د. عبدالرزاق محمد الدليمي: مقهى أبو نواس.. حيث يلتقي الوطن العربي في قلب فرجينيا

في زيارتي الحالية إلى الولايات المتحدة الأمريكية خرجت عن نشاطاتي اليومية التي عرفت بها ومنها اني لست من رواد المقاهي ولكن حصل اني ذهبت مع ابني ايمن الذي يعيش ويعمل استاذ في واشنطن إلى مقهى ابو نواس في فيرجينيا وتفاجئت عندما دخلتها حيث وجدت مجموعة كبيرة من الطاولات تزدحم بوجوه لطيفة من عديد من الأقطار العربية ومنهم عدد لايستهان به من الأجانب من خلفيات مختلفة
في زحمة الحياة وعجلة الزمن التي لا تتوقف في الولايات المتحدة، يفتقد الكثيرون منا دفء الأوطان وعبق الماضي وصدى الضحكات التي تركت بصماتها في حنايا الذاكرة. لكن في قلب فرجينيا، وتحديدًا في مقهى أبو نواس العراقي، تتلاشى هذه المسافات، وتتعانق الأرواح لتخلق وطنًا مصغرًا يضم الجميع.
ليس مجرد مقهى يقدم القهوة والشاي والمأكولات الشرقية، بل هو ملتقى لكل العرب، بيتٌ ثانٍ احتضنته أيادي أبو مصطفى، الذي يديره بحكمة وحب، ليصبح شعلة تضيء دروب الغربة، وبلسماً يداوي جراح الافتقاد.
لقد زرت هذا المكان عدة مرات، وفي كل زيارة تزداد قناعاتي بأن أبو نواس ينجح فيما هو أبعد من مجرد تقديم خدمة. إنه يجمع أناسًا تركوا أوطانهم، بما تحمله نفوسهم من ذكريات جميلة وآثار عميقة افتقدوها. هنا، تجد تلك المعاناة تتخفف، وتتبدد شيئًا فشيئًا، ليحل محلها شعور قوي بالتقارب العربي والاندماج والتفاعل.
في هذا المقهى، تُبنى العلاقات الطيبة، وتتبادل الأحاسيس الإيجابية. الأحاديث تتشعب، والضحكات تدوي، والذكريات تُروى، وكأنك في مجلس الأهل والأصدقاء في قلب بغداد، دمشق، القاهرة والخرطوم ، أو أي عاصمة عربية أخرى. إنه مكان تتجاوز فيه الهويات الفرعية لتتجسد الهوية العربية المشتركة بأبهى صورها.
شكراً لأبي مصطفى، الذي حول مقهى أبو نواس إلى أكثر من مجرد نقطة التقاء. لقد جعله منارة للألفة، ومركزًا حيويًا لتجديد الروابط الثقافية والاجتماعية في أرض الغربة. إنه حقًا حيث يلتقي الوطن في قلب فرجينيا.
جميع المقالات تعبر عن رأي كتابها ولا تمثل يورو تايمز