آراء

نزار العوصجي: القانون و ما أدراك ما القانون

في فلسفة القانون يتم تمحيص و نقاش ماهية القانون ، فالسؤال الذي ناقشه الفلاسفة بشكل مركز :
ما هو القانون ؟
من هنا نبعت عدة أجابات و مذاهب فكرية مُتعددة ، أهم هذه المذاهب الفكرية هي :
القانون الطبيعي : حيث تُشير نظرية القانون الطبيعي إلى ان هنالك قوانين تفرضها الطبيعة ، و عليه فإن القانون النافذ يجب أن يحاكي الطبيعة بأكبر قدر ممكن ، و يقول مُناصرو هذه النظرية إنّ القانون غير العادل ليس صحيحاً ، لأن اللاعدل ( أو الظلم ) مناهض للقانون الطبيعي ..
هنالك ايضاً القانون الوضعي : و هو مجموعة من اللوائح و القوانين التي وضعها الإنسان لكي تُنظم حياة البشر و تُيسر المعاملة فيما بينهم ..
حيث يهتم بدراسة القانون في حاضره بمعنى القانون المُطبق فعلاً في الدولة سواء كان هذا القانون قانوناً خاصاً أو قانوناً عاماً ..
و قد سميت بالقوانين الوضعية لكون ان الإنسان هو من وضعها ، من دون الاعتماد على التشريعات السماوية ( الشريعة الإسلامية ، الشريعة المسيحية ، و الشريعة اليهودية ) و تسمى أيضاً قوانين مدنية ، و قد تحولت أغلب القوانين الأوروبية إلى هذا النوع من القوانين بعد أن كانت تشريعاتها سماوية في الأغلب ، في فترة الخروج عن الكنيسة ..
اما التشريع الوضعي : فهو وجهة نظر تقول بأن القانون يتم تعريفه بحسب الممارسات و التقاليد الأجتماعية التي تُنظم بعض العادات و تجعلها قوانين ..

ماتقدم يمثل فلسفة اكاديمية لمفهوم القانون ، في حين ان نظرتنا له مختلفة تماماً ، ذلك لأننا نعتقد ان القانون قد وضع لتنظيم العلاقة بين افراد المجتمع ..
و ما يمكن ان نخلص اليه هو إهمية دور المفكرين في سن القوانين الوضعية التي تلبي حاجة الأنسان ، و بما اننا قد غارنا زمن المفكرين منذ فترة من الزمن ، فلابد من اللجوء الى ما قد سن من قوانين في العهود و الأزمان التي مضت ، بمعنى ادق الزمن الذي تميز برجاحة العقل و المنطق ، بعيداً عن المصالح الفئوية ..
من أوائل المفكرين الوضعيين هو جيريمي بنتام ، و قد تبنى طالبه جون اوستين نشر افكاره ، و يتفق الاثنان بإن القانون هو حكم ذوي السيادة بالأستناد إلى التهديد بالعقوبات ، و لكن تطورت مفاهيم التشريع الوضعي لتتجاوز تلك النظرة ..
في القرن العشرين ظهر مُفكرين وضعيين كانت لهم بصمتهم في فلسفة القانون ككل ، مثل المُفكر هانز كلسن الذي طرح فكرة «العرف الأساسي» الذي تقول أن من المفترض أن يكون هناك أساس للعرف القانوني ، أي انه لابد من إيجاد الأصل الذي ينبثق منه القانون ، و ماتزال افكار المُفكر هانز كلسن ذات إهمية إلى حد ما ، كما يجدُر بنا ذكر الكاتب و المُفكر هربيرت ليونل أدولفوس هارت ، و الذي جادل بأن القانون يجب أن يدرس كمنظومة العادات و الأحكام الاجتماعية ..

إما في عراق اليوم ( مع شديد الأسف ) ، ينظر إلى القانون بشكل مختلف ، و من زوايا مختلفة ، تبعاً للظرف و الحالة ، بعيداً عن الشرائع السماوية و النظم المجتمعية و القوانين الوضعية و القيم الاخلاقية ..
بمعنى أدق فان القانون في العراق يفصل تفصيل حسب الطلب ، و حسب المقاس ، و وفقاً للحاجة ..
فلكل حالة قانونها الأني ، و لكل جهة متنفذة قانونها الخاص ، و هذا ما يمكن ان نلمسه من خلال تصرف الأفراد و الجماعات و الأحزاب المتنفذة ، التي تقوم برسم مساراتها بعيداً عن القانون ، بل انها توغل في التأثير على الأحكام الصادرة من المحاكم و الدوائر العدلية بأعتراف قادتها ، حين يتعلق الأمر بمصالحها ، لما تمتلكه من قدرة على قلب الموازين ، و التلاعب بالحقائق ، و طمس الأدلة ..
من جملة ما أشرنا اليه ، القانون الذي تم إقراره عندما تمت إضافة الحشد الى القوات الامنية ، و الذي ينص على ان جميع محاكم العراق من شرقه الى غربه ، و من شماله الى جنوبه ، لا يمكنها محاكمة اي عنصر منتمي للحشد ، إلا محكمة واحدة فقط و هي مخصصة لمنتسبي الحشد !!
جميع اجهزة الدولة ليست لها اي سلطه على اي منتسب للحشد ، و لا يمكنها إعتقاله !!
و اذا تم الاعتقال بأوامر عليا فأن القوة التي قامت بالاعتقال ملزمة قانوناً بتسليمه الى أمن الحشد ..
الكل يعرف ان الحشد غير تابع للقوات المسلحة العراقية ، و لكن مالا تعرفونه هو أن الحشد غير خاضع لسلطة الدولة العراقية و قوانينها و كل مؤسساتها و أنما هو دولة داخل الدولة !!
وهذا يعني ، أن عناصر الحشد الذين تم اعتقالهم يوم أمس سيتم تسليمهم الى أمن الحشد و من ثم يتم مقاضاتهم في محكمة الحشد و النتيجة معروفة ، سيتم إطلاق سراحهم ..

خلاصة الأمر : عندما يصبح القضاء و السياسة أدوات للغدر و الخيانة فلا محل للقانون ..
فكما هو الحال في قضايا القتل و السرقة ، و نهب الثروات العامة و الخاصة ، التي عايشناها على مدى عقدين و نيف من الزمن ، كذلك هو الحال في قضية بيع خور عبدالله من قبل المتنفذين ، و التنازل عن حقوق العراق السيادية و الملاحية ، لصالح دولة الكويت ( لغاية في نفس يعقوب ) ..
السؤال الذي يطرح نفسه : من يحمي العراق إذا كان حكّامه و قضاته و المتسلطون عليه مرتشون ؟؟
الجواب : لا عدل في العراق ، لا قانون ، و لا هم يحزنون ..
ذلك ماهو سائد في عراق اليوم ..

زر الذهاب إلى الأعلى