آراء

د. عبدالسلام سبع الطائي: الزناد الأوروبي في وجه إيران!

مقدمةالعراق بين مطرقة واشنطن وسندان طهران!

ان توقيع “اتفاقية السلام بين أذربيجان وأرمينيا” برعاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 8 أغسطس/آب 2025،تلاها في 28 أغسطس 2025، تفعيل الدول الأوروبية الثلاث :المملكة المتحدة، فرنسا، ألمانيا – المعروفة بمجموعة E3 – آلية (snapback) “سناب باك” ضد إيران، يعكس تنسيقًا ضمنيًا بين القوى الغربية لعزل ايران ولإعادة ترسيم خارطة النفوذ في منطقة القوقاز وحتى الشرق الأوسطوعلى الاخص العراق . هذا التحرك يندرج ضمن ما يمكننا تسميته بدول الطوق الأمريكي الأوربي حول إيران، لتطويق طهران وبغداد دبلوماسيًا وجغرافيًا واقتصاديا وتحييد روسيا عبر تعزيز علاقاتها مع دول الجوار الإيراني، لا سيما أرمينيا وأذربيجان وتركيا المحاذية لسوريا والعراق، لإعادة فرض شروط جديدة على ايران في ملفات متعددة، من بينها النووي، والأمن الإقليمي، والتوازنات في أمن الطاقة والغاز.

أولا: من تفكيك المفاهيم الى تفكيك إيران !

ما سنقوم به ليس مجرد تحليل منهجي بحت، بل عملية تشريح دقيقة لأدوات الضغط الجيوسياسي والاقتصادي والعسكري التي تُحاصر إيران من كل اتجاه. هذه المفاهيم المنهجية التي سنفككها ليست نظريات عابرة، بل آليات عملياتية تُستخدم فعليًا على الأرض لإعادة تشكيل موقع إيران في الخارطة الإقليمية والدولية. كما هي موضحة ادناه:

1. آلية “سناب باك(snapback)

تتيح هذه الآلية لأي طرف مشارك في الاتفاق النووي وفقًا لمفهوم مجلس الأمن بقراره رقم 2231، الإبلاغ عن أي “خروقات جوهرية”، تؤدي إلى إعادة فرض العقوبات تلقائيًا خلال 30 يومًا، ما لم يصدر قرار من المجلس بغير ذلك. وتُعد هذه الآلية محصّنة قانونيًا ضد الفيتو، مما يمنحها قوة تنفيذية غير مسبوقة.

2. آلية “الزناد

هي خطة إجرائية داخل الاتفاق النووي (JCPOA)، تتيح للدول الأوروبية إعادة فرض العقوبات في حال عدم التزام إيران ببنود الاتفاق. وبطبيعة الحال، فهي غالبًا تُستخدم كأداة ضغط دبلوماسي لإعادة إيران إلى طاولة المفاوضات. صاغرة

3اتفاقية “زينغور” للسلام“: تطويق استراتيجي لإيران !

لعل توقيع اتفاقية السلام بين أذربيجان وأرمينيا برعاية أميركية، تحت مسمى “طريق ترامب للسلام والازدهار الدولي (TRIPP)”، فتح الباب أمام إنشاء ممر بري يربط أذربيجان بتركيا عبر جنوب القوقاز، بمحاذاة الحدود الشمالية لإيران. هذا التطور وضع واشنطن فعليًا على حدود إيران وهو ما تعتبره طهران تهديدًا جيو سياسيًا مباشرًا قد يؤدي إلى عزلها عن أوروبا وجنوب القوقاز والشرق الاوسط. وهو مشروع، حصلت فيه شركات أميركية على امتياز تشغيله لمدة 99 عامًا، يعكس دخولًا أميركيًا–تركيًا قويًا في قلب التوازنات الإقليمية، ويُعيد ترسيم خارطة النفوذ بما يزيد من عزلة إيران والعراق في محيطهما الحيوي.

ثانيا: ايران: ما بعد النفط والسويفت ليس كما قبله ؟

لابد من الإشارة، بان السويفت SWIFT هو نظام التحويلات المالية العالمي المعروف، وقد تم فصل إيران منه سابقًا ضمن العقوبات، ما أدى إلى عزلها ماليًا عن العالم، وسيجبرها على استخدام عملاتبديلة مثل العملات المحلية أو العملات الرقمية الهزيلة!. لا مناص من القول، ايران اليوم تحت المجهر، العمليات السرية للعقوبات لا ترحم والضربة القادمة ستفكك مفاصل ايران وستعيد رسم حدود إيران الجيوسياسية. وفي حال عدم صدور قرار من مجلس الأمن خلال 30 يومًا، ستعود العقوبات الدولية منتصف أكتوبر 2025، والتي ستشمل:

• حظر الأسلحة التقليدية

• قيود على تخصيب اليورانيوم

• تجميد الأصول

• تفتيش الشحنات الجوية والبحرية

وبطبيعة الحال، فقد وصفت إيران هذه الخطوة بأنها “غير قانونية”، حيث صرّح النائب الإيراني حسين علي حاجي دليغانيبأن البرلمان بدأ العمل بمشروع قانون عاجل، مهددا بالانسحاب الكامل من معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT)، وذلك ردًا على قيام ألمانيا وفرنسا وبريطانيا بتفعيل “آلية الزناد” ضمن الاتفاق النووي ملمحا إلى أن البرلمان الإيراني سيقوم باتخاذ إجراءات تجعل هذه الدول “تندم على صعيدها“. في هذا الاطار، إيران ترى في اتفاقية زنغور” تهديدًا استراتيجيًا سيُدخل أميركا والناتو وتركيا وأفغانستان إلى حدودها. وفي مقابل ذلك، فان دول الخليج قد تستفيد من عزلة إيران لتوسيع شراكات استراتيجية مع أذربيجان وتركيا وتوسيع دورها في مشاريع النقل والطاقة.

ثالثا: مواقف دولية تجاه ايران:

• الولايات المتحدة: دعمت الخطوة الأوروبية رغم انسحابها من الاتفاق عام 2018. كما أعربت عن دعمها لهذه الخطوة الأوروبية واستعدادها للدخول في مفاوضات مباشرة مع طهران إذا ما رغبت بذلك.

• الوكالة الدولية للطاقة الذرية : ستواجه خطر فقدان صلاحياتها في التفتيش إذا انسحبت إيرانمن NPT.

• روسيا والصين: من جانهما اقترحتا تمديد الاتفاق حتى أبريل 2026، في محاولة لتجميد التصعيد.

• اوربا: في المقابل، عرضت بعضها على الدول الأوروبية (E3) تأجيل تطبيق آلية “سناب باك” لفترة تصل إلى ستة أشهر إذا وافقت إيران على استئناف المفاوضات والسماح بالوصول الكامل للوكالة الدولية للطاقة الذرية .

وعلى صعيد التأثير الإقليمي لهذه المواقف، فانها ستؤول الى ارتفاع التوتر في الخليجوزيادة التهديدات ضد الملاحة والطاقة.

1. سيناريوهات دولية محتملة

• تصعيد دبلوماسي وضغوط متزايدة

• احتمال تجميد العقوبات مقابل مفاوضات

• دور روسي–صيني في تعطيل المسار الأوروبي

• مواجهة نووية محتملة من إيران

.2. سيناريو المواجهة المباشرة

• إيران ستعتبر الخطوة الأوروبية لدول E3 “عدوانًا” ربما ستواجه بتصعيد نووي:  (زيادة التخصيب لمستويات خطرة، أو تركيب أجهزة طرد جديدة) علاوة على تقييد تفتيش الوكالة، وهي بالطبع غير قادرة على ذلك: لا تقنيا ولا عسكريا ولا استخباريا. ولكن ان حصل ذلك سينجم عنه:

• انهيار شبه كامل للاتفاق النووي.

• احتمال نشوب مواجهة عسكرية إسرائيلية موضعية محدودة يرافقها توترات بالخليج.

3.تداعيات المواجهة منها :

• ارتفاع أسعار النفط والغاز.

• تصعيد سياسي وعسكري في الشرق الأوسط.

رابعاالعراق في مرمى الزناد!

1. سياسيا: النظام العراقي حاليا في غرفة العمليات الجيوسياسية بين فك الارتباط والانفجار الإقليمي وبين العقوبات والانسحاب، فلم يعد العراق وسيطا، بل هدفا وفي مرمى الزناد، انه في عين العاصفة يترنح ما بين الانسحاب الأمريكي والكمين الإيراني ، ما بين التصعيد، التجميد او الانفجار. وسيُكتب مستقبل النظام في العراق اما في غرف العقوبات أو على طاولة الانسحاب.  وستبدأ ملامح التغير من تغيير المعادلة الانتخابية أيضا عدا ما قبلها.

2. عسكريا وامنيا: في خضم هذه التصعيدات ضد إيران التي تزامنت مع خطة انسحاب الولايات المتحدة التدريجية من العراق، تشمل مغادرة القوات من مطار بغداد الدولي وقاعدة عين الأسد بحلول منتصف سبتمبر 2025 للتموضع في سوريا واربيل. هذا التزامن الهادف الى فك الارتباط والتموضع بسوريا يثير تساؤلات حول ما إذا كانت واشنطن تعيد رسم خريطة النفوذ في المنطقة، وتوبخ العراق للحصول على مزيد من الضغط على إيران. حري بنا القول هنا ، هذا الانسحاب لا يبدو تكتيكيًا فحسب، بل يحمل دلالات استراتيجية ستغير الخارطة السياسية تدريجيا تليها حزمة من التغيرات، تحتاج حسب قراءتنا واستقرائنا الحالي، الى تفصيل وتحليل خاص ومنفرد وفقا لمعطيات مجرى الاحداث الانية والقادمة المتزامنةمع:

• مرحلة ما بعد انسحاب القوات الأمريكية من مطار بغداد الدولي.

• واخلاء قاعدة عين الأسد بالكامل، مع بقاء قوات محدودة في بغداد وإعادة التمركز في أربيل وسوريا.. لعل دمج الملف العراقي بالإيراني جعل العراق اليوم يقف على مفترق طرق: إما أن يلتزم بالعقوبات او يواجه اضطرابات داخلية، سيما بعد فشل محاولات التوازن بين واشنطن وطهران ، لذلك سيخاطر العراق بعقوبات مزدوجة. في كلتا الحالتين، يبدو أن العراق سيدفع ثمن إعادة تشكيل المعادلة الإقليمية خلال شهري، أيلول واكتوبر على النحو الاتي: 

أولا: في شهر أيلول: نستقرأ حصول ما يلي:

• تصعيد دبلوماسي وضغوط متزايدة على العراق وايران.

• احتمال تجميد تكتيكي للعقوبات على ايران مقابل مفاوضات

• بروز دور روسي–صيني لتعطيل المسار الأوروبي

• مواجهة عسكرية نووية محتملة من إيران

ثانيا: في أكتوبر:

• تصعيد مباشر: عودة العقوبات تلقائيًا، خسائر اقتصادية لإيران، توتر خليجي وإقليمي.

• تجميد مؤقت: مفاوضات جديدة، هدوء نسبي.

• مساومة دولية: تقديم مشروع قرار روسي–صيني، يصاحبه انقسام دولي يليه انقسام صيني روسي .

• مواجهة عسكرية: انهيار الاتفاق، تصعيد نووي، ضربات محتملة، ارتفاع أسعار الطاقة.

خاتمة 

العراق، جمجمة العرب، لا يُختزل في نظام سياسي ايراني هش، بل يُجسّد شعبًا وحضارةعربية إسلامية ضاربة في الجذور. 

المرحلة بدأت بالفعل… تغيير المعادلة الانتخابية للنظام بعد أكتوبر 2025 ليس مجرد تحول سياسي، بل عملية جراحية كبرى لفك ارتباط العراق بإيران، تحت ضغط دولي لا يرحم. والعراق كشعب هو الكف التي قد تصفع الجميع إن استُفزّت. من يظن أن العراق سيبقى على الهامش، لم يفهم بعد أن فقه امتنا العربية الاسلامية لا يموت بالصمت، بل ينهض من تحت الركام كالطائر العنقاء حين يُستهان بها. ومع اقتراب آلية “سناب باك” من إعادة تشكيل المشهد النووي الإيراني، فإن الملف العراقي لم يعد دبلوماسيًا، بل سيتحول تدريجيًا إلى ملف أمني–عسكري، حيث تُعاد صياغة الخرائط بالنار لا بالحبر. 

وعلى النظام السياسي العراقي الذي يراهن على الحياد أو التبعية، عليه أن يدرك أن لحظة الانفجار لا تستأذن أحدًا، وأن العراق، بشعبه لا بنظامه، هو الريح التي لا تُحتوى، والزلزال الذي لا يُتوقع.

الرسالة واضحة: من لا يغيّر تموضعه، سيتحوّل إلى ساحة تصفية حسابات، لا لاعب فيها ولا حكم

=============================================================

@أستاذ علم الاجتماع الاسبق بجامعة بغداد وكوبنهاكن الحكومية بالدنمارك

📚 المراجع:

1. United Nations Security Council Resolution 2231 (2015). https://www.un.org/securitycouncil/content/resolution-2231-2015

2. وكالة النشرة نقلاً عن تسنيم، وكالة تسنيم الإيرانية بتاريخ [27 أغسطس 2025]، صرّح النائب الإيراني حسين علي حاجي دليغاني.

3. Reuters. “Iran is facing return of UN sanctions: What happens now?” (2025). https://www.reuters.com/world/china/iran-is-facing-return-un-sanctions-what-happens-now-2025-08-28

4. International Atomic Energy Agency (IAEA). Reports on Iran’s nuclear program. https://www.iaea.org

5. Fitzpatrick, M. (2020). The JCPOA and the Snapback Mechanism: Legal and Strategic Implications. IISS Publications.

6. Kelsey Davenport. “The Iran Nuclear Deal: Snapback and Sanctions.” Arms Control Association. https://www.armscontrol.org

7. ممر زنغزور: التحدي الجيوسياسي الذي يواجه إيران في القوقاز | الميادين

8. تقرير مجلة صوتها حول العقوبات الأمريكية على إيران وأثرها على العراق

9. تحليل شفق نيوز حول حملة الضغط الأقصى وتأثيرها على العراق

10. مقال عربي21: تغيير المعادلة السياسية في العراق بسبب العقوبات

11. The Cradle، تقرير حول انسحاب القوات الأمريكية من مطار بغداد الدولي

12. Long War Journal، تقرير حول مغادرة قاعدة عين الأسد وتموضعها بسوريا.

13. تم الاستعانة بنموذج الذكاء الاصطناعي (ChatGPT)  كمصدر مساعد بطريقة علمية (OpenAI)  وفقا للسياقات الأكاديمية والمنهجية

استاذ علم الاجتماع في جامعات

بغداد وكوبنهاغن وستوكهولم الحكومية 

زر الذهاب إلى الأعلى