د. قحطان صديق: هل تحتاج البشرية إلى فلسفة جديدة للحياة؟

منذ أن قدم ماركس وإنجلز نقدهما للنظام الرأسمالي ورؤيتهما لفائض القيمة وصراع الطبقات ، والبشرية تبحث عن أنظمة تحقق العدالة .
لكن اليوم، مع الثورة الصناعية الرابعة القائمة على الذكاء الاصطناعي والخوارزميات ، ينهض سؤال جديد : هل تكفي الفلسفات القديمة لفهم عالمنا ، أم أن البشرية تحتاج إلى فلسفة جديدة للحياة ؟
ماركس وإنجلز رأيا أن الرأسمالية قائمة على الاستغلال ؛ فالرأسماليون يستحوذون على فائض القيمة الناتج عن جهد العمال ، مما يخلق صراعا طبقيا بين البروليتاريا والبرجوازية .
والذي قاد إلى تراكم ثروات هائلة لدى قلة ، مقابل فقر ومعاناة للأغلبية . ورغم تركيزهما على الصناعة أكثر من علاقة الإقطاع بالفلاحين ، فإن جوهر الفكرة كان واحداً : غياب العدالة وتفاقم التفاوت .
ومن هنا ولدت الاشتراكية والفكر الشيوعي .
لكن المشهد اليوم مختلف جذريا .
الثورة الصناعية الرابعة لا تقوم على مصانع الفحم والحديد ، بل على الذكاء الاصطناعي ، الروبوتات ، تكنولوجيا النانو ، الحوسبة الكمومية ، التكنولوجيا الحيوية ، إنترنت الأشياء والطباعة ثلاثية الأبعاد .
قاد هذه الموجة رواد مثل إيلون ماسك ، مارك زوكربيرغ ، جيف بيزوس ، وبيل غيتس ، وآخرين حتى باتوا يملكون نصف ثروة العالم .
ولكن استغلالهم إن وجد لا يشبه استغلال أصحاب المصانع في القرن التاسع عشر .
فهؤلاء لا يعتمدون على جهد الأيدي العاملة بقدر ما يوظفون العقول المبدعة .
العقود الضخمة اليوم توقع مع أصحاب الأفكار لا مع العمال والصناعيين .
لقد تهاوت المعادلة القديمة التي صاغتها الفلسفة الماركسية .
ومع ذلك، يبقى شكل آخر من الاستغلال حاضراً ، لقد انتقل الصراع من معمل الفحم إلى فضاء الإنترنت ، ومن فائض القيمة المادي إلى فائض التكنولوجيا والمعرفة .
الأخطر أن التفاوت لم يعد فقط بين الأفراد داخل المجتمع الواحد لكي يعالجه نظام الحكم ، بل اصبح بين الدول نفسها .
شركات مثل ميتا ، أمازون ، غوغل وتسلا باتت تفوق في نفوذها كثيرا من الحكومات ، فيما تتسع الهوة بين دول متقدمة غنية بالتكنولوجيا وأخرى فقيرة عاجزة عن اللحاق .
وتحول الفارق الطبقي من انقسام اجتماعي داخلي إلى انقسام عالمي دول متخمة بالقوة والمعرفة ، وأخرى متروكة للهامش .
وإذا كان تغيير النظام السياسي في الماضي يفتح نظريا بابا لإنقاذ الفقراء ، فإن السؤال اليوم أعقد بكثير العالم بحاجة الى فلسفة جديدة توازن بين طوفان التكنولوجيا والحاجة إلى العدالة ، لتحمي الدول الضعيفة من افتراس الدول ذات التكنولوجيا العملاقة ؟