د. عبدالرزاق محمد الدليمي: تصريحات برهم صالح.. صفارة إنذار أم قراءة استراتيجية لمرحلة قادمة؟

في تصريح مثير للجدل، ومفاجئ بمضامينه وبتوقيته خرج الرئيس العراقي السابق (الكردي) برهم صالح ليُدلي بتصريحات تُشبه صفارة إنذار تُنبئ باقتراب “نهاية اللعبة” ليس بالعراق حسب بل في الشرق الأوسط. وفقا لمصادره ؟!
هذه التصريحات، التي أُطلقت لاول مرة منذ خروجه من مقر رئاسة الجمهورية في قصر السلام، في بغداد قد تجاوزت مجرد التحليل السياسي لتُقدم رؤية قاتمة وتحذيرية لمستقبل المنطقة، خاصة فيما يتعلق بالعراق وإيران. السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه هو: هل هذه “نبوءة” شخصية أم استناد إلى “معلومات دقيقة” وصلت إليه من غرف القرار الخفية؟
ان تصريحات برهم صالح لم تقتصر على الجانب العراقي فحسب، بل امتدت لتُعلن عن “تفكك الحكم الذاتي في كردستان” و”دفن حلم الدولة الكردية نهائيًا”، ليس في العراق فحسب، بل في المنطقة بأسرها. هذا الطرح يمس أحد أكثر الملفات حساسية وتعقيدًا في المنطقة، ويُشير إلى تحولات جذرية في خرائط النفوذ والسياسات تجاه تطلعات الأكراد. إنها رؤية تُشير إلى تضاؤل فرص الكيانات الإقليمية الصغيرة في خضم الصراعات الكبرى.
بين المعلوم والمخفي: مصادر التصريحات
إن موقع برهم صالح كرئيس سابق للجمهورية يمنح تصريحاته وزنًا خاصًا. فمن غير المرجح أن يُدلي مسؤول سابق رفيع بمثل هذه التصريحات الخطيرة دون أساس من المعلومات. الحديث عن “زلزال سياسي” قادم، و”العد التنازلي لتغيير نظامي الحكم في العراق وإيران قد بدأ بالفعل”، وربط ذلك بـ “خطط أمريكية تهدف إلى كسر المحور الروسي في الشرق الأوسط”، كلها مؤشرات تدعم فرضية استناده إلى معلومات استخباراتية أو دبلوماسية دقيقة. قد يكون الرجل مطلعًا على مسودات لخطط استراتيجية تُعد في الكواليس الدولية، أو ربما يُقدم تحليلاً مبنيًا على فهم عميق لديناميكيات القوى الكبرى وتفاعلاتها ومصالحها في المنطقة.
والاهم التأكيد على وجود “عملية عسكرية ستُسقط النظام العراقي الحالي” في حال عدم تسليم السلطة سلميًا وهو المتوقع حيث لاتوجد مؤشرات عن تخلي عملاء ايران عن سطوتهم الفاسدة على العراق وهو مايمكن اعتباره التصريح الأكثر إثارة للقلق لمن سيتم استهدافهم وهذا يُعيد إلى الأذهان ذكريات التدخلات العسكرية السابقة في المنطقة، ويُشير إلى أن البديل “السلمي” المُقترح قد يكون مجرد ستار لعمليات تغيير بالقوة أوسع نطاقًا. إن ربط ذلك “بكسر المحور الروسي” يُقدم بعدًا جيوسياسيًا أعمق، يُشير إلى أن المنطقة قد تتحول إلى ساحة رئيسية في صراع النفوذ العالمي بين القوى العظمى.
من يدفع فاتورة التغيير؟
التساؤلات التي يطرحها صالح حول من سيدفع الثمن (“الفاسدون أم الشعب الذي لا يزال يحترق من لظى الأوضاع التي خلقها الاحتلال للعراق قبل ٢٢عاما ) تُعد جوهرية. فخطابه يُصور العراق كبلد “محتل سياسيًا، مخترق أمنيًا، مريض إداريًا، ومعطوب أخلاقيًا”، وهو توصيف يُلامس جوهر الأزمة الحقيقية التي يعيشها العراقيون منذ بداية الاحتلال . هذا الخراب، كما يُشير، “لن يدوم إلى الأبد”. لكن، التاريخ مليء بالدروس التي تُخبرنا أن عمليات التغيير الكبرى، خاصة تلك التي تُفرض من الخارج أو تُستخدم فيها القوة، غالبًا ما تكون تكلفتها باهظة على الشعوب، (هذا طبعا لا ينطبق على التغيير في العراق لان العراق مازال محتل من امريكا وبريطانيا لحد الان وربما التغيير سيكون ايسر ولا يحتاج إلى مجهود كبير وكما يقول المسوؤلين الأمريكان دائما انهم يستطيعون تغيير النظام الفاسد بالعراق خلال ساعتين إذا اقتضت مصلحتهم ذلك )حتى لو كانت أهدافها المعلنة نبيلة. قد يتم إزاحة الفاسدين، لكن تداعيات الفوضى وعدم الاستقرار قد تُلقي بظلالها على حياة المواطنين لعقود في الدول الأخرى المستهدفة.
الخيار المُر: الداخل أم الخارج؟
يُقدم برهم صالح سيناريو حتميًا للتغيير، لشعوب المنطقة أمام خيار صعب: “إما أن يأتي من الداخل بوعيٍ وطني، أو يُفرض من الخارج بثمنٍ باهظ”. الخيار الأول، وهو التغيير الداخلي، يُعد الأقل كلفة والأكثر استدامة، كونه ينبع من إرادة وطنية جامعة. لكنه يتطلب نخبًا سياسية واعية، ومجتمعًا مدنيًا فاعلًا، وحراكًا شعبيًا منظمًا وموحدًا. أما الخيار الثاني، وهو التغيير المفروض من الخارج، فهو يحمل في طياته مخاطر كبيرة تتعلق بالسيادة الوطنية، واستقلال القرار، واحتمالية الانجرار إلى صراعات إقليمية ودولية أوسع.
ان ما أشار اليه برهم صالح في تصريحاته الأخيرة ليست بالمعلومات الجديدة فقد تحدث كثيرين ونحن في المقدمة منهم عن رياح التغيير بالمنطقة بشكل عام والعراق على وجه الخصوص ضمن مايسمى بمشروع الشرق الأوسط الجديد وكما يراها البعض دعوة للتفكير في المجهول؟!؟
إن تصريحات برهم صالح، بغض النظر عن مصداقية مصدرها او دقتها تُشكل دعوة قوية للتفكير في المستقبل القريب للمنطقة. إنها ليست مجرد آراء، بل هي ربما ؟! قراءة استراتيجية لمرحلة قد تكون مليئة بالتقلبات والتحولات العميقة. والسؤال الاهم الذي يطرح نفسه بقوة وينتظر الاجابة هو هل تستعد المنطقة فعلا لزلزال سياسي يُعيد رسم خرائطها ويُغير أنظمة حكمها؟ وهل ستكون هذه التغييرات نتاج إرادة داخلية أم إملاءات خارجية؟ الأيام القادمة وحدها كفيلة بكشف الغبار عن حقيقة ما يحمله المستقبل.
جميع المقالات تعبر عن رأي كتابها ولا تمثل يورو تايمز