نزار العوصجي: إستعرضوا التأريخ لكي تتيقنوا

من المؤكد ان فكرة الكتابة او البحث في موضوع ما لا تأتي من فراغ ، ولابد من ان يكون لها دوافعها ، وغالباً مايكون الغرض منها ، توضيح لمعلومة معينة ، او كشف لحقيقة خافية ، قد يجهلها البعض ..
الموضوع الذي نخوض في غماره اليوم رغم انه بعيداً عن اختصاصنا يدور حول الجريمة ، وبدءاً لابد من تعريفها اولاً ..
الجريمة هي العملية التي يتم فيها تحديد الفعل الذي قام به شخصً ما ، والذي يندرج تحت وصف قانوني معين ، وذلك لتحديد نوع الجرم وطبيعته وتطبيق القانون المناسب عليه ، لذا يقوم المحققون والقضاة بتطبيق القانون على الواقعة الجنائية وتحديد العقوبة المستحقة للجاني ..
ولكي تعتبر الواقعة جريمة ، يجب أن تكتمل فيها الأركان الثلاثة التالية :
• الركن الشرعي : وجود نص قانوني يجرم الفعل المرتكب ..
• الركن المادي : حدوث الفعل الجرمي وتحقيقه للنتيجة المطلوبة ..
• الركن المعنوي : وجود نية أو قصد بارتكاب الجريمة ، أو وجود خطأ ..
وتنقسم الجرائم بشكل عام في القانون إلى أنواع حسب طبيعتها ، كما يتم تصنيف الجرائم حسب درجة الخطورة ( القانون العام ) ، حيث يعتمد هذا التصنيف على العقوبة المقررة لكل جريمة في القانون ، ويكمن الفرق الأساسي والجوهري في تصنيف الجرائم وفقًا لخطورتها وتأثيرها على المجتمع ، مما ينعكس على نوع العقوبة ومدى شدتها والإجراءات القانونية المتبعة في التعامل معها ..
ان مفهوم الوصف القانوني للجريمة هو تحديد ماهية الفعل المرتكب وتكييفه مع أحد الأوصاف الجرمية المنصوص عليها في القانون ، وتتضمن العملية عدة جوانب :
• التكييف القانوني : إخضاع الفعل المجرم لنص التجريم الوارد في القانون .
• تحديد الأركان الأساسية : التأكد من وجود الركن الشرعي والمادي والمعنوي للجريمة .
• التمييز عن الأفعال الأخرى : التفريق بين الفعل المرتكب وبين الأفعال الأخرى التي قد تكون مدنية أو تأديبية ..
ولتوصيف الجريمة أهمية في تطبيق العدالة ، حيث يضمن توصيف الجريمة بشكل صحيح تطبيق العقوبة المناسبة على مرتكبها وتحقيق العدالة ..
ان عملية تحديد وتصنيف الجرائم ، تساعد في الحفاظ على النظام والأمن داخل المجتمع ، لذا فان المسؤولية يحددها الوصف القانوني الجنائي على المتهم ..
وتقسم الجرائم الى ثلاثة اقسام رئيسية :
• جرائم أمن الدولة ( السيادية ) ..
• الجرائم الكبرى ( الجنايات ) ..
• الجرائم الصغرى ( الجنح ) ..
وتتضمن جرائم أمن الدولة بشكل أساسي الجرائم التي تمس الأمن الداخلي والخارجي ..
من الأمثلة على جرائم أمن الدولة :
• الخيانة وتشمل التآمر مع العدو أو العمل ضد الدولة لصالح دولة أجنبية ..
• التجسس والحصول على أسرار الدولة أو معلوماتها وتقديمها لدولة أخرى ..
• الاتصال بالعدو والتواصل مع دولة معادية لأهداف غير مشروعة ..
• النيل من هيبة الدولة والقيام بأعمال تضر بمكانة الدولة أو شعورها القومي ..
• الإرهاب وارتكاب أعمال عنف بغرض التخريب أو نشر الخوف ..
• جرائم ضد الدستور ومحاولة تغيير الدستور بالقوة أو الاعتداء على السلطات ..
• الفتنة وإثارة الاقتتال الطائفي أو حرب أهلية ..
• جرائم المخدرات من إنتاج وترويج ، أو تهريب المواد المخدرة والمؤثرات العقلية ..
• تزييف العملة وتزوير النقود أو العملات المالية الحكومية ..
• جرائم اقتصادية وتشمل أي جرم يمس بالأمن الاقتصادي للدولة ..
• إفشاء أسرار الدولة وتسريب المعلومات والوثائق الرسمية ..
• حيازة أو استخدام الأسلحة والمتفجرات بدون ترخيص بغرض ارتكاب جرائم ..
• الاعتداء على الأرواح والممتلكات ..
• اختطاف الطائرات والتدخل في عمل الملاحة الجوية ..
اما الجرائم الكبرى والصغرى فان الفرق بينها يكمن في درجة خطورتها وعقوباتها ، فالجرائم الكبرى ( الجنايات ) هي الأكثر خطورة وتشمل الجرائم التي تهدد المجتمع مباشرة مثل القتل والسرقة والأغتصاب ، لذا تعتبر الجنايات من الجرائم الخطيرة ..
اما الجرائم الصغرى ( الجنح ) فهي جرائم أقل خطورة مقارنة بالجنايات ، ولكنها تسبب خللاً في النظام العام ، لذا تختلف إجراءاتها عن الجرائم الكبرى ..
بين الحين الأخر يدفعنا الفضول الى الخوض في مواضيع ليس لها علاقة بمجال عملنا ، الا ان الضغط النفسي الذي نتعرض له ، والذي تعرضنا له منذ اليوم الأول للأحتلال ، وما رافقه ، وما نتج عنه من ألم يعتصر قلوبنا ، جعلنا ندقق في سجلات الثلة الباغية التي أوغلت في تدمير العراق ، وفي تدمير القيم الأنسانية والأخلاقية والمجتمعية ..
لقد باتت عملية التقصي سمة لاتفارق من يعتصره الألم ، لذا نجد ان العفوية تضعنا في موضع البحث ، كما لو كنا نبحث عن دواء للداء الذي يلازمنا منذ 22 عاماً ، دون أستشارة او تكليف من أحد ..
ماتقدم من إيجاز لمفهوم الجريمة يجعلنا نسأل : هل يجوز لمرتكبي الجرائم بمختلف درجاتها ، تولي المناصب في أدارة الدولة ؟؟
والجواب المنطقي هو :
ان تأكيد جواز تولي مرتكبي الجرائم للمناصب في أدارة الدولة من عدمه ، يتحدد تبعاً لطبيعة الدول ، ودرجة احترامها للقانون ..
ففي الدول التي تحترم القانون يكون الجواب (( كلا )) بالتأكيد ، فلا يجوز لمرتكبي الجرائم بكافة درجاتها تولي مناصب في أدارة الدولة ، والسبب في ذلك ان تلك الدول تنظر الى المنصب على انه مسؤولية كبيرة تجاه الشعب ، لا يمكن لمجرم تحملها او الأيفاء بها ..
اما في الدول التي لا تحترم القانون مطلقاً (( العراق نموذجاً )) ، فان الجواب هو (( نعم )) بالتأكيد ، فجميع الذين تولوا المسؤولية بعد الأحتلال هم مجرمين وخارجين عن القانون ..
والأفضلية في تولي المناصب في أدارة الدولة للمجرمين وأصحاب السوابق ، بل ان السجل الإجرامي بات شرطاً اساسياً لتولي المنصب بعد 2003 ، كما انه يعد بمثابة شهادة حسن سير في مخالفة القانون ، وفي السلوك الإجرامي ، ووسام شرف يؤهل حامله لتولي المنصب ..
ان الأولوية في العراق هي لمرتكبي جرائم أمن الدولة ( السيادية ) الموغلين في التدمير ، من الخونة والجواسيس والعملاء الذين جاهدوا للنيل من هيبة الدولة ، يليهم مرتكبي الجرائم الكبرى ( الجنايات ) من القتلة واللصوص وتجار المخدرات ، يليهم مرتكبي الجرائم الصغرى ( الجنح ) من النشاله وحرامية التايرات والساقطين ..
فكلما كبرت الجريمة وازداد الأيغال فيها ، وكلما غابت النزاهة والأمانة والعفة والوطنية ، كلما كبرت الحضوه في تولي المنصب ، والعكس صحيح ..
ولكم ان تستعرضوا سجل الأمعات الذين تسلطوا على رقاب العراقيين خلال العقدين الماضية ، لكي تتيقنوا من صدق مانقول ..
لله درك يا عراق الشرفاء ..