د. عبدالرزاق محمد الدليمي: العراق.. فسيفساء التآلف في لقطة من الخمسينيات


في لقطة زمنية آسرة تعود لأواخر الخمسينيات، تبرز صورة تروي ألف حكاية عن العراق، وطن الجمال والتنوع. ثلاث فتيات يافعات من البصرة، ابتسامتهن الصافية تعكس براءة وحياة، يجسدن جوهر التعايش الفريد الذي لطالما ميز هذا البلد العريق.
مرسيدس هايريك يغازاريان، وملوك حسقيل، وسلمى إبراهيم. مجرد أسماء، لكنها تحمل في طياتها قصصًا عميقة عن نسيج مجتمعي فريد. مرسيدس، الاسم الذي ينضح بالأصالة المسيحية، تجلس بجوار ملوك، التي يحمل اسمها إرثًا يهوديًا عريقًا، وعلى يسارهما سلمى، باسمها الذي يفوح بعبق الإسلام.
هؤلاء الفتيات، بوشاحاتهن الملونة وملابسهن الموحدة التي قد تشير إلى انتماء مدرسي أو كشفي، لا يظهرن فقط كزميلات أو صديقات، بل كرمز حي للتآلف والانسجام. إنها صورة لا تعرف فوارق الدين أو الطائفة، بل تحتفي بالإنسانية المشتركة والروابط التي تتجاوز أي تصنيف.
وما يزيد الصورة إشراقًا ورمزية هو الكشف عن هوية من التقطتها: هناء عبد الغني، الصابئية. هذا التفصيل الأخير يكمل اللوحة الفسيفسائية، ليؤكد أن العراق كان ولا يزال “شدة ورد”؛ باقة متنوعة من الألوان والروائح، كل واحدة تضفي جمالًا ورونقًا خاصًا على الكل.
في هذه الصورة، يتجلى العراق بأبهى صوره: بلد يحتضن أبناءه من كل الأديان والطوائف، حيث تتعايش الثقافات وتتفاعل الحضارات. إنها دعوة للتأمل في ماضٍ كان نموذجًا للتسامح، وتذكير بأن هذا الجوهر لا يزال كامنًا في روح العراق وشعبه.
اللهم احفظ العراق وشعبه، وليبقى هذا البلد العظيم رمزًا للتنوع والتعايش، حاملاً راية السلام والمحبة، تمامًا كما تروي لنا هذه الصورة الخالدة من ذكريات البصرة. إنها ليست مجرد صورة، بل هي شهادة حية على عراق كان وسيبقى وطنًا للجميع.
جميع المقالات تعبر عن رأي كتابها ولا تمثل يورو تايمز