آراء

د. عبدالرزاق محمد الدليمي: سقوط العراق العلمي في زمن الشهادات المزيفة والمحاصصة الأكاديمية

منذ عام 2003، يشهد قطاع التعليم العالي في العراق انحدارًا غير مسبوق، رغم ما رُفع من شعارات “الإصلاح والتحديث”. ومع صدور مؤشر Nature Index 2025، تبيّن أن العراق سجّل 1.23 نقطة فقط في الإنتاج البحثي العالمي، وهو رقم يُعدّ من بين الأدنى على مستوى العالم، ويكشف عن أزمة وطنية حقيقية تهدد مستقبل المعرفة والتنمية في البلاد.

أزمة الأرقام والواقع الأكاديمي
وفقًا لمقارنة المؤشر ذاته، تحقّق السعودية 176.65 نقطة بحثية، تليها إيران بـ136.45، ثم تركيا بـ114.38، بينما يسجل العراق أقل من نقطتين، في مؤشر يعكس غياب البيئة البحثية، وتفكك البنية الأكاديمية، وعزلة الجامعات العراقية عن السياق العلمي العالمي.
هذا الرقم المهين ليس صدفة، بل نتيجة طبيعية لسياسات تعليمية خاطئة، تداخل فيها الفساد مع المحاصصة، وأُبعدت فيها الكفاءة لحساب الولاء الحزبي”.

الأسباب العميقة: انهيار الداخل الأكاديمي
من بين أبرز أسباب هذا التراجع:
•المحاصصة الحزبية: أصبحت إدارات الجامعات رهينة لولاءات طائفية وسياسية، لا تمتّ بصلة إلى الكفاءة العلمية أو الإدارية.
•شهادات عليا بلا مضمون: التوسع العشوائي في برامج الماجستير والدكتوراه دون بنية تحتية مناسبة، جعل من هذه الشهادات “مؤهلات ورقية” في الغالب.
•تزوير وتضليل بالألقاب: تُمنح الألقاب العلمية لأغراض مالية أو سياسية، دون ارتباط فعلي بالتدريس أو البحث العلمي.
•تفشي سوق البحوث الوهمية: تنتشر مكاتب لبيع البحوث الجاهزة، ما أفقد الإنتاج العلمي مصداقيته داخليًا وخارجيًا.
•غياب الاستراتيجية التعليمية: تتغير سياسات التعليم بتغير الوزراء والكتل، مما يكرّس العشوائية ويمنع بناء مشروع وطني موحد.

طريق النجاة
نؤكد هنا أن الوضع الحالي لا يحتاج إلى ترقيعات، بل إلى ثورة أكاديمية شاملة تبدأ من:
1.اعتراف رسمي بالأزمة، وتوصيفها ككارثة وطنية.
2.إعادة هيكلة نظام الدراسات العليا ووقف القبول حتى ضبط الجودة.
3.فصل التعليم عن المحاصصة، وإعادة الاعتبار للمهنية والكفاءة.
4.تأسيس هيئة وطنية مستقلة لضمان الجودة والاعتماد الأكاديمي.
5.ربط الترقيات بالأداء الفعلي والبحوث المحكمة، لا بالشهادات الاسمية.
6.إطلاق خطة تمويل وطني للبحث العلمي تمتد لعشر سنوات، تُدار بعيدًا عن الأهواء السياسية.
7.تكييف المناهج مع متطلبات سوق العمل وخصوصية الواقع العراقي.

أن “الرقم 1.23 ليس مجرد إحصائية، بل صفعة تُجبرنا على وقفة مصيرية. العراق بحاجة إلى قرار شجاع يضع حدًا للعبث الأكاديمي ويؤسس لعقد جديد مع العلم”.

جميع المقالات تعبر عن رأي كتابها ولا تمثل يورو تايمز

زر الذهاب إلى الأعلى