مقالات رئيس التحريرموضوعات رئيسية

د. علي الجابري: من هو رئيس الوزراء الفرنسي الجديد وما فرص نجاحه ؟

لم يتأخر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في إختيار المرشح لرئاسة وزراء فرنسا خلفاً للمستقيل فرانسوا بايرو، كما إنه لم يذهب بعيداً، واختار واحداً من أقرب اتباعه.

ماكرون اختار وزير الدفاع سيباستيان ليكورنو، البالغ من العمر 39 عاماً، والذي أصبح وزيراً في عدد من الحكومات الفرنسية المتعاقبة منذ عام 2017، كما انه اصغر من تولى منصب وزير الدفاع في تاريخ بلاده ، ويلقب بـ”الجندي الامين للرئيس”.

إنضم ليكورنو بداية الى حزب نيكولا ساركوزي “حزب الجمهوريين اليميني التقليدي” قبل ان يتحول الى تيار ماكرون الوسطي عام 2017، وترأس بلدية فيرنون عام 2014، ثم اصبح رئيساً لمجلس إقليم اور في نورماندي عام 2015، وكان أصغر من تولى هذا المنصب. بعدها أصبح وزير دولة للإنتقال البيئي للفترة من (2017-2018)، ثم وزيراً للسلطات المحلية للفترة من (2018-2020) ، ثم وزيراً للأقاليم الخارجية للفترة من (2020-2022) ، وأخيراً تقلد منصب وزير الدفاع من مايو 2022 في ثلاث حكومات متعاقبة، حتى تم تعيينه رئيساً للوزراء.

ان اختياره لهذا المنصب في هذا الظرف العصيب التي تمر فرنسا، يُقرأ منه إصرار الرئيس ماكرون على المضي في إدارة البلاد عبر حكومة أقلية متمسكة بجدول أعمال اقتصادي يشمل خفض الضرائب على الشركات والأثرياء ورفع سن التقاعد، وهو أمر سيكون شاقاً بالنسبة إليه ، اذ يتعين عليه التفاوض مع برلمان منقسم منذ الانتخابات المبكرة الماضية بين ثلاثة معسكرات رئيسية، وهي اليسار والوسط واليمين المتطرف.

دوره في تطويق الازمات

بالأضافة الى ولائه المطلق للرئيس الفرنسي، فإن سباستيان ليكورنو، المولود في كوبون في فال دواز عام 1986، قد عرف بدوره المؤثر في تطويق الازمات التي مرت بها البلاد، وابرزها احتجاجات السترات الصفراء. كما انه يمتلك علاقات وثيقة مع اليسار، ويحظى بقبول من قبل حزب التجمع الوطني المعارض، وقد وصفه احد نواب الحزب في البرلمان بأنه”رجل مهذب ومحترم وتربطنا به علاقات جيدة”.

وبرز دوره في الحرب الروسية الاوكرانية، حيث كان يسعى الى تنسيق اعادة تسليح البلاد التي أمر بها الرئيس ماكرون كما كان في طليعة جهود تكثيف التعاون الاوروبي في مجال الدفاع، وخاصة مع ألمانيا.

وفي اعقاب السابع من أكتوبر ، ارسله ماكرون في جولة إقليمية للتفاوض على أطلاق سراح الرهائن الفرنسيين المحتجزين في قطاع غزة.

ويبدو ان كل المهام التي تولاها ليكورنو، ونجاحه في البقاء وزيراً موثوقاً في (6) حكومات فرنسية متعاقبة الا انه اليوم أمام التحدي الاصعب، في ظرف داخلي أخطر ، يتطلب منه السير بين الالغام خلال مفاوضاته مع الاحزاب السياسية في البرلمان المنقسم، لاقناعها في التصويت على الميزانية، التي كانت سبباً في الاطاحة بالحكومة السابقة، وربما سيلاقي هو الاخر ذات المصير لسابقيه، بسبب رفض اليسار واليمين المتطرف.

وفضلاً عن صعوبة التفاوض وإمكانية اقناع الاحزاب السياسية ببرنامجه الحكومي، تقف فرنسا اعتباراً من اليوم على أعتاب أزمة جديدة تتزامن مع قرار تعيينه، وهي الاحتجاجات الكبيرة التي تخرج اليوم تحت شعار “أغلقوا كل شئ” مع خطط لقطع الطرق وتعطيل المدارس والاضراب في وسائل النقل واغلاق مستودعات الوقود ، بالاضافة الى مشاركة طلاب المدارس الثانوية والجامعات في الاحتجاجات، وهي خطوة قد لا تنتي في هذا اليوم ، وربما تتحول الى مشهد مشابه لاحتجاجات السترات الفراء عام 2018. التي بدأت كإحتجاج على ضرائب الوقود ثم تطورت الى حركة احتجاجية واسعة ضد الحكومة

كما ينتظر ان تشهد فرنسا يوماً أكبر من الاضرابات العمالية في 18 سبتمبر ما يضاف الضغوط على الحكومة الجديدة.

اليسار .. التكتل الأشرس

حتى الآن ، وفي ظل غياب أغلبية واضحة لماكرون في البرلمان، يبدو ان اليسار، بقيادة فرنسا الأبية وحزب الخضر اكبر الرافضين لتعيينه رئيساً للوزراء، فهو من وجهة نظرهما، يعتبر رمزاً لنهج ماكرون الامني والليبرالي ، خاصة وان أسمه ارتبط بملفات مثيرة للجدل ، كإحتجاجات السترات الصفراء ، واحداث جزر جوادلوب، حيث اتهمته المعارضة بإستخدام اسلوب قمعي بدلاً من تقديم اصلاحات اجتماعية. وقد وصفته ماتيلدا باروت من حزب فرنسا الأبية ب”الاستفزاز” مشيرة الى سجله في تعامل الحكومة مع احتجاجات السترات الصفراء.

أما بالنسبة للجمهوريين التقليديين فقد ابدوا إستعداداً للتفاوض معه، ما قد يفتح الباب امام توافقات ظرفية لتمرير مشروع الميزانية، اما اليمين المستطرف ، فقد اعلن انه لن يتردد مطلقاً في التصويت بحجب الثقة عن الحكومة متى ما اقتضت المصلحة ذلك، وهو ما قد يضع رئيس الوزراء المكلف تحت ضغط دائم.

السيناريو الاقرب

من خلال قراءة للمشهد السياسي الفرنسي، يمكن القول ان احتمال نجاح ليكورنو في تشكيل حكومة مؤقتة او حكومة تكنوقراط، هدفها تمرير الميزانية وتجنب انتخابات مبكرة قد تفتح الباب امام صعود اليمين المتطرف ، أمر وارد. لكنه لن ينجح في بناء إئتلاف واسع أو حكومة مستقرة على المدى الطويل، وأغلب الظن ان حكومته ستظل هشه ومهددة بالسقوط في أي لحظة عبر تصويت حجب الثقة.. 

كل ما يستطيع ان يفعله رئيس الوزراء المكلف، هو تجنب الانهيار السياسي الفوري، وشراء الوقت للرئيس ماكرون، وتجنب انتخابات مبكرة خلال الشهر المقبلة.

رئيس تحرير صحيفة يورو تايمز

زر الذهاب إلى الأعلى