آراء

نزار العوصجي: في عراق اليوم

بكل المقاييس بات الوعي جريمة يعاقب عليها القانون بأشد العقوبات ، التي من الممكن ان تضع حدً للحياة ..
فكلما زاد فهمك ، أقتربت من الموت ..
وكلما زاد علمك ، أقتربت من السجن ..
وكلما زاد جهلك ، أقتربت من السلطة ..
وكلما زاد عهرك ، أقتربت من الشهرة ..
لقد بات محرماً وضع النقاط على الحروف ، فتشخيص الأخطاء وتسمية رموز الفساد يعد جريمة بحق الرموز الدينية والدنيوية ، واخلالاً بأمن وأستقرار البلد ..
بالجهل وحده يمكن ان تعيش أمناً مطمئناً ، لاخوف عليك ولاهم يحزنون ..
إنها عودة إلى زمن الجهل والتجهيل ، فشكراً لرجال الدين الأتقياء والسياسيين الأنقياء ولكل من ساهم في رسم صورة الواقع المرير والمستقبل المظلم ..
الأن فقط أدركنا مضمون التهديد الذي توعدونا به ، بان يعيدوا العراق إلى عصر ما قبل الصناعة ..
الأن أدركنا معنى الخراب وشريعة الغاب ، وأنهاء حالة الأستقرار ، وفقدان مقومات الحياة العصرية ، التي نطمح لها ..
فلا أمن ولا أمان ، ولا كرامة للأنسان ، في ظل حكم الجهلة والمتخلفين ..
في عصر التخلف لمسنا ان السرقة والأحتيال التي يمارسها الكبار أصبحت الشغل الشاغل الذي يستهوي الكثير الكثير من الفئات العمرية المتوسطة والصغيرة ..
والسعي وراء الشهرة بات محبباً ، حتى لو كان على حساب الشرف ، بل انه السبيل الأمثل للهروب من الفقر والعوز ، وهو الطريق الأقصر للوصول الى الثروة ..
في عصر التخلف لمسنا ان المسؤول لا يعي معنى المسؤولية الأخلاقية ، لذا فان تجارة المخدرات لم تعد محرمة ، والتعاطي لدى حديثي النعمة الذين اغتنوا بين ليلة وضحاها ، بات سمة من سمات الرفاهية ، وفي نفس الوقت هو ملاذ المحرومين للهروب من الواقع المأساوي الذي يعيشونه ..
في عصر التخلف لمسنا ان قطاع التربية والتعليم قد بلغ مداه في ضياع القيم التربوية ، والمدارس باتت أوكار للتخلف ونشر المفاهيم البالية ، التي غزت المجتمع بقوة ..
كما ان التعليم العالي ليس في منأى عن حالة التدهور والضياع ، بل انه بحاجة إلى إقتلاع النظام التعليمي من جذوره ..
في عصر التخلف لمسنا ان قطاع الصحة الحكومي بات من الماضي ، الماضي الذي لا يمكن ان يعود ، فالمستشفيات العامة أصبحت مسالخ للبشر ، من يدخلها مفقود ومن يخرج منها مولود ..
القطط والكلاب والجرذان تسرح كيفما يحلوا لها ، والقذراة تفوق كل التصورات ..
كما ان المستشفيات الأهلية لا تعدوا عن كونها مشاريع أستثمارية ، مهمتها جني الأموال فقط لا الأستشفاء ..
في عصر التخلف لمسنا ان قطاع الخدمات ليس من أولويات الحكومة ، فلا كهرباء يستعان بها لتقي المواطن برد الشتاء ، او لتخفف عنه حرارة الصيف ، رغم عشرات مليارات الدولارات التي انفقت عليها ..
لا مجاري تستوعب مياه الأمطار ، ولا ماء صالح للشرب يروي عطش الأنسان ويشبع ظمئ الحيوان ..
الصناعة والزراعة باتت تذكر في كتب التأريخ ، ولا وجود لها في هذا الزمن ، فالعراق اليوم بلا فخر يستورد كل شيئ من مأكل وملبس ، وما يحتاج من سلع مهما بلغت تفاهتها ..
حتى التأريخ لم يسلم من شر العملاء ، الذين يعملون بجهد لطمس الأرث الحضاري للعراق العظيم ، وضياعه وأندثاره ..
كارثة الكوارث تتمثل بالحكم بالاعدام على تمثال الملك السومري ( الانسي ) “گوديا” امير لگش سحلا ًبالجرافات وتقييدا بالسيور الجلدية في اهانة معلنة للتاريخ السومري الجليل ..
فإلى متى ستستمر المؤامرة الإيرانية القومية الفارسية ضد تاريخ العراق ؟؟
وإلى متى سيبقى العراقيين المغيبين عقلياً محاربين لتاريخهم العظيم ولرموز مجدهم ؟؟
متى يدركون حقيقة ان عمر بن الخطاب والمنصور والرشيد والمعتصم وصلاح الدين هم بناة حضارتهم العظيمة ، وأن المدن التي نعيش فيها هم بنوها واسسوها ، فمدينة البصرة ومدينة الكوفة بناهما أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، ومدينة بغداد بناها الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور ، ومدينة سامراء بناها الخليفة العباسي محمد المعتصم ، والعراق كان يحكم كل بلاد الأرض في زمن الخليفة العباسي هارون الرشيد ، محافظة صلاح الدين تحمل اسم القائد صلاح الدين الأيوبي أحد رموز مجد العراق والأمة كلها ؟؟
هذا التساؤل ليس طائفياً نهائياً لأن فعلا هؤلاء هم القادة الذين صنعوا تاريخ العراق العظيم ، وإذا تم طمس تاريخهم فبأي مجد تاريخي سيفخر العراقيون بكافة طوائفهم بعد ذلك ؟؟
وهل يجوز أن تستمر الخطة الممنهجة في إهمال ومحو الآثار العباسية وتعمد شراء الأراضي التي تقع عليها لتدميرها ومسحها من الوجود ؟؟
هل يجوز هدم قصر بلكوارا وهو قصر الخليفة العباسي زبير المعتز في جنوب سامراء والذي كانت آثاره شاخصة واسواره عالية ؟؟
هل يجوز استمرار مداهمة قصر الجوسق وحرث ساحاته ووضع معالم حديثة لتغيير طابعه وطمسه ؟؟
هل يجوز أن يشتم الخليفة عمر بن الخطاب في المدن التي بناها ( البصرة والكوفة ) ؟؟
وان يفجر نصب الخليفة العباسي الهاشمي أبو جعفر المنصور في بغداد ، عاصمته التي أسسها وبناها ؟؟
وان يشطب اسم القائد العظيم صلاح الدين الايوبي من محافظته التي ولد فيها ؟؟
متى يدرك المغيبون حقيقة أن إيران لا تسعى لمصلحة أي عراقي مهما كانت طائفته ، فكل هدفها هو أحتلال العراق ونهبه ومحو تاريخه وتدمير مستقبله ، وذلك لحقد تاريخي متأصل لديها ، وخوف من مارد قد يسحقها مستقبلاً ‏..

هل تعلمون لماذا سمي العراق بـ ( العراق العظيم ) ؟؟؟
لأن اول ملك جبار بالتاريخ حكم الأرض هو النمرود ، وحكم لمدة 800 سنه ، كما أن بابل حكمت الأرض ثلاث مرات عبر التاريخ :
المره الأولى : بقيادة النمرود ..
والمره الثانية : بقيادة الملك نبوخذ نصر ..
والمره الثالثة : بقيادة الإمبراطور الأسكندر المقدوني ..
بابل تعني بوابة الآلهه ، ومنها هبط الملكين هاروت وماروت ، وولد فيها ابو الأنبياء ابراهيم ، ومنقذ الكائنات نوح ، وأول من خط بالقلم إدريس عليهم السلام ..
العراق هو البلد الوحيد يُسمى مهد الحضارات ، وعلى أرضه قامت ثمانية حضارات ، هي : السومريه ، والآشوريه ، والبابليه ، والأكديه ، وحضارة مملكة ميشان ، وحضارة مملكة الحضر ، وحضارة مملكة اشنونا ، والحضارة الميديه ، والحضارة العباسيه ، التي كانت عاصمتها بغداد وسامراء ..
التاريخ بدأ من أرض سومر جنوب العراق ، وهو البلد الوحيد في العالم الذي يحتوي على اكثر من 12000 موقع أثري ..
فيا أيها العراقيون الشرفاء بكل أطيافكم وقومياتكم ومذاهبكم وأديانكم ومشاربكم ، أصحوا ، فأن أستمرار شيطنة الرموز التاريخية ستجعلنا بلا ماض نتذكره ونفخر به ..
وإذا تم تدمير أرثكم التأريخي وآثار بلادكم ، فلن يبقى لكم شيئ تفتخرون به ، ولن يبقى لأبنائكم وأحفادكم تأريخاً ينتمون اليه !!
أللهم أحفظ العراق وأهله وشعبه ..

زر الذهاب إلى الأعلى