت طاحونة لا تُنتج شيئاً ، فان له معاني كثيرة منها ، كثرة الكلام بلا عمل ويقال للشخص الذي يتحدث كثيراً ويتشدق بالإنجازات دون أن يفعل شيئاً حقيقياً ، كما يُطلق على من يكثر من الوعود العظيمة ولكنه لا يفي بها أبداً ، وفي بعض اللهجات ، قد تُشير الجعجعة إلى صعوبة العيش وقسوته ..
اما الاستخدام الاصطلاحي الأكثر شيوعًا هو استخدام “الجعجعة” في المثل القائل : “أسمع جعجعة ولا أرى طحنا”، ويُضرب هذا المثل لمن يُصدر أصواتاً وضجيجاً بالكلام أو التهديدات ، ولكنه لا يأتي بفعل مفيد أو نتيجة ملموسة ، مثل الرحى التي تُصدر صوتاً عالياً دون أن تطحن الحبوب ..
باختصار شديد ، الجعجعة تدل على الضجيج الكبير أو الكلام المستمر بدون فائدة أو إنتاج ..
عالم الضجيج الكبير أو الكلام المستمر بدون فائدة أو إنتاج ، يتطابق تماماً مع حالة الجعجعة الإيرانية الفارغة ، والمقصود في هذا الموضوع هو جعجعة المعممين الجهلة الذين يتحكمون بالمشهد السياسي ، وهو جزء من الأسلوب التقليدي الذي اعتمدته إيران منذ قيام الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979 والى يومنا هذا ، حيث تُبنى الخطابات السياسية على التصعيد اللفظي والمبالغات الإعلامية أكثر من اعتمادها على القوة الفعلية أو الإنجازات الواقعية المتحققة ..

الجعجعة هنا تؤدي وظائف عدة بالنسبة لصناع القرار في طهران منها :
اولاً : الاستهلاك الداخلي ، فخطاب القوة والصمود يهدف إلى إقناع الداخل الإيراني بأن النظام قوي ومتماسك رغم الأزمات الاقتصادية والعزلة الدولية التي يعاني منها ..
وثانياً : إشغال الخصوم ، من خلال إطلاق تصريحات متوترة أو تهديدات متكررة قد يربك بعض الأطراف ، حتى لو لم تتبعها أفعال حقيقية ..
وثالثاً : المساومة السياسية ، فكثيراً ما تستخدم إيران التصعيد الكلامي كورقة تفاوضية ، بحيث تُخفّف من حدة خطابها لاحقاً ، مقابل مكاسب سياسية أو اقتصادية ..
ورابعاً : التمويه عن الضعف الذي تعاني منه ، من منطلق ان الجعجعة قد تُخفي حقيقة أن قدرتها العسكرية أو الاقتصادية ، هي أقل بكثير مما تُحاول إظهاره للعالم ..
اذاً فأن النتيجة التي يمكن ان نخلص لها هي أن الخطاب الإيراني يبدو صاخباً لكنه في الغالب محدود التأثير الميداني ، خصوصاً حين تصطدم طهران بقدرات خصومها الإقليمية والدولية ، وهذا ما شاهدناه فعلاً خلال معركة ال 12 يوم ..

وصف الجعجعة الإيرانية الفارغة لا يخلف بشيئ عن جعجعة العملاء الولائيين والميليشيات الطائفية المرتبطة بإيران ، المتواجدين في العراق ولبنان واليمن ، كونها تصدر صخباً في الحديث عن مقاومتها وتصديها للاحتلالين الصهيوني والأمريكي ، وفي واقع الحال انها تقبل الأيادي والأقدام لكي تحضى بالرضى والقبول من كلا الأحتلالين ..
ما نطرحه في هذا الجانب تحديداً ليس تجنياً على أحد ، بل انه كشف للحقيقة المغيبة والمبالغة الإعلامية ، وخير دليل على ذلك وهذا ما لمسناه لمس اليد على ارض الواقع ، حين لاذت ميليشيات الحشد الشعبي المدججة بالسلاح ، بالفرار من سوريا بمجرد سماع اعلان الثورة على نظام بشار الأسد ، ذلك ما يعكس حقيقة قوة ميليشيات الحشد التي يتبجحون بها ..
ان التهويل الإعلامي في الحديث عن قوة الحشد الشعبي الذي أسسه المدعو نوري القريضي بأوامر إيرانية مبالغ فيه كثيراً ، كما انه يدخل ضمن سلسلة من الأساليب ذات الصلة والتي تستخدم المغالطات المنطقية ، لذا فأن التلاعب اللفظي يهدف إلى التأثير النفسي على الأخرين ، من خلال التضليل الكامل (معلومات خاطئة مضللة) وأساليب الدعاية الخطابية ، وغالباً ما تتضمن حجب المعلومات أو وجهات النظر أو استبعادها ، من خلال حث الآخرين أو المجموعات الأخرى ، على التوقف عن الاستماع إلى ما يطرح من نقاشات موضوعة ، أو ببساطة من خلال تحويل انتباههم إلى مكان آخر ..

كذلك هو الحال عند الحديث عن فرض سيادة القانون وحصر السلاح بيد الدولة ، حيث يعد أحد وجوه الجعجعة الفارغة التي تصدر عن الحكومة العراقية التي جاء بها المحتل ، والتي لا تملك سلطة القرار السياسي والتنفيذي على الإطلاق ، ذلك ما ظهر جلياً في عملية الرضوخ الكامل لعملية اطلاق سراح المختطفة اليهودية الروسية ، التي اختطفتها عناصر حزب اللات قبل عامين تقريباً ، بعد اتهامها بالتجسس لصالح الكيان الصهيوني ، ودور ما يسمى برئيس الوزراء محمد شياع السوداني في عملية الإفراج عنها ، إلى جانب التكتم على عملية دفع الفدية من أموال الشعب العراقي ، على أمل ان ينال السوداني رضى الإدارة الأمريكية ، التي في الواقع لا تعيره إي إهتمام يذكر ..
خلاصة الحديث ، العراق يقترب جداً من تلقي ضربة عسكرية ، ربما تكون محدودة ودقيقة في البداية ، تستهدف قيادات ومقار لفصائل موالية ، قد يتواجد فيها عناصر غير عراقية ، من المحتمل ان تتوسع إذا جاء الرد من الفصائل ..
المؤشر الأوضح أن الأميركيين يحذرون لا لوقف الضربة ، بل فقط لإخبار الساسة العراقيين : “احموا أنفسكم ، نحن لن نمنع إسرائيل” وهذا يعني أن القرار قد اتخذ أو يكاد ..

زر الذهاب إلى الأعلى