د. عبدالرزاق محمد الدليمي: محافظة السليمانية العراقية ماذا والى اين؟

رغم اننا لم نتفاجأ بما حدث او سيحدث سواء في محافظة السليمانية او غيرها من محافظات العراق المحتل إلا ان الواضح ان النار تحت الرماد في السليمانية ما تزال تقلق المتصدرين للمشهد السياسي والاقتصادي في هذه المحافظة العزيزة الجميلة على قلوب العراقيين
وفي ضوء خبرتنا مع محافظتنا العزيزة في شمال وطننا المنكوب طيلة العقود الماضية فأن الاحداث الاخيرة تأتي في سياق النتائج التي خطط لها في دهاليز الاخرين ولتقريب الصورة امام القارئ ندرج ادناه تحليلا مكثّفًا لما جرى في السليمانية بقيادة بافل طالباني خلال الأيام القليلة الماضية مع خط زمني سريع لدوافعها خلف الكواليس والسيناريوهات المقبلة!
ما الذي حدث؟
فجر الجمعة 22 آب/أغسطس الجاري اندلعت اشتباكات مسلّحة في السليمانية انتهت باقتحام فندق لالهزار واعتقال لاهور شيخ جنكي (رئيس “جبهة الشعب”) وشقيقيه بولاد وآسو. سقط قتلى وجرحى من القوى الأمنية، مع ترجيح 3 قتلى وأكثر من 15 مصابًا وفق تقارير محلية.
سبق ذلك اعتقال شاسوار عبد الواحد (زعيم “الجيل الجديد”) يوم 12 آب/أغسطس، في خطوة فُسّرت تمهيدًا لـ“تنظيف” الساحة في السليمانية قبل موجة التحركات الحالية.
صدرت مواقف دولية تحثّ على ضبط النفس (يونامي والسفارة الأميركية)، ما يعكس قلقًا من انفلات أمني أوسع.
لماذا الآن؟ “الدوافع غير المُعلنة”
1.قفل البيت الداخلي للاتحاد الوطني (PUK):منذ إقصاء لاهور في 2021، ظلّ “ملف لاهور” ثغرة تهدد تماسك القيادة الحالية. تحريك القوة لاعتقاله الآن يوصل رسالة نهاية مرحلة “الازدواجية” داخل السليمانية.
2.تموضع انتخابي وتكتيك تفاوضي إقليمي/اتحادي:
بافل لمح قبل أسبوع إلى تأجيل تشكيل حكومة إقليم كردستان لما بعد انتخابات البرلمان العراقي، لاستخدام ورقة الحكومة في الحملات والتحالفات. تحييد خصومه في السليمانية يمنحه يدًا أعلى داخل الإقليم وبغداد على السواء.
3.بيئة أمنية ممهّدة:
الشهر الماضي شهد حملات استباقية ضد احتجاجات الرواتب واعتقالات لنشطاء وصحفيين—ما عنى “تجفيف” الشارع قبل العملية الكبرى ضد لاهور. هذا النمط يوحي بخطة متدرجة: ضبط الشارع → قصّ أجنحة المعارضة → صدمة حاسمة.
4.رسائل نفوذ خارجية:
تكثيف الزيارات والصلات مع بغداد، وإظهار قدرة على “فرض النظام” في معقل PUK، يعطي بافل أوراق ثقة لدى لاعبين إقليميين يرون في السليمانية عقدة حساسة. (تحليل مستند إلى رصد تواتر نشاطه الاتحادي).
كيف نُفِّذت العملية؟ “بصمة القوة”
•قوة حزبية/أمنية هجينة: الاعتماد على تشكيلات أمنية موالية للاتحاد الوطني (آسايش/قوات خاصة) مع اشتباك مباشر عند الفندق، ثم إنهاء سريع بالاقتحام والاعتقال. الصور والفيديوهات المحلية تظهر استخدامًا كثيفًا للنيران لفرض الحسم.
•سيطرة إعلامية ورسالة رمزية: الظهور العلني لبافل في مجالس العزاء لعناصره رسالة “أنا المسيطر، والمؤسسة خلفي متماسكة”.
•أنباء غير مؤكدة عن مسيّرات قرب مقر بافل صباح العملية رفعت منسوب التوتّر، لكنها بقيت بلا تأكيد رسمي—توظَّف دعائيًا لتبرير “الحسم الوقائي”.
لمن وُجِّهت الرسائل؟
•للداخل الحزبي: لا شراكة موازية داخل PUK بعد اليوم؛ مراكز القوى تُحسَم بالقوة لا بالتسويات.
•لأربيل/KDP: السليمانية “مقفلة” أمنيًا وسياسيًا، وأي تفاوض على الحكومة المقبلة سيكون بشروط PUK أو بعد بغداد/انتخابات تشرين الثاني.
•لبغداد والمجتمع الدولي: الاتحاد الوطني قادر على فرض الاستقرار (ولو عبر القبضة الأمنية). لكن كثافة الاعتقالات ضد صحفيين ونشطاء تثير حساسية حقوقية قد ترتد سياسيًا.
المخاطر والتكاليف
•تأزيم الشرعية: ربط الأمن بالحسم المسلّح يُضعف الغطاء المدني للحكم المحلي ويغذي سرديات “القمع الحزبي”، خاصة مع سجلّ الأسابيع الماضية ضد المحتجّين.
•ارتدادات قبلية/فصائلية: اعتقال لاهور وشقيقيه قد يحفّز خلايا موالية أو حرب اغتيالات/تفجيرات محدودة النطاق. (تحليل + مؤشرات أولية عن سقوط قتلى وتوتّر واسع).
•ضغط دولي متزايد: بيانات يونامي/واشنطن تُنذر بإدخال الملف إلى دائرة المتابعة الحقوقية، ما يقيّد هوامش الحركة المقبلة.
السيناريوهات القريبة (1–3 أسابيع)
1.تثبيت الأمر الواقع: إبقاء لاهور قيد الاحتجاز وإطلاق مسار قضائي سريع، مع حملات “تطهير إداري/أمني” هادئة في السليمانية. (مرجّح).
2.تفاهم برعاية اتحادية: وساطة من بغداد لتخفيف حدّة الملف مقابل مكاسب حكومية/مالية للسليمانية—مع إبقاء القبضة الأمنية. (محتمل).
3.جيوب توتر متقطّعة: حوادث أمنية/رسائل نارية محدودة يَجري احتواؤها دون انزلاق لاقتتال أهلي. (ممكن).
مالذي نتوقعه؟
-مسار ملف لاهور قضائيًا وإعلاميًا (هل يُحوَّل إلى قضية “أمن دولة” أم تُقايَض سياسيًا؟).
-تعامل السلطات مع الصحفيين والنشطاء بعد موجة الاعتقالات الأخيرة (مؤشر مبكر على كلفة “الحسم”).
-إيقاع تفاوض تشكيل حكومة الإقليم—هل يواصل PUK استراتيجية التأجيل لما بعد انتخابات بغداد؟
يبقى السرّ السياسي بما فعلَه بافل طالباني ليس “ردّ فعل” بل مرحلة ثالثة في خطة بدأت بتجفيف الشارع المعارض ثم قطع طريق التحالف بين خصومه (لاهُور/الجيل الجديد) وانتهت بصدمة اعتقال تُعيد تعريف ميزان القوى داخل السليمانية والاتحاد الوطني قبل استحقاقات التشكيل الحكومي والانتخابات.
الكلفة: شرعية حقوقية مضروبة ومخاطر ارتداد أمني—لكن العائد السياسي الفوري: إمساك كامل بالمفاصل.
جميع المقالات تعبر عن رأي كتابها ولا تمثل يورو تايمز