د بندر عباس اللامي: مشعان الجبوري.. نموذج للانتهازية السياسية في عراق ما بعد 2003

مقالنا هذا التحليلي يركز على ظاهرة برزت واستفحلت بعد احتلال العراق وهي الانتهازية السياسية والتقلبات الحادة في المواقف والفساد المالي والإعلامي وعلاقة ذلك بالمشروع الفارسي والنظام الطائفي بعد نيسان ٢٠٠٣ ومن ابرز الأسماء التي تتهم بهذه الظاهرة و الاختلالات السلوكية المرضية من قبل خصومه وهم على مايبدو كثر هو مشعان الجبوري، السياسي العراقي الذي يصفونه بالمتقلب والمثير للجدل، ويعتبرونه من الوجوه البارزة التي مثّلت الانتهازية السياسية في عراق ما بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003. تنقل الرجل بين مواقع متناقضة، من تمجيد النظام العراقي قبل الاحتلال إلى الاصطفاف ضمن القوى الطائفية المدعومة من إيران، مرورًا بإدارته لقنوات إعلامية مثيرة للفتن، وصولًا إلى اتهامات علنية بالفساد والارتزاق السياسي.
عبد من عبيد النظام الطائفي
ولد مشعان الجبوري في بيئة قبلية، وبرز إعلاميًا وسياسيًا في عهد النظام العراقي قبل الاحتلال ، مستفيدًا من تعاطف بعض المسؤولين معه لكنه، بعد الاحتلال، تحوّل سريعًا إلى أحد أبرز دعاة المصالحة مع النظام الجديد، وتحوّل من مهاجم للعملية السياسية إلى عضو داخلها، متحالفًا أحيانًا مع التيارات الشيعية الطائفية، خصوصًا تلك التي تدور في فلك المشروع الإيراني، مما أثار غضب العشائر العربية و السنية.
أدوار إعلامية في تأجيج الطائفية
امتلك الجبوري قنوات فضائية مثل “الزوراء” و”الشعب”، استغلها لإثارة الخطاب العاطفي والعنصري، خاصة في ذروة الصراع المسلح 2005–2008. ومع ذلك، لم تكن هذه المنابر منبرًا للمقاومة، بقدر ما كانت أدوات شخصية لتصفية الحسابات، واستخدمها لاحقًا للمديح العلني لزعماء طائفيين من الطرف الآخر، ما يؤكد غياب المبادئ ووجود خطاب مزدوج يركّز على الربح والتقرب من القوى النافذة.
فساد مالي واعترافات علنية
لم يكن مشعان الجبوري بعيدًا عن شبهات الفساد. بل إنه اعترف صراحة في لقاء متلفز عام 2016 بأنه كان يسرق أموالًا مخصصة لإطعام النازحين، مبررًا ذلك بأن الجميع “يفعل ذلك”، في لحظة كشفت عن مدى تدهور منظومة القيم السياسية في العراق. كما وجهت له اتهامات من أطراف حكومية وبرلمانية تتعلق بالتلاعب بالعقود والسمسرة على حساب المال العام.
الذيل المزدوج للمشروعين الأمريكي والإيراني
رغم خطابه المناهض للأمريكيين أحيانًا، فإن مشعان الجبوري خدم المشروع الأمريكي من خلال إضفاء شرعية شكلية على العملية السياسية الطائفية، ثم انتقل إلى الدفاع عن المشروع الإيراني بشكل صريح، وبدأ يمتدح الحشد الشعبي وقادته، بل ويدعو إلى التنسيق معهم، في تناقض صارخ مع خلفيته السياسية والعشائرية.
صناعة الصورة والانخراط في صفقات التسوية
مارس الجبوري فن “إعادة تدوير الذات”، محاولًا التسلل إلى تسويات سياسية تحت غطاء “العفو والمصالحة”. ورغم سقوطه المتكرر في الانتخابات أو الإقصاء من بعض التحالفات، بقي يطرق أبواب السلطة بخطاب مائع، قابل للتبديل حسب الظروف، ما يجعل منه نموذجًا صارخًا لانعدام الثوابت.
نموذج للانحراف السياسي
يمثل مشعان الجبوري حالة نموذجية لانحراف النخب السياسية في العراق بعد 2003. فهو انتهازي لا تحكمه مبادئ واضحة، يتنقل بين خنادق الأعداء بحسب مصلحته، ويُجيد فنون التلاعب بالرأي العام عبر الإعلام والخطاب العشائري، متستّرًا بغطاء الوطنية حينًا، والطائفية حينًا، والفساد دائمًا. إن محاسبة هذا النموذج، ومثله كثيرون، ضرورة لاستعادة ثقة العراقيين بالحياة السياسية، وإنهاء زمن الانتهازيين.
تعد شخصية السياسي العراقي مشعان الجبوري من أكثر الشخصيات إثارة للجدل في المشهد العراقي، حيث تحوم حوله العديد من الاتهامات بالفساد والعمالة. وعلى الرغم من نفيه المستمر لهذه الاتهامات، إلا أن هناك العديد من الشواهد والتصريحات التي تعزز هذه الشكوك.
اتهامات الفساد
اعترافه بالفساد: في تصريح شهير له، اعترف مشعان الجبوري بأنه جزء من منظومة الفساد في العراق، مؤكداً أن جميع السياسيين وأصحاب المناصب الرفيعة فاسدون ومرتشون، وأنه شخصياً تلقى “ملايين الدولارات” لإغلاق ملفات فساد، لكنه زعم أنه لم يقم بإغلاقها.
الإدانة القضائية: في عام 2007، أصدرت المحكمة الجنائية المركزية في العراق حكماً غيابياً بالسجن لمدة 15 عاماً على الجبوري وابنه يزن بتهمة اختلاس ملايين الدولارات عبر شركة وهمية.
اتهامات متبادلة: اشتهر الجبوري بتوجيه اتهامات بالفساد ضد خصومه السياسيين، حتى من كانوا حلفاءه في فترات سابقة. على سبيل المثال، اتهم رئيس لجنة النزاهة في البرلمان آنذاك، طلال الزوبعي، بجمع 100 مليون دولار، واصفاً إياه بأنه “بحاجة إلى لجنة نزاهة”.
التلاعب بالشهادات الدراسية: ألغت المحكمة الاتحادية العراقية عضوية الجبوري في مجلس النواب في دورته الخامسة بسبب تزوير شهادة التحصيل الدراسي.
اتهامات العمالة وتغيير الولاءات
تُعدّ التقلبات السياسية المستمرة لمشعان الجبوري من أبرز النقاط التي تثير الشكوك حول ولائه، ويُتهم بالانتقال من معسكر إلى آخر بحثاً عن مصالحه الشخصية. ومن أبرز الأمثلة على ذلك:
استفاد مشعان من النظام العراقي قبل الاحتلال واستغل علاقته المصلحية مع بعض الاشخاص قبل أن يغيير جلده ويغادر البلاد.
التحالفات مع الأكراد: بعد سقوط النظام في عام 2003، دخل الجبوري إلى الموصل مع قوات البيشمركة الكردية، وقام قائد القوات الأمريكية في الموصل آنذاك بتعيينه محافظاً عليها.
التحالف مع أسامة النجيفي: بعد أن كان الجبوري ينتقد رئيس البرلمان السابق أسامة النجيفي ويصفه بـ”الطائفي” و”صاحب المشروع التركي”، أعلن انضمامه إلى جبهة “الإنقاذ والتنمية” بزعامة النجيفي، واصفاً الأخير بأنه “رجل وطني ونظيف”.
قناة الرأي: لجأ الجبوري إلى سوريا بعد اتهامه بالتعاون مع مجموعات مؤيدة لصدام حسين، وأنشأ فيها قناة “الرأي” التي كانت معروفة بدعمها لنظام القذافي في ليبيا وان مصدر تمويل القناة كانت من ذلك النظام
بشكل عام، تُظهر مسيرة مشعان الجبوري السياسية نمطاً من التناقضات والتقلبات، مما جعل شخصيته محط جدل دائم في الساحة العراقية. وبينما يرى فيه البعض سياسياً pragmatist (واقعياً) يتكيف مع المتغيرات، يراه آخرون مثالاً حياً على الانتهازية والفساد التي تعاني منها الطبقة السياسية في العراق.