د. عبدالرزاق محمد الدليمي: العراق بين مطرقة الجهلاء وسندان القتلة

(لا أمل في أمة يجتمع فيها أطباؤها ومهندسوها وأساتذتها الجامعيين أمام منبر يخطب فيه جاهل يبيع لهم الوهم، ويحرضهم على العنف) كما قال فرج فوده
لتحليل الظاهرة التي يشير إليها هذا الاقتباس، يمكننا تناولها من عدة جوانب مبتدئين بالظاهرة الرئيسية حيث سيطرة الخطاب المتخلف غير المتخصص أو المتطرف على حساب النخب المثقفة
فالظاهرة الأساسية التي يتحدث عنها الاقتباس هي أن أصحاب التخصصات العلمية والفكرية الرفيعة (الأطباء، المهندسون، الأساتذة الجامعيون) يصبحون مستمعين ومنقادين لخطاب صادر عن “جاهل متخلف” – وهو هنا رمز لشخص يفتقر إلى المعرفة المتخصصة أو المنطقية، وقد يكون يحمل أفكارًا متطرفة أو شعبوية.
تتجلى أبعاد هذه الظاهرة بانحسار دور العقلانية والتفكير النقدي فعندما تتجمع نخب المجتمع المثقفة حول خطاب غير منطقي أو قائم على الوهم والخرافات والهرطقة فهذا يشير إلى ضعف في ممارسة التفكير النقدي والعقلانية التي يفترض أن يتمتعوا بها بحكم تعليمهم وخبراتهم.
تأثير الكاريزما الزائفة أو الخطاب العاطفي فقد يكون “الجاهل” يمتلك كاريزما معينة، أو يستخدم خطابًا عاطفيًا، أو يستغل قضايا حساسة (مثل الدين والطائفة أو الهوية الفرعية) للسيطرة على عقول المستمعين، بغض النظر عن مستواهم التعليمي.
وهناك البحث عن حلول سهلة أو خلاص فقد يكون هناك حالة من اليأس أو الإحباب تدفع بعض الأفراد، حتى المتعلمين، للبحث عن حلول سريعة أو خلاص يقدمه خطاب شعبي متخلف، حتى لو كان قائمًا على الوهم.
كذلكً تبرز هذه الظاهرة ضعف المؤسسات الأكاديمية والفكرية فإذا كانت النخب الأكاديمية والمهنية لا تستطيع أن تنتج خطابًا بديلاً قويًا، أو أن تحمي أفرادها من التأثر بالخطاب الهدام، فهذا يشير إلى ضعف في دور هذه المؤسسات وتراجعها لاسيما في ظروف كالتي يعيشها العراق بعد احتلاله
ظاهرة بيع الوهم
يشير هذا الجزء إلى أن الخطاب المذكور لا يقدم حلولًا حقيقية أو معرفة قيمة، بل يقدم أوهامًا.
وتبرز جوانب “بيع الوهم”بالوعود الكاذبة كتقديم وعود غير واقعية بالرخاء، القوة، أو النجاة دون أساس منطقي أو خطط عملية.
التبسيط المخل للقضايا المعقدة: اختزال المشاكل المعقدة في حلول بسيطة وغير واقعية، مما يخدع المستمعين.
وهناك التضليل والتلاعب بالحقائق من خلال تقديم معلومات مغلوطة أو مشوهة لخدمة أجندة معينة.ويضاف الى ذلك الاعتماد على الخرافات أو الأساطير حيث يتم بناء الخطاب على معتقدات غير علمية أو خرافية بدلاً من الحقائق الملموسة.
وهناك ايضا التحريض على العنف وهو أحد الجوانب الأخطر في الظاهرة، حيث يتجاوز الخطاب بيع الوهم ليصل إلى مرحلة التحريض على العنف.
وتبرز دلالات التحريض على العنف من خطورة الخطاب المتطرف حيث يشير إلى أن الخطاب الذي يتبناه “الجاهل” قد يكون متطرفًا بطبيعته، ويهدف إلى إثارة العداوة والكراهية وهذا حتما سيدفع إلى تقويض السلم الاجتماعي فالتحريض على العنف يؤدي إلى تفكك النسيج الاجتماعي، وزيادة النزاعات، وتقويض الاستقرار.
وهناك ايضا الاستغلال السلبي للطاقات فبدلاً من توجيه طاقات هذه النخب نحو البناء والتنمية، يتم توجيهها نحو الصراع والدمار وهذا سيؤثر بشكل كارثي على الأمن القومي فعندما تتحول النخب إلى أدوات للتحريض على العنف، فإن ذلك يشكل خطرًا مباشرًا على أمن الدولة والمجتمع.
ان مثل هذه الظواهر السلبية هي دلالة ان لا أمل في شعب تتحكم به هذه الممارسات
وهي تعكس يأسًا عميقًا من حال الأمة عندما تصل إلى هذه الدرجة من الانحدار الفكري والاجتماعي.
ان ما يعنيه هذا اليأس هو فقدان البوصلة فعندما تتبع النخب خطابًا هدامًا، فإن الأمة ككل تفقد اتجاهها الصحيح نحو التقدم والتطور كذلك عدم القدرة على التغيير الإيجابي حيث تشير هذه الظواهر السلبية إلى أنها، إذا ما استشرت، فقد تجعل الأمة عاجزة عن تحقيق أي تقدم حقيقي.
ان اخطر مايمكن ان تدلل عليه هذه القضية الخطيرةً هو خيانة الطبقات القائدة في المجتمع من علماء وباحثين ومهندسين وأطباء ووو للرسالة الفكرية والعلمية فالأطباء والمهندسون والأساتذة الجامعيون يمثلون قادة الفكر والعلم في أي مجتمع. وعندما يصبح هؤلاء منقادين لخطاب جاهل وهدام، متخلف فهذا يعتبر “خيانة” لرسالتهم ودورهم التنموي.
ان الواقع يشير إلى ظاهرة خطيرة تتمثل في استقطاب الخطاب الشعبوي أو المتطرف للنخب المتعلمة والمثقفة، مما يؤدي إلى تراجع العقلانية، ترويج الأوهام، والأخطر من ذلك، التحريض على العنف. إنها دعوة للتفكير النقدي والتحذير من عواقب الانسياق وراء خطاب غير مسؤول، خاصة عندما يكون صادرًا عن من ليسوا أهلاً لقيادة الفكر أو توجيه الرأي العام، وذلك على حساب تقدم الأمة واستقرارها وللأسف هذا ما يعيشه العراق منذ احتلاله حيث يهيمن المتخلفين على صناعة كل مظاهر التخلف وهيمنوا على مسارات الحياة حتى اصبحت جميعها تدلل بوضوح على حجم الكارثة التي يعيشها بلد مثل العراق كان قائد الفكر والثقافة والعلم في كل المنطقة !؟
جميع المقالات تعبر عن رأي كتابها ولا تمثل يورو تايمز