د. علي الجابري: جمهورية التسريب الأخلاقي!

في بلادٍ لم يبقَ من الشرف فيها سوى “صور تُسرّب” و”أعراض تُباع في بازار الولاء”، تحوّلت السياسة إلى مهنة قذرة تُمارس من أسفل الحزام، لا من خلف الميكروفونات. هنا، لا ينتصر صاحب الحجة، بل صاحب كلمة السر لهاتف امرأة، يفتّش فيه كما يفتّش في نوايا الناس وضمائرهم.
في العراق الجديد، لا تحتاج أن تكون شريفًا… يكفي أن تكون تابعًا، وتمتلك فريقًا يعرف من أين تُنتَزَع الكرامات، وكيف تُقطع الرؤوس بـ”تسريب إلكتروني” دون قطرة دم.
ولأن الشرف في قاموسهم لا يُحمى بل يُستَخدم، باتت الأعراض أوراق ضغط، والنساء أهدافًا مشروعة لأي خصومة سياسية أو طائفية. لا فرق بين خصم سياسي ومعارضة نسوية أو حتى مواطن بسيط تسوّل له نفسه أن يغرد خارج السرب. الجميع تحت التهديد، الجميع رهائن لهواتفهم الخاصة، لأن المعركة ليست مع مشروع، بل مع عقلية المليشيا التي ترى في كرامة الناس وقودًا لبقائها.
حادثة المحامية زينب جواد ليست مجرد جريمة شخصية، بل وصمة عار على جبين كل سلطة ومليشيا ترفع شعارات “حماية الشرف” في النهار، وتنهش شرف الأبرياء في الليل. امرأة عراقية تُعتقل، يُصادر هاتفها، ثم تُسرّب صورها الخاصة بعد أيام، دون أن يتحرك ضمير سياسي.. وكأن العراق اعتاد أن تُغتصب كراماته بالصوت والصورة.
المثير للسخرية أن هؤلاء القتلة والمتنفذين يدّعون أنهم حماة الدين والمذهب. لكنهم بطعنهم في أعراض نساء مذهبهم نفسه أسقطوا كل ما تبقى من هيبة أو قداسة لمرجعياتهم الدينية القابعة خارج الحدود او مرجعياتهم السياسية التي تمولهم من اجل الطعن بكرامة العراقيين، وكشفوا أن شعاراتهم الدينية ليست أكثر من واجهة تخفي جرائمهم وأمراضهم. لقد أسقطوا أنفسهم وأسقطوا معهم رموزهم، حتى لم يعد الناس يصدقون كلمة “الدفاع عن المذهب” بعدما تحولت إلى بطاقة مرور للنهب والإجرام.
في العراق اليوم، لا حاجة للقانون، فهناك “ولاء”. ولا حاجة للقيم، فهناك “ولاية”. لا حاجة للأخلاق، فهناك “المصلحة العليا”. والمؤسف أن المراجع الدينية والسياسية نفسها، بصمتها المريب، منحت هؤلاء الوحوش رخصة عبور إلى ما بعد السقوط الأخلاقي، رخصةً لا تنتهي صلاحيتها إلا بانهيار ما تبقى من المجتمع.
ما يجري في العراق اليوم ليس مجرد أزمة سياسية أو صراع على السلطة، بل انهيار كامل للمنظومة القيمية. مراجع دينية تغض الطرف، وقيادات سياسية تمنح الضوء الأخضر، لتتحول الأعراض إلى أسلحة، والفضائح إلى أدوات حكم.
ولذلك، لم يعد الحل في تغيير الحكومات، بل في ثورة قيمية وأخلاقية تعيد للعراقيين بوصلة الرجولة والإنسانية، قبل أن يغرق الجميع في قاع مستنقع لم يعد فيه شرف ولا مروءة.
فالسياسة إذا انحطت إلى ما تحت الحزام، فلا تنتظر منها أن ترفع وطنًا، بل ستستمر في إنتاج فضائح ومسوخ تقتات على كرامات الناس لتبقى على قيد السلطة.
رئيس تحرير يورو تايمز