آراء

د بندر عباس اللامي: الجامعة لا تموت لكنها تنتظر لحظة الانبعاث من جديد

من مذكرات رضا شاه بهلوي، مؤسس الدولة البهلوية في إيران ووالد الشاه محمد رضا، يتحدث فيها عن لحظة اعتقاله ونفيه من قبل البريطانيين، والحوار الذي دار بينه وبين ضابط إنكليزي سأله إن كان يشعر بالخوف. وجاء رد رضا شاه ساخرًا وذا مغزى:“لا لأني أقمت جامعة طهران والتي ستُخرج العلماء والمثقفين الذين سيقاومون نفوذ استعماركم ويحرروا البلد، وأنتم أسستم الحوزة الدينية في قم والتي ستمحو كل ما تنتجه جامعتي…”

هذا المقطع القصير يحمل دلالات سياسية وثقافية عميقة:رضا شاه، كان علماني النزعة، ويرى أن التنوير والعلم والتعليم المدني هم الوسائل لتحرير إيران من الاستعمار في المقابل، يرى أن البريطانيين دعموا المؤسسات الدينية (الحوزات) كوسيلة مضادة لتعطيل مشروع التنوير الوطني وكان رضا بهلوي يتحدث بثقة عن مستقبل تصنعه الجامعة، بينما يرى في الحوزة أداة “مسح” وإلغاء لهذا المستقبل.

الانعكاس على ما يحدث في العراق

إن استحضاري لهذه المقولة في السياق العراقي ليس مجرد مقارنة تاريخية، بل تحليل حقيقي لبنية الصراع الحالي في العراق فالدور البريطاني واضح وجلي في تمكين المؤسسة الدينية كما دعم الإنكليز الحوزات في إيران في مواجهة مشروع رضا شاه، فقد كرّروا ذات الاستراتيجية في العراق، خصوصًا بعد الحرب العالمية الأولى.وجلبوا بعض “المعممين” من ذوي الأصول الفارسية إلى النجف وكربلاء، ومنحوهم دعمًا غير مباشر للحد من تأثير الحركات الوطنية العراقية، خصوصًا بعد ثورة العشرين ومافعله الاستعمار البريطاني بتمكين المعممين كان جزءًا من استراتيجية “الضبط بالوكالة” بدلًا من السيطرة المباشرة.

تأثير هذا الإرث على العراق المعاصر

بعد احتلال العراق في نيسان 2003، عادت الحوزة، وخصوصًا تياراتها المرتبطة بإيران، لتمارس دورًا سياسيًا مباشرًا بدعم أميركي – بريطاني – إيراني مشترك كما تم “أسلمة” النظام السياسي في العراق بطريقة مشوهة اساءت الى الاسلام الصحيح ، وأُقصيت القوى المدنية والعلمانية كما استُخدمت الرموز الدينية والشعارات الطائفية لتعطيل أي مشروع وطني، تنويري، حداثي.

الصراع الحقيقي: بين جامعة وجامع، بين دولة وحوزة

اليوم، يبدو الصراع في العراق أشبه ما يكون بصراع رضا شاه مع الحوزات فالتنويريون يريدون عراقًا مدنيًا، قائمًا على التعليم والعقلانية بينما ورثة المشروع الحوزوي الطائفي يريدون عراقًا تابعًا لولاية الفقيه أو يُحكم باسم “المرجعية” والنتائج جاءت كارثية لاسيما انهيار التعليم، تحكم رجال الدين بالقرار السياسي، ونهب منظم باسم “المقاومة”

الرسائل الضمنية للمجتمع العراقي

نقول لمن اعميت بصائرهم عن رؤية ماحل بسبببهم في بلدنا ان مشروع الجامعة لا يموتمهما سيطرت العمائم، فإن إرادة العقل والمعرفة ستنهض وان الشباب في الجامعات العراقية اليوم هم امتداد لهذا المشروع التنويري رغم القمع والتيئيس.

وان الحوزة الحزبية تمثل الاستعمار الجديدهي ليست حوزة علم، بل أداة هيمنة – تابعة لإيران سياسيًا، ومدعومة غربيًا بوصفها “البديل الإسلامي المقبول”.

النهوض يبدأ من كشف هذا التواطؤ ولا يمكن للعراقيين بناء دولة حضارية بدون مواجهة هذا التحالف غير المقدس بين رجال الدين الفاسدين والاحتلال الأجنبي.

كما ضحك الضابط الإنكليزي ساخرًا من رضا شاه، ضحك ساسة الغرب اليوم وهم يُسلمون العراق لحفنة من المعممين الغرباء. لكنّ مشروع الجامعة، مشروع التنوير، مشروع الدولة، لا يموت… بل ينتظر لحظة الانبعاث من ركام الحوزة ومن غيرها!

جميع المقالات تعبر عن رأي كتابها ولا تمثل يورو تايمز

زر الذهاب إلى الأعلى