نزار العوصجي: إصلاح مصرفي أم إعادة إنتاج لفشل الرقابة بعد فضيحة الأمانات الضريبية ؟

اتفاقية مصرف الرافدين مع شركة K2 Integrity .. إصلاح حقيقي أم خطوة إعلامية ؟
أعلن مصرف الرافدين عن توقيع عقد شراكة مهنية مع شركة K2 Integrity العالمية في واشنطن ، بهدف تقديم خدمات أستشارية وفنية وتطويرية عالية المستوى ، وأعداد تقارير وفق أرقى المعايير الدولية في مجالي مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب ، وتطبيق أنظمة الأمتثال المعمول بها لدى أكبر البنوك والمؤسسات المالية حول العالم .
مدير عام المصرف ، علي كريم حسين ظاهر الفتلاوي ، وصف هذه الخطوة بأنها قفزة نوعية في مسار الإصلاح المصرفي ، وأنها ستسهم في تعزيز الثقة بالمصارف العراقية وفتح آفاق للتعاون مع البنوك المراسلة عالمياً ، في إطار نهج الحكومة لجعل العراق مركزاً مالياً واعداً في المنطقة .
لكن خلف هذا الإعلان ، تبرز سلسلة من الإشكالات والتناقضات التي تستدعي قراءة نقدية متعمقة ، خاصة عند وضع هذه الخطوة في سياق القرارات الحكومية السابقة بشأن مصرف الرافدين .
التناقض بين القرارات الحكومية :
في تشرين أول / أكتوبر 2024 ، وافق مجلس الوزراء على تعاقد مصرف الرافدين مع K2 Integrity ، في خطوة بدت آنذاك كجزء من توجه حكومي نحو تحديث القطاع المصرفي .
إلا أن الحكومة نفسها أعلنت في حزيران / يونيو 2025 خطة إعادة هيكلة شاملة للمصرف ، تضمنت :
• تغيير هويته المؤسسية إلى First Rafidain Bank .
• تقليص حصة الحكومة إلى أقل من 24%.
• طرح حصة كبيرة للبنوك الخاصة والمستثمرين الدوليين .
• الاستعانة بشركة Ernst & Young لتنفيذ التحول المؤسسي .
هذا التسلسل يثير تساؤلاً مشروعاً ؟؟
لماذا يتم توقيع اتفاقية استشارية كبرى قبل أشهر من إعلان خطة إعادة هيكلة جذرية ستغيّر شكل المصرف وملكيته بالكامل ؟
هل الاتفاقية كانت جزءاً من مسار إصلاح مرحلي معروف مسبقاً ولم يُعلن للرأي العام ، أم أن هناك انفصالاً بين مسار “الإصلاح المؤسسي” ومسار “الإصلاح السياسي” في ملف المصارف الحكومية ؟
غياب الفاعلية التشغيلية :
حتى قبل توقيع الاتفاقية ، كان مصرف الرافدين يعاني من :
• نظام مصرفي داخلي متقادم .
• ضعف في الكوادر المؤهلة لإدارة عمليات امتثال دولية متقدمة .
• محدودية القدرة على العمل كبنك مراسل أو تقديم خدمات مصرفية تنافسية إقليمياً .
في ظل هذه المعطيات ، تصبح الاتفاقية أقرب إلى إجراء شكلي أو دعائي إذا لم تترافق مع خطة داخلية لتأهيل الكوادر ، وتحديث الأنظمة البنكية ، وربط جميع الفروع بأنظمة الامتثال الجديدة .
انعدام دور فعلي لوحدات مكافحة غسل الأموال :
رغم أن الاتفاقية ترفع شعار مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب ، فإن التجربة العملية تشير إلى :
• غياب آليات رقابية فعّالة على العمليات الكبيرة والمشبوهة .
• ضعف التنسيق بين البنك المركزي ووحدات الامتثال في المصارف الحكومية .
• التركيز على استيفاء متطلبات شكلية للتقارير بدلاً من التحقيق الاستباقي والتتبع الفعلي للمعاملات .
هذا الواقع يعني أن أي نظام جديد سيتم إدخاله عبر K2 Integrity سيصطدم بنفس المعوقات المؤسسية ما لم تُعالج جذور الخلل التنظيمي والتشغيلي .
سرقة الأمانات الضريبية دليل الصارخ على هشاشة الرقابة :
أكبر مثال على فشل منظومة الرقابة في مصرف الرافدين هو ملف سرقة الأمانات الضريبية ، التي شهدت اختلاس نحو 3.7 تريليون دينار عراقي من حسابات الأمانات المودعة في المصرف ، وبموجب صكوك مصرفية رسمية .
• هذه الجريمة لم تُكشف من خلال أنظمة الامتثال الداخلية أو وحدات مكافحة غسل الأموال ، بل من خلال تحقيقات لاحقة وضغط إعلامي وسياسي .
• عدم قدرة المصرف على منع أو رصد هذه التحويلات الضخمة يثبت وجود خلل عميق في البنية الرقابية .
• أي حديث عن تطوير أنظمة مكافحة غسل الأموال يصبح بلا قيمة إذا لم تترافق الإصلاحات مع بناء منظومة رقابة داخلية حقيقية قادرة على منع تكرار مثل هذه الجرائم .
الأثر المالي لهذه الحادثة لا يقتصر على قيمة الأموال المسروقة ، بل يمتد إلى :
• تآكل ثقة المودعين المحليين والدوليين .
• زيادة كلفة التأمين وضمان الودائع على الدولة .
• إضعاف فرص التعاون مع البنوك المراسلة الأجنبية التي تضع شروطاً صارمة على الشراكة مع مصارف ارتبط اسمها بفضائح فساد بهذا الحجم .
انعدام الشفافية في آليات التنفيذ :
الإعلان عن الاتفاقية مع K2 Integrity لم يتضمن أي :
• جدول زمني واضح للتنفيذ .
• معايير لقياس الأثر على الأداء الفعلي للمصرف .
• آلية لمساءلة الجهات المنفذة أو تقييم كفاءتها .
غياب هذه العناصر يزيد من احتمال أن تتحول الاتفاقية إلى مشروع استشاري طويل الأمد يستنزف الموارد دون نتائج ملموسة .
بينما يُسوّق الاتفاق مع K2 Integrity كخطوة كبرى في طريق الإصلاح المصرفي ، فإن السياق الفعلي يكشف عن تضارب في القرارات الحكومية ، وضعف في البنية التشغيلية ، وغياب لمنظومة رقابة حقيقية ، إضافة إلى فضائح مالية كبرى مثل سرقة الأمانات الضريبية التي تفضح هشاشة نظام الامتثال في المصرف .
لذلك ، فإن الأولوية ليست فقط في جلب الخبرات الدولية ، بل في بناء نظام رقابة داخلي صارم ، وهيكلة واضحة تربط الإصلاح المؤسسي بالتطوير التشغيلي ، مع شفافية في التنفيذ ومساءلة دورية .
من دون ذلك ، قد تبقى هذه الشراكة مثالاً جديداً على الإصلاحات الورقية التي تُعلن بصخب ، لكنها تفشل في تغيير الواقع .
ما لايخفى على آحد ان التعاقد مع K2 Integrity قد تم بتهديد من الخزانة الأمريكية للحكومة العراقية ، من هنا نجد ان الهدف الاساسي للشركة الامريكية هو أرغام مصرف الرافدين على الأمتثال لمكافحة تمويل الأرهاب ومكافحة غسيل الأموال وليس تطوير المصرف ، بعد ان كشفت حجم عمليات التهريب الى إيران والحوثيين .
كذلك أتهام المصرف بتسهيل تحويلات مالية الى إيران تتراوح بين 500 ال 600 مليون دولار شهرياً ، بالأضافة إلى قضية الكي كارد ، إلى جانب قيام المصرف بتنفيذ مدفوعات لصالح الحوثيين .
اما مايتعلق بتقليص حصة الحكومة إلى أقل من 24% وبيع حصة 76% فهي معروفة ، هدفها تحويل ملكيته رسمياً الى مستثمرين أجانب ، يعتقد ايضاً ان لإيران يد في هذا الموضوع .
لذا فأن الموضوع لاينحصر فقط في ضعف الرقابة الداخلية بل في ان أدارة مصرف الرافدين في حقيقة الامر تدار من قبل ادارة إيرانية خفية ، مع العلم ان الأدارة الخفية لايهمها خسارة العراق لتكاليف التعاقد مع الشركة ..
جميع المقالات تعبر عن رأي كتابها ولا تمثل يورو تايمز