تحت ضغط حزب الله.. بغداد تدرس تجميد الاتفاقات التجارية مع لبنان

يورو تايمز / خاص
في تطوّر مقلق للعلاقات الاقتصادية بين لبنان والعراق، باتت احتمالات تجميد كامل للتبادل التجاري بين البلدين أقرب إلى الواقع، بعد تحركات يقودها حزب الله اللبناني عبر حلفائه في الإطار التنسيقي الشيعي في بغداد، ردًا على قرار الحكومة اللبنانية الجديد بتبنّي خطة لنزع سلاح المجموعات المسلحة خارج الدولة، وعلى رأسها الحزب نفسه.
خطوة بتشجيع إيراني وصمت عراقي
وبحسب مصادر سياسية مطلعة، فقد طلب حزب الله رسميًا من أطراف داخل الإطار التنسيقي الشيعي، الذي يهيمن على القرار السياسي في العراق، ممارسة ضغوط اقتصادية على بيروت، عبر تعليق اتفاقات التبادل التجاري وتجميد تصدير الفيول الذي يزود لبنان بجزء حيوي من احتياجاته من الكهرباء.
وترجّح مصادر دبلوماسية أن يكون هذا التوجه مدعومًا بصمت إيراني مقصود، باعتباره جزءًا من إدارة ما بعد الحرب الأخيرة في غزة، وفي سياق إعادة ترتيب أوراق “محور المقاومة”، خاصة مع تراجع القدرة الإيرانية على التمويل المباشر.
اتفاق الفيول في مهب الريح
الاتفاق الموقع بين بغداد وبيروت منذ 2021، ويقضي بتزويد لبنان بمليوني طن من الفيول الثقيل سنويًا مقابل خدمات طبية واستشفائية، كان من أبرز مظاهر التعاون بين البلدين، وتم تجديده مؤخرًا في مارس 2025. لكن أي قرار بتجميد العلاقات سيؤدي تلقائيًا إلى انقطاع الكهرباء في لبنان لساعات طويلة، في ظل غياب مصادر تمويل كافية لاستيراد الفيول من السوق العالمية.
خسائر بالجملة تنتظر لبنان
ويُعد العراق ثاني أكبر شريك عربي تجاري للبنان، إذ بلغت قيمة الصادرات اللبنانية إليه نحو 236 مليون دولار في عام 2023، تشمل المنتجات الغذائية، والأدوية، ومستحضرات التجميل. وتؤكد أوساط صناعية لبنانية أن أي توقف مفاجئ في التبادل سيؤدي إلى:
- إغلاق مصانع وشركات صغيرة تعتمد على السوق العراقي كمصدر دخل رئيسي.
- تراجع التحويلات المالية من مئات اللبنانيين العاملين في العراق.
- خسارة ما يقارب 900 شركة لبنانية عاملة داخل العراق لإمكانية الاستمرار.
كما من المتوقع أن يشهد لبنان ارتفاعًا جديدًا في سعر صرف الدولار نتيجة تراجع التدفقات النقدية الخارجية، مما سينعكس على أسعار المواد الأساسية والخدمات.
العراق في موقع أقوى
في المقابل، فإن الاقتصاد العراقي، الأكبر حجمًا والأكثر تنوعًا، لن يتأثر كثيرًا بقطع العلاقات مع لبنان، باستثناء ما يتعلق بالاستفادة من الكفاءات اللبنانية في القطاعين الصحي والاستشاري، إلى جانب تأثر السمعة الإقليمية للعراق كوسيط وداعم للدول الشقيقة.
لكن على المستوى السياسي، فإن العراق سيجد نفسه لاعبًا مباشرًا في ضغوط إقليمية على بلد عربي، وقد يُنظر إليه كمشارك في خنق لبنان اقتصاديًا، ما يضعف من مكانته الدبلوماسية في المحافل الدولية.
موقف واشنطن المرتقب
يرجّح مراقبون أن الولايات المتحدة لن تقف مكتوفة الأيدي أمام قرار عراقي يُنفّذ بطلب من حزب الله ويخدم أجندة إيرانية في لبنان.. فواشنطن التي ما تزال تحتفظ بوجود عسكري ودبلوماسي واسع في العراق، وتدعم استقرار الدولة اللبنانية، قد تستخدم أدوات ضغطها لمنع تمرير القرار أو تعطيله لاحقًا.
وتملك الإدارة الأمريكية قنوات مباشرة مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، الذي نال دعمًا أمريكيًا غير مباشر منذ توليه منصبه، مما يجعل من الضغط الأمريكي احتمالًا واقعيًا، خصوصًا إذا بدا أن القرار العراقي سيقود إلى تفجير أزمة طاقة أو غذاء في لبنان.
غير أن الولايات المتحدة، التي تسعى إلى تحجيم حزب الله دون إسقاط لبنان كدولة، قد تلجأ إلى سياسة “الضغط دون المواجهة”؛ أي منع القرار من التنفيذ دون إثارة ضجة سياسية علنية، أو تأمين بدائل سريعة للبنان إذا تم تنفيذ التجميد.
موقف إيران بين التخفي والتوظيف
من جهتها، تتبنى إيران نهجًا تكتيكيًا غير معلن تجاه الدفع بقرار التجميد. فقبل اتخاذ القرار، يُتوقّع أن تدعمه عبر قنوات غير رسمية (مثل حزب الله وفصائل الإطار التنسيقي)، مع تجنّب الظهور العلني لتفادي الإحراج الدبلوماسي أو المواجهة مع الغرب.
وإذا أُقر القرار، ستوظفه طهران كورقة سياسية في إدارة صراعاتها الإقليمية، وستقدمه كـ”أداة ضغط بيد محور المقاومة” تجاه الحكومة اللبنانية التي اختارت مسارًا مغايرًا لسياسة الحزب.
لكن إيران، بحساباتها الدقيقة، ستبقي على قدرة التراجع عن القرار قائمة، وتُبقي الضغط قابلًا للتخفيض في أي لحظة، تجنبًا لتداعيات شعبية أو تصعيد إقليمي واسع، خاصة إذا بدأ الضغط يؤثر سلبًا على بيئة حزب الله الداخلية أو يؤدي إلى نتائج عكسية على الأرض.