د. رائـــد الجبــــوري: المنظمات المتخصصة لجامعة الدول العربية بين الواقع والطموح

مقدمة:
درجَ المهتمون والمتخصصون بشؤون جامعة الدول العربية، على جعل تاريخ 22 مارس/ آذار من كل عام، بمثابة محطة للتوقف وإعادة تحليل وتقييم وضع الجامعة من كافة جوانبه؛ نظرًا لكونها المنظمة الأقدم بين المنظمات الإقليمية، وسبق إنشاؤها الأمم المتحدة بأشهر؛ إذ شهدنا في 22 مارس/ آذار الماضي، ذكرى مرور ثمانين عامًا على تأسيسها، والتي كانت ولاتزال شاهدة على التطورات (السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية) التي مرت بها دولها العربية الأعضاء، وذلك منذ التوقيع على الصيغة النهائية لميثاقها في 22 مارس/ آذار 1945 بالقاهرة، من قبل رؤساء حكومات الدول السبع المؤسسة لها، والتي جاء إنشاؤها في ظل تصاعد الشعور القومي للدول المستقلة حديثًا من الاستعمار، وتبني الأفكار الداعية إلى الوحدة العربية ومواجهة التحديات السياسية المشتركة التي كان العالم العربي يشهدها حينذاك؛ ليُثبِّت المؤسسون في ديباجة ومواد ميثاقها ما يدعو إلى تعزيز العلاقات والتعاون في مختلف المجالات، وتنسيق المواقف بين دولها الأعضاء.
واتساقًا مع هدف تقييم أداء جامعة الدول العربية، سنُحاول في هذا المقال تسليط الضوء على أحد مسارات عملها المهمة، والمتمثلة بمنظماتها المتخصصة بشؤون: الإذاعات، التربية والثقافة والعلوم، دراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة، التنمية الزراعية، التنمية الصناعية والتقييس والتعدين، التنمية الإدارية، شؤون العمل والعمال وأصحاب الاعمال، الطاقة الذرية، الطيران المدني، العلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، تكنولوجيات الاتصال والمعلومات والوقاية من أخطار الزلازل والكوارث الطبيعية الأخرى،… وغيرها من المنظمات القائمة وقيد الإنشاء، والتي برزت الحاجة إلى إنشائها في ظل التطورات (الاقتصادية، الاجتماعية، العلمية، والتكنولوجية) التي شهدها ويشهدها العالم؛ لتكون الأذرع الفنية للجامعة وبيوت الخبرة في مجالات اختصاصاتها.
يعكس تاريخ إنشاء المنظمات العربية المتخصصة في أحد جوانبه التطور، الذي بلغه مستوى التعاون العربي في الحقب الزمنية التي تلت تاريخ تأسيس الجامعة، كما يكشف بوضوح طبيعة اهتمامات النظام العربي الرسمي –آنذاك- ويجد المتخصص والمتابع لملف المنظمات العربية المتخصصة بأن حجم الاهتمام باختصاص كل منظمة سادته حالة من التزايد والفتور تبعًا لذلك، ونظرًا لعوامل أخرى ذاتية وموضوعية سنأتي على ذكرها في سياق المقال، كما يرصد تفاوتًا ملحوظًا في أداء المنظمات المتخصصة وعملها على تحقيق الأهداف المنشودة من وراء تأسيسها.
ماهية المنظمات العربية المتخصصة.
يُمكن تعريف المنظمة العربية المتخصصة بأنها عبارة عن هيئة مستقلة ماليًّا وإداريًّا، ذات طابع حكومي بالضرورة، تعمل تحت مظلة جامعة الدول العربية، بموجب وثائق وقرارات صادرة عن جهات مرجعية عُليا، وتُعنى بمجالات محددة تساهم في دعم التكامل العربي، الذي يُعد الهدف الأبرز بين أهداف نشأة الجامعة، ويتم تمويل موازناتها من الدول الأعضاء وفقًا لنسبة مساهمة كل دولة في موازنة الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، والموارد الذاتية والهبات والتبرعات، وتتمتع المنظمات بذات المزايا والحصانات المقررة بموجب اتفاقية مزايا وحصانات جامعة الدول العربية، والاتفاقيات المُبرمة بين (المنظمة، دولة المقر).
آليات الإشراف ومتابعة عمل وتقييم أداء المنظمات العربية المتخصصة.
أولًا: آليات هيكل المنظمة.
سعيًا لحوكمة عمل المنظمات ومتابعة عملها ودراسة شؤونها المالية والإدارية، حرص المؤسسون للمنظمات على أن يضم هيكل كل منظمة الآليات التالية: الجمعية العامة، المجلس التنفيذي والإدارة العامة، ومنصوص عليها في الأنظمة الأساسية واتفاقيات الإنشاء الخاصة بكافة المنظمات، وأدناه تعريفًا موجزًا لكل منها:
- الجمعية العامة أو المؤتمر العام للمنظمة.
وتُمثل السلطة التشريعية للمنظمة، وتختص باعتماد الإستراتيجية والسياسات العامة للمنظمة، وتخطيط ومتابعة برامجها وأنشطتها، ومتابعة شؤونها (الفنية، المالية، الإدارية، والهيكلية) ولها أن تتخذ القرارات والإجراءات المناسبة لتحقيق أغراض المنظمة في حدود اتفاقية إنشائها، وتنظر الجمعية العامة على وجه التحديد في: إقرار خطط المنظمة وبرامج عملها وميزانيتها، وذلك كل عامين وإحالتها إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي، انتخاب أعضاء المجلس التنفيذي، انتخاب أعضاء هيئة الرقابة المالية لمدة عامين، تحديد مراقبي الحسابات القانونيين وإنهاء عقودهم، تعيين المدير العام والمدير العام المساعد للمنظمة وفقًا لأحكام النظام الأساسي الموحد لموظفي المنظمات العربية المتخصصة، تشكيل اللجان الدائمة والمؤقتة واعتماد توصياتها، إنشاء مكاتب إقليمية للمنظمة في الدول الأعضاء وإلغائها، المصادقة على تقرير المجلس التنفيذي المرفوع إليها من المدير العام، مراجعة الحسابات الختامية للمنظمة والمصادقة عليها، إقرار ميزانية المنظمة كل عامين، تنظيم التعاون بين المنظمة والدول والهيئات الدولية، تعديل اتفاقية إنشاء المنظمة بالكيفية المحددة في مضمونها وقبول أعضاء جُدد أو انسحاب أحد أعضائها، وتتم كل هذه الإجراءات بموافقة المجلس الاقتصادي والاجتماعي. وتتكون الجمعية العامة من الوزراء المعنيين باختصاص المنظمة أو من يقوم بمقامهم، وتجتمع مرة كل عامين في دورة عادية (وفي بعض المنظمات كل عام) أو دورة غير عادية (تختلف آلية الانعقاد بين منظمة وأخرى)؛ وذلك لاعتماد خطط وبرامج وموازنة المنظمة، ويتم تداول رئاسة الجمعية العامة بين الدول الأعضاء كل عامين بحسب الترتيب الهجائي لأسمائها، وكما الحال بالنسبة لصحة انعقاد اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية، يُمثل حضور ثلثي الدول الأعضاء، النصاب القانوني لانعقاد اجتماعات الجمعية العامة. - المجلس التنفيذي للمنظمة.
ويتكون من سبعة أعضاء أو أكثر تنتخبهم الجمعية العامة كل عامين، من بين الوزراء المعنيين أو من يقوم بمقامهم في الجهات الوطنية المتخصصة بنشاط المنظمة في الدول الأعضاء، وينتخب المجلس رئيسًا ونائبًا له من بين أعضائه، ويجتمع في دورة عادية مرتين في العام، وله أن يجتمع في دورة غير عادية، كلما دعت الحاجة إلى ذلك، بناءً على طلب من رئيسه أو المدير العام للمنظمة أو بطلب من أربعة أعضاء على الأقل، على أن يُكرس الاجتماع لبحث الموضوع الذي عُقد لأجله فقط. ويختص المجلس التنفيذي باقتراح برامج عمل المنظمة، دراسة مشروع خطة عمل المنظمة، دراسة الحساب الختامي، دراسة التقارير السنوية المُقدمة من الإدارة العامة للمنظمة والخاصة بتنفيذ الأنشطة وسبل الإنفاق، السعي مع الإدارة العامة لتوفير التمويل المالي اللازم للمنظمة، انتهاج كافة الوسائل التي من شأنها تحقيق أهداف المنظمة ومتابعة تنفيذ قرارات الجمعية العامة والخطط والبرامج، اقتراح عقد اجتماع للجمعية العامة في دورة غير عادية، إقرار مشروع جدول أعمال الجمعية. - الإدارة العامة للمنظمة.
هي الجهاز الإداري للمنظمة، وتتكون من المدير العام والموظفين الرئيسيين والفنيين والإداريين، وتختص الإدارة العامة بإعداد الخطط السنوية المفصلة، وتخصيص المبالغ اللازمة لتنفيذها ضمن الموازنة، معاونة المدير العام في تنفيذ البرامج والقرارات وإعداد خطة عمل للمنظمة تتضمن المشروعات والبرامج السنوية وتقديم تقارير متابعة دورية تتضمن تقويمًا لما تم تنفيذه وعرضها على المدير العام، الاتصال بالجهات المختصة في الدول الأعضاء والمنظمات والأجهزة المتخصصة، التحضير لاجتماعات الجمعية العامة والمجلس التنفيذي والاشتراك في الاجتماعات التي يرى المدير العام أهمية المشاركة فيها، ومتابعة الإجراءات الإدارية والمالية الخاصة بالمنظمة وإخطار الإدارة المالية بأي نشاط تترتب عليه أعباء مالية، ويترأس الإدارة العامة مدير عام تنتخبه الجمعية العامة لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة، وهو المسؤول عن أعمال الإدارة العامة أمام الجمعية والمجلس، ويقوم بتمثيل المنظمة في المؤتمرات ولدى الهيئات والدول، والدفاع عن مصالحها والتعاقد والتقاضي باسمها، كما يقوم المدير العام بكل ما يُعهد إليه من الجمعية والمجلس من مهام، ويتولى بشكل خاص ما يلي:
تعيين موظفي المنظمة بموجب أحكام النظام الأساسي الموحد لموظفي المنظمات العربية المتخصصة واللوائح، تقديم تقرير دوري للمجلس التنفيذي والجمعية العامة كل عامين عن أعمال الإدارة العامة، إعداد مشاريع خطط عمل المنظمة الإنمائية والإشراف على تنفيذها، إعداد مشروع خطة وبرنامج عمل المنظمة لمدة عامين وعرضه على الجمعية العامة والمجلس التنفيذي، إعداد مشروع الميزانية السنوية للمنظمة كل عامين، تقديم تقرير سنوي عن الحسابات الختامية المعتمدة من المراجع القانوني وهيئة الرقابة المالية للمنظمة ورفعه إلى المجلس التنفيذي ومن ثم إلى الجمعية العامة، وإعداد البحوث والتقارير التي تطلبها الجمعية العامة أو المجلس التنفيذي.
ثانيًا: آليات الإشراف على أداء المنظمات العربية المتخصصة.
يُمثل المجلس الاقتصادي والاجتماعي لجامعة الدول العربية، الجهاز المركزي للجامعة الذي يُشرف على كل أوجه التعاون العربي المشترك في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، وذلك بعد صدور قرار مجلس جامعة الدول العربية (السلطة التشريعية العليا التي تنظم وتُشرف على عمل الجامعة) في عام 1977، القاضي بتعديل المادة الثامنة من معاهدة الدفاع العربي المشترك والتعاون الاقتصادي بين دول الجامعة؛ ليصبح المجلس الاقتصادي والاجتماعي بموجبه، السلطة العليا والمرجعية القومية لمنظمات ومؤسسات العمل العربي المشترك، وقراراته بشأنها نهائية ومُلزمة، ويُشرف على حُسن قيامها بمهامها المُبينة في مواثيقها، كما يتولى -على هذا الأساس- مهمة الموافقة على إنشاء أية منظمة عربية متخصصة جديدة، وبموجب ذلك، يتابع كافة شؤونها (الإدارية، المالية، التنظيمية، والهيكلية).
آليات المجلس الاقتصادي والاجتماعي الخاصة بمتابعة أنشطة المنظمات العربية المتخصصة.
تتمثل آليات المجلس الاقتصادي والاجتماعي الخاصة بمتابعة أنشطة المنظمات العربية المتخصصة، بما يلي: - لجنة المنظمات للتنسيق والمتابعة المُنبثقة عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي.
أُنشئت هذه اللجنة في إطار المجلس الاقتصادي والاجتماعي وقراراته الخاصة بالهيكلة، وخاصة القرار الصادر عن دورته غير العادية بتاريخ 6/7/1988، والذي نص على: “التأكيد على دور المجلس الاقتصادي والاجتماعي باعتباره المرجعية القومية في تخطيط وتنسيق عمل المنظمات”، وتتشكل عضوية اللجنة من الدول العربية (ممثلين من وزارات المال والاقتصاد والتجارة، بالإضافة إلى المنظمات العربية المتخصصة)، وتقوم إدارة المنظمات والاتحادات العربية بقطاع الشؤون الاقتصادية بدور الأمانة الفنية للجنة، التي تجتمع سنويًّا لمناقشة تقارير هيئات الرقابة المالية وتقارير رؤساء وحدات الرقابة الداخلية للمنظمات العربية المتخصصة، وتقارير الحسابات الختامية والمُراجع القانوني الخارجي والتقارير الدورية حول مساهمات الدول الأعضاء المالية لصالح موازنات هذه المنظمات، والتقرير الدوري الخاص بحسابها الموحد لدى صندوق النقد العربي، كما تناقش اللجنة كل عامين خطط وموازنات المنظمات. وقد انبثق عن لجنة المنظمات للتنسيق والمتابعة لجنتان فنيتان: تُعنى الأولى بدراسة الأنظمة الأساسية الموحدة للمنظمات العربية المتخصصة، والتي تمكَّنت من تحديث وتطوير النظام الأساسي الموحد للمنظمات واعتماده من المجلس الاقتصادي والاجتماعي، ولاتزال تواصل أعمالها في دراسة المواد والفقرات المُحالة من المجلس، والتي تتطلب تعديلات أملتها التطورات والممارسة العملية، كما تفرع عن لجنة المنظمات لجنة ثانية معنية بتوحيد النظام المالي والمحاسبي الموحد للمنظمات العربية المتخصصة، والتي تمكَّنت هي الأخرى في وقت سابق من استكمال تحديث وتطوير النظام المالي والمُحاسبي الموحد للمنظمات العربية المتخصصة واعتماده من المجلس الاقتصادي والاجتماعي، ولاتزال تجتمع كلما اُحيلت إليها من المجلس موادٌ تتطلب الدراسة والتعديل، وقامت لجنة المنظمات واللجان المُنبثقة عنها كذلك، بإعداد الأنظمة الأساسية للمنظمات التي تعمل بالتمويل الذاتي، وتم اعتماد هذه الأنظمة من المجلس الاقتصادي والاجتماعي. - لجنة التنسيق العليا للعمل العربي المشترك، برئاسة الأمين العام لجامعة الدول العربية.
وتعقد هذه اللجنة اجتماعاتها السنوية برئاسة الأمين العام لجامعة الدول العربية، وبمشاركة المنظمات والمؤسسات العربية الأعضاء فيها، وتكون العضوية فيها أصيلة للمنظمات المتخصصة المنبثقة عن الجامعة، وصفة مُراقب للمؤسسات التي تجمع بين الطابع الخاص والحكومي، ولها وضع مُعيّن اكتسبته بموجب قرارات صادرة عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي أو مجلس جامعة الدول العربية أو المجالس الوزارية المتخصصة. وتُمثل الأمانة العامة (إدارة المنظمات والاتحادات العربية) الأمانة الفنية للجنة، وذلك بموجب لائحتها الداخلية المُعدلة، التي وافق عليها مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري في دورته العادية (151) بموجب القرار الصادر بتاريخ 6/3/2019، بالإضافة إلى الآليات الأخرى المتفرعة عن اللجنتين المذكورتين، كاللجنة الفنية المعنية بدراسة الأنظمة الأساسية الموحدة للمنظمات العربية المتخصصة، المُكونة من ممثلي الدول الأعضاء والمنظمات والأمانة العامة للجامعة، واللجنة الفنية المعنية بتطوير النظام المالي والمحاسبي الموحد للمنظمات العربية المتخصصة، بنفس التشكيل المذكور.
تفاعُل المنظمات العربية المتخصصة مع نظيراتها من منظمات ووكالات الأمم المتحدة.
إن السمة الأبرز في عمل المنظمات العربية المتخصصة تتمثل بأنها قد تأثرت وتفاعلت مع نظيراتها من منظمات ووكالات الأمم المتحدة، ويبدو هذا الأمر طبيعيًّا حينما ندرك حقيقة أن المنظمة الأممية هي المظلة الأوسع للدول المنضوية تحت مظلة المنظمات الإقليمية، لذلك يرصد المتابع أن معظم المنظمات العربية تشارك وتتفاعل مع مُختلف الأنشطة والفعاليات التي تُنظمها وتقيمها منظمات الأمم المتحدة، كما تعتمد الأولى في بعض برامجها وأنشطتها وفعالياتها على تمويل الأخيرة لها، وتحضر المنظمات العربية الاجتماعات الفنية والتنظيمية السنوية لمنظمات ووكالات الأمم المتحدة المناظرة، وتشارك في النقاشات المثارة حول الموضوعات التي تهم الدول العربية وتحافظ على مصالحها في التخصصات المختلفة.
التحديات التي تعترض عمل المنظمات العربية المتخصصة.
تقتضي الأمانة القول بأن عمل بعض المنظمات العربية المتخصصة، لازال يواجه عددًا من التحديات والمعوقات، بعضها رئيسي وبعضها ثانوي، ولعل ضعف التمويل، يأتي في مقدمتها، خاصة تلك التي تعتمد كليًّا على مساهمات الدول الأعضاء في دعم موازناتها، وليس بمقدورها الاعتماد الكلي أو الجزئي على مبدأ التمويل الذاتي في تمويل نفقاتها؛ لأسباب تتعلق بطبيعة تخصصها بالدرجة الأساس وعوامل أخرى ذاتية تتعلق بطريقة وفعالية إدارتها وكوادرها البشرية، الأمر الذي حدَّ من قدرتها على تنفيذ مشاريعها، مما يستدعي من الوزارات والمصالح الحكومية المتخصصة في الدول الأعضاء، العمل على دعم هذه المنظمات ومساعدتها في تجاوز العقبات التي تعترض عملها وتحد من فعاليتها في المضي بتحقيق الأهداف التي أُنشئت من أجلها.
ويرصد المتابع أن بعض المنظمات العربية المتخصصة، التي انتهجت مبدأ التمويل الذاتي لتغطية نفقاتها، قد حققت تقدمًا واضحًا في تحقيق برامجها وأنشطتها، والمضي بتنفيذ خططها الإستراتيجية، فلطالما دعا المجلس الاقتصادي والاجتماعي لجامعة الدول العربية المنظمات العربية المتخصصة إلى العمل بالتمويل الذاتي، والاستغلال الأمثل لوضعها القانوني كبيوت خبرة عربية في مجالاتها لتحقيق ذلك، كما لاتزال الأنظمة الإدارية الموحدة وإجراءاتها الطويلة تؤثر بشكل مباشر على سرعة وكفاءة تنفيذ هذه المنظمات لمشاريعها وخططها، علاوة على أن تفاوت مستوى التنمية والإمكانات (المادية، الاقتصادية، والعلمية) بين الدول الأعضاء، التي تُشكّل الجمعيات العامة والمجالس التنفيذية لهذه المنظمات_ كان ولايزال في مقدمة العوائق التي تعيق مساعي توحيد الجهود، ناهيك عن ضعف التنسيق بين هذه الدول، وضعف الاستفادة من التكنولوجيا، وعدم استخدام أدوات رقمية حديثة في إدارة البرامج والمشروعات، وغياب قواعد بيانات موحدة أو أنظمة معلومات فعالة، والذي يؤثر على تحقيق التكامل العربي الفعلي المنشود.
الحلول والمقترحات.
وإزاء هذا الوضع، من المهم عمل الجهات الحكومية المختصة في الدول الأعضاء على تعزيز تمويل المنظمات العربية المتخصصة، وبما يُمكِّنها من الاضطلاع بدورها كبيوت خبرة عربية لا غنى عنها في مجالات اختصاصاتها، ومساعدة هذه المنظمات من خلال تبني سياسات مرنة تتناسب مع التحديات الراهنة، وتعزيز إنشاء مراكز أبحاث مشتركة، وتفعيل التكامل الاقتصادي والتنموي، من خلال مشاريع عربية مشتركة تساهم في تقليل الفجوة بين الدول. ومن المفيد في هذا السياق، عمل هذه المنظمات على تعزيز دور التكنولوجيا والرقمنة، بغية تحسين الأداء وتسهيل التواصل والتنسيق بين المنظمات والدول، والأهم في هذا المجال، العمل على الترويج للمنظمات العربية المتخصصة عبر المنصات الإلكترونية للوزارات والمصالح الحكومية المناظرة في التخصص، والدعوة إلى تعزيز مكانتها كبيوت خبرة عربية.
الخلاصة:
تُمثِّل المنظمات العربية المتخصصة أداة مهمة لتحقيق التكامل العربي في مختلف المجالات، وإن نجاحها مرهون بتجاوز العقبات الحالية وتعزيز التعاون الفعّال بين الدول، لضمان مستقبل أفضل، وذلك من خلال تبني إستراتيجيات جديدة تقوم على الابتكار والشراكة الفعالة، ما يسهم في تحقيق طموحات الشعوب العربية نحو التنمية والتقدم، فالمنظمات العربية المتخصصة تمتلك إمكانات هائلة، لكن تفعيل دورها يحتاج إلى إرادة سياسية جماعية، وتحديث إداري، واستثمار في التكنولوجيا والتكامل العربي الحقيقي. التحديات كبيرة، لكن الحلول واقعية إذا تم تنفيذها بجدية .
وقد أثبتت تجربة العمل العربي المشترك خلال السنوات الثمانين المنصرمة، صعوبة تحييد التعاون في المجالات (الاقتصادية، الاجتماعية، والثقافية) المنصوص عليها في المادة (2) من ميثاق الجامعة عن الشأن السياسي؛ حيث تُشير إلى أن الغرض من الجامعة توثيق الصلات بين الدول المشتركة فيها، وتنسيق خططها السياسية، والتعاون الوثيق فيما بينها بمختلف الشؤون الاقتصادية والمالية وشؤون المواصلات والثقافة والجنسية والشؤون الاجتماعية والصحية، وقد يكون سبب ذلك أنها أُنشئت بإرادة سياسية، وبقي العامل السياسي الفيصل في تحريك بوصلة مواقف دولها الأعضاء، وبالتالي لا يُمكن تجاوز حقيقة أنها منظمة سياسية بالدرجة الأساس، وما تقرره السياسة يفرض نفسه على جميع أوجه التعاون التي تضطلع بها جامعة الدول العربية والمنظمات العربية المتخصصة المنبثقة منها.
وفي الختام، وكما في كل نقاش بشأن تطوير الجامعة ومنظماتها المتخصصة، ومقارنة أدائها بمنظمات إقليمية مناظرة، يبقى من المهم دائمًا دعوة الدول الأعضاء إلى تقرير موقفها من التزاماتها المُقررة في ميثاق الجامعة، وتلك المتضمنة في الاتفاقيات الثُنائية والجماعية لهذه الدول، بالإضافة إلى تقرير تقديم بعض التكيفات الهيكلية والقانونية على المستوى الوطني لصالح العمل العربي المشترك، وبما يعود بالنفع على مصالح جميع الدول باعتبارها وحدةً جغرافية متصلة وتربطها روابط عديدة يأتي في مقدمتها (اللغة، والمصير المشترك) بغية الوصول إلى نتائج مرضية تحاكي تجارب تكتلات إقليمية أُنشئت بعد جامعة الدول العربية بسنوات عديدة.