آراء

هاني عسّاف: لماذا أكره إيران؟

قررت أن أكتب هذا المقال، وهو ليس الأخير في مسيرتي، لكنه الأوضح في الإجابة عن سؤال يتكرر منذ سنوات: لماذا أكره إيران؟
جوابي ليس عاطفة ولا موقفًا سياسيًا عابرًا، بل تجربة عشتها بنفسي، وأحداث شهدتها منذ عام 1998، وما زالت تفاصيلها حاضرة في ذاكرتي.

في ذلك العام وصلت برقية عاجلة من المخابرات العامة، تخبر بوجود ضابط إيراني سيدخل العراق. لم يكن عسكريًا نظاميًا، بل من جهاز المخابرات والاختصاص في المختبرات. تحركنا بسرعة، وتم نصب سيطرات على مداخل بغداد، وكنت حاضرًا مع الأجهزة الأمنية تلك الليلة عند الساعة الواحدة بعد منتصف الليل.

اقتربت سيارة نوع “كوستر” محمّلة بالركاب، وبدأت الأجهزة الأمنية بالتدقيق. كاد الرجل المطلوب أن يفلت، لولا يقظة أحد الضباط الذي أعاد تفتيش السيارة وطلب من شخص محدد النزول. في البداية اعتقدنا أنه أبكم، حتى أننا قلنا: “خطيّة أخرس.” لكن الضابط كان له رأي آخر. قدّم له سيجارة وقال له بهدوء: “أنا أعرف من تكون، ولن أكرر عرضي. إن تكلمت، لن أسلمك لهم، بل ستذهب معي ولن تُعذَّب. اختر الآن.”

كانت لحظة صاعقة. فجأةً تحدث الرجل وقال:
“اسمي …. أعمل في …. إيران. جئت إلى مدينة الثورة – مدينة صدام – ومهمتي تدريب بعض الأشخاص على استهداف الأمن العام في البلديات، وكذلك استهداف دوريات الشرطة بين الدورة والمحمودية.”

وعندما سُئل عن السلاح، أجاب: “موجود حاليًا في الكمالية في بيت فلان.”
عندها صدمتني الحقيقة: الحرب توقفت منذ سنوات، فلماذا كل هذا الحقد؟

جاءني الجواب من أحد الضباط الحاضرين:
“أستاذ، إيران إذا أغمضت عينيك لحظة، ستُدخل آلاف المخدرات وآلاف قطع السلاح. هذا واحد من عشرات يحاولون الدخول. بعضهم ينجح، لكن مصيرهم في النهاية أن يقعوا بأيدينا. قبل شهرين فقط قاموا بحملة إرهاب، ولهم محاولات أخرى.”

ثم أضاف الضابط: “كل أسبوع يحاولون العبث بالطاقة الكهربائية لإخراجها عن الخدمة.”
كانت تلك الكلمات كافية لتكشف عمق المؤامرة. الكهرباء ليست مجرد تيار، بل شريان حياة لمدنٍ كاملة. وحين يطفئونها، لا يطفئون المصابيح فقط، بل يطفئون صبر الناس، ليصبّ الغضب على الدولة بدلًا من منبع التخريب.

منذ تلك الليلة فهمت أن الحرب لا تكون دائمًا بالمدافع. أحيانًا تُدار بزرّ قاطع كهرباء، أو بحقيبة مخدرات، أو ببندقية تتربص بدورية شرطة.

ومن هنا، أقولها بوضوح: إيران لم تكن يومًا جارًا حسنًا للعراق، إنما كان حقدها هو العنوان.
حقدٌ لا يهدأ، يطل علينا في كل محاولة تسلل، في كل سلاح مهرّب، وفي كل خلية تتربص باستقرارنا.

لست أكتب اليوم بدافع الكراهية العمياء، بل من تجربة عشتها، وواقعٍ تأكد عبر السنين. إن كراهيتي لإيران ليست ضد شعب، بل ضد مشروع قائم على الفوضى والتخريب، مشروع لا يريد للعراق أن ينهض يومًا قويًا مستقلًا.

العراق يستحق أن يعيش بكرامة وسيادة، بعيدًا عن أحقاد الآخرين وأطماعهم. وهذه هي الحقيقة التي سأظل أكتبها ما حييت.

جميع المقالات تعبر عن رأي كتابها ولا تمثل يورو تايمز

زر الذهاب إلى الأعلى