آراء

عبدالله سلمان: الحوار الوطني خطوة لتحرير العراق واستعادة سيادته

لقد عانى شعبنا الكثير من الويلات بعد الاحتلال عام 2003 حيث تسببت سنوات ما بعد الاحتلال في تجذُّر العديد من الأزمات السياسية والسيادية والاقتصادية والاجتماعية. لقد كانت منظومة الاحتلال السياسية سببًا رئيسيًا في تأزيم الوضع العراقي، إذ ساهمت في تعميق الانقسامات الداخلية وتفاقم التحديات التي يواجهها شعبنا يومًا بعد يوم. رغم مرور أكثر من عقدين على هذه الحقبة لا يزال شعبنا يعاني من آثارها التي شهدت تدهورًاوانهيار الدولة ومؤسساتها فضلاً عن التفكك الاجتماعي. إن هذا الواقع المؤلم يتطلب منا جميعًا الوقوف متحدين والعمل على إيجاد حلول حقيقية وشاملة تضمن عودة العراق إلى اهله بعيدًا عن الهيمنة الأجنبية والمحن التي ما زالت تعصف بالبلاد.

في ظل هذه التحديات التي يواجهها العراق بات من الضروري أن تتوحد القوى السياسية العراقية المعارضة حول هدف مشترك يتمثل في تحقيق التغيير الشامل الذي يعزز السيادةوالاستقرار وبناء دولة المواطنة. إن التغيير الشامل لا يتحقق إلا من خلال التعاون والعملالمشترك والرغبة في بناء مستقبل أفضل للآجيال القادمة بعيدًا عن الانقسامات لذا بات ضروريا البدء بحوار وطني بناء يستند إلى مبادئ الشفافية والمشاركة الفعالة. من هنا تبرز أهمية الدعوة إلى حوار جامع يشمل جميع اٌطراف المعارضة الوطنية بهدف التوصل إلى حلول استراتيجية تساهم في انقاذ العراق من التبعية للآجنبي.

ان التجارب السياسية في العالم تؤكد انه لا يمكن حدوث تغيير حقيقي في أي بلد دون توحيد المعارضة وهي خطوة أساسية نحو تحقيق التغيير المنشود. وفي العراق لا بد أن يبدأ هذا التوحيد من خلال حوار منفتح وهادف بعيدًا عن الخلافات الجانبية والصراعات الشخصية ليكون الأمل في إنقاذ الشعب العراقي من أزمته الطويلة التي طال أمدها. إن الحوار الوطني يعد السبيل الأمثل لتجاوز المرحلة الحالية وبناء أساس متين لمستقبل أكثر استقرارًا. مما يستوجب على القوى السياسية المعارضة أن تدرك أن تكاتفها وتعاونها يشكلان القوة الحقيقية التي تضمن التغيير الفعلي الذي يلبي تطلعات الشعب العراقي في العيش الكريم الذي يليق به.

إن القوى الوطنية المناهضة للعملية السياسية احزابا ومنظمات وثوار تشرين ومستقلين، تتفق جميعها على هدف واحد، التغيير الشامل ولا تختلف هذه القوى حتى في التفاصيل الصغيرة إلا أن ما تحتاج اليه هو العمل المشترك الذي يعبد الطريق لتحقيق هذا الهدف. من هنا تبرز أهمية فكرة الحوار الوطني الذي يتيح لهذه القوى التوحد حول رؤية عملية واحدة، ويشكل البداية الحقيقية لتحقيق التغيير الذي ينتظره الشعب العراقي.

إن الحديث عن وحدة المعارضة وضرورة الحوار الوطني أصبح واسعًا ويطوف بين العديد من الشخصيات والتنظيمات الوطنية التي باتت تدرك أن التغيير لا يمكن أن يتحقق إلا بتوحيد الجهود والعمل المشترك.

إن الحوار الوطني يجب أن يبدأ وينتهي بمشروع وطني على أرضية المساواة بين جميع القوى السياسية بغض النظر عن حجمها أو تمثيلها في الشارع فلكل فصيل سياسي دور مهم في بناء العراق الجديد ويجب أن يكون للجميع الحق في المشاركة الفاعلة دون تمييز أو استبعاد. من هنا يجب أن نتبنى ثقافة الحوار الهادئ والمتوازن التي تستند إلى نية صادقة لتحقيق الخلاص الوطني بعيدًا عن أي أجندات ضيقة أو حسابات شخصية. إن نبذ الخلافات القديمة والعمل بروح من التعاون والتفاهم هو الطريق الوحيد نحو مستقبل أفضل. علينا أن ندع أوراق الماضي التي لم تعد تخدم مصلحة الوطن بل تعمق الانقسامات وتعيق مسيرة تحرير العراق من الاحتلال. 

من الأهمية بمكان أن نفتح المجال للاستماع إلى وجهات نظر الآخرين حول كيفية تنظيم الحوار الوطني ومستقبل هذا الحوار في العراق. فالتغيير الشامل لا يمكن أن يتحقق إلا إذا كانت جميع الأطراف جزءًا من عملية تعزيز القرار الوطني بما في ذلك القوى السياسية المختلفة والمستقلين. إن هذا الاستماع لا يعني مجرد إتاحة الفرصة للتعبير عن الآراء بل يعني أيضًا الاستعداد للاستماع الجاد والواعي لجميع الاقتراحات والنقد البناء الذي قد يأتي من مختلف الجهات.

إن مشاركة الجميع في الحوار الوطني تضمن تنوع الأفكار والرؤى التي ستساعد في بناء أرضية صلبة من اجل تحقيق التغيير الشامل. فمن خلال الاستماع إلى وجهات النظر المختلفة يمكننا تحديد النقاط المشتركة بين جميع الأطراف وإيجاد خارطة طريق لإنقاذ الشعب العراقي. 

ان الحوار يجب أن يتسم بالمصداقية والحرص وأن يسعى إلى بناء الثقة بين جميع القوى السياسية المناهضة للعملية السياسية ومنظومة 2003

أما عن مستقبل هذا الحوار فإن الأمر يتطلب رؤية واضحة تهدف إلى تحقيق نتائج ملموسة لا أن تقتصر على مجرد تبادل للأفكار دون أي تنفيذ فعلي. إذا نجحنا في الاستماع إلى بعضنا البعض وفهمنا آلام وتطلعات شعبنا فسيكون لدينا القدرة على وضع خطة عمل قابلة للتحقيق تؤدي في النهاية إلى التغيير الشامل الذي يستحقه العراق.

من الضروري أن يكون الجميع بمستوى التحديات الكبيرة التي يواجهها العراق، وأن يتحملوا المسؤولية الوطنية التي تفرض عليهم التصرف بما يساهم في رفع المعاناة عن شعبنا. يجب أن يدرك الجميع أن هذا الوقت يتطلب أفعالًا لا مجرد أقوال لاتخاذ خطوات حقيقية تهدف إلى انقاذ الشعب العراقي. 

لذا يجب أن نكون جميعًا على قدر المسؤولية التي تليق بشعبنا الذي طالما عانى الكثير من الأزمات والمشاكل. ان العمل الجاد والمخلص هو السبيل لتحقيق الأهداف الوطنية فنحن مطالبون بأن نكون على مستوى تطلعات شعبنا وأن نكون جزءًا من الحل لا جزءًا من المشكلة من خلال اتخاذ قرارات تصب في مصلحة العراق ومستقبل أجياله.

اذ يتوجب علينا الآن أن نبدأ بالحوار الوطني فالتغيرات الإقليمية والعالمية تتسارع بشكل متزايد مما يفرض علينا التكيف السريع واتخاذ خطوات ملائمة لمواكبة هذه التحولات. لا وقت للانتظار، إذ يجب أن نسرع في بدء هذا الحوار الوطني الذي يمثل الفرصة الوحيدة لتحقيق التغيير الشامل والاستقرار الدائم. إن العمل المشترك اليوم هو الضمان لبناء عراق قوي مستقل وآمن للأجيال القادمة. كما أن القوى الدولية والإقليمية يجب أن ترى أن هناك قوى عراقية متحدة تعمل بحق من أجل بلدها، فالصورة المبعثرة لا تجذب الانتباه ولا تساهم في تعزيز الموقف الوطني. ان الوحدة والعمل المشترك هي السبيل لإثبات قوتنا وقدرتنا على مواجهة التحديات.

زر الذهاب إلى الأعلى