نزار العوصجي: الشرعية من وجهة نظر قانونية

يعد مفهوم الشرعية ( legitimacy ) من أحد أهم المفاهيم الأساسية في علم السياسة ، حيث يشير إلى الرضا و القبول العام بالنظام السياسي ، كونه يعد موافقة الشعب لتقبل الحالة و تقديم الطاعة لسلطة معينة ، تقوم بممارسة مهامها في إطار هذه الطاعة و الرضا ، لذا فان الاساس لحالة الرضا ينبع من حق الاختيار ، بمعنى ادق فانه يتمثل في انتخاب السلطة التي تتولى مهمة الادارة و ليس التعيين ..
من هذا المنطلق يتضح أن القبول و الطاعة هما أساس الشرعية المنطلقة من انتخابات ديمقراطية ، تعبر عن رأي الجماهير ، و بعكسه تُعد السلطة استبدادية في حالة عدم وجود رضا شعبي بدرجة مقبولة ، لذلك فإن أي نظام سياسي بحاجة إلى قبول شعبي و رضا جماهيري من الطبقات الاجتماعية كافة ، مع التركيز على الطبقات الأكثر فاعلية و تأثير ، اذا ما توفرت حسن النية و الرغبة في ديمومة التأثير في الوسط الجماهيري بشكل فعلي ..
من هنا نعي ان الشرعية في العلوم السياسية هي « قيمة يُعترف بموجبها بشيء أو شخص ، و يُقبل على أنه صحيح و سليم » ، و تُفهم الشرعية عادة على أنها القبول و الاعتراف الشعبي من جانب السلطة العامة لنظام الحكم ، بحيث تتمتع السلطة بالقوة السياسية من خلال الموافقة و التفاهم المتبادل ، و ليس بالإكراه و التأثير بوسائل اقصائية من خلال استهداف القيادات و الرموز لتلك الجهة ( لغاية في نفس يعقوب ) ..
تنبع أهمية الشرعية من كونها القوة التي يستند عليها النظام في مقابلة خصومة المعارضة ، إذ دائما ما تحاول المعارضة نفي الشرعية عن النظام أو حتى تنتقص منها كذريعة لرفض سيطرة النظام و محاولة التشكيك في شرعيته تمهيدًا لإسقاطه ، و تعد كلّ من المظاهرات و الاعتصامات و دعوات الانفصال أو التحرر و مطالبات التقسيم الفيدرالي أو الكونفدرالي مظهرًا من مظاهر فقدان شرعية النظام الحاكم ، و على النقيض من ذلك يعد الاستقرار السياسي و الاقتصادي دليلًا على تمتع النظام الحاكم بالشرعية و وجود قبول ورضا شعبي بأداء السلطة ..
اما من الناحية اللغوية ، تعرف الموسوعة السياسية مصطلح الشرعية على أنه مفهوم سياسي مركزي مستمد من كلمة شرع ، أي قانون أو عرف معتمد و راسخ ، يرمز إلى العلاقة القائمة بين الحاكم و المحكوم ، المتضمنة توافق العمل أو النهج السياسي للحكم مع المصالح و القيم الاجتماعية للمواطنين ، بما يؤدي إلى القبول الطوعي من قبل الشعب بقوانين و تشريعات النظام السياسي ، و هكذا تكون الشرعية علاقة متبادلة بين الحاكم و المحكوم ..
و في الموسوعة الاجتماعية يُنظَر إلى الشرعية على أنها أساس السلطة السياسية التي تمارسها أداة الحكم سواء كانت فردًا أو شعبًا بأكمله ، إستنادًا إلى حق الشعوب الثابت في ممارسة الحكم ، مع اعتراف المحكوم بذلك ..
في اغلب دول العالم المتقدم تتشكل الطبقة الحاكمة من النخب ، ففي علم الاجتماع يعرّف النخب ، بأنّهم أفضل من غيرهم في الذكاء و المهارة و المهنة و العمل ، فالتعريف السائد للنخب ؛ بأنّهم المالكين للقوّة و الامكانات و القادرين على التأثير في مجتمعاتهم ، كما ان النخب هم ، القابضين على القوة ( power holder ) و لديهم القدرة على تدوير و توجيه مسارات الامكانات وفق مصالحهم ..
ان تأثير لعبة النخب ( Elite Game ) تتناسب مع قوّة و ثروة الطامحين المتنافسين على المراكز القيادية ، لذا يلجأ هؤلاء الى تغيير القواعد ( القيم و القوانين ) التي تقف حائلاً أمام تحقيق رغباتهم و تطلّعاتهم ، و في هذا يسعون للتنافس فيما بينهم للسيطرة على المواقع القيادية في المؤسًسات التشريعية و القضائية و التنفيذية ، لذا يلجأ هؤلاء النخب لاختيار ممثّلين عنهم لادارة الانتخابات السياسية و الفوز بها لادامة هيمنتهم و تحكّمهم و سيطرتهم ..
خلاصة القول : ما تقدم يوضح حقيقة ان السلطة الحاكمة في العراق تفتقد الى الشرعية بكافة وجوهها ، وان الطبقة الحاكمة لا تخرج عن دائرة النخب الفاسدة ، وان العرس الأنتخابي الذي يتحدثون عنه ، لا يعدوا عن كونه مزاداً انتخابياً ، يتحكم به المال السياسي المنهوب من اموال الشعب ..
ان مقاطعة الأنتخابات واجب وطني يؤكد عدم شرعية النظام السياسي القائم في العراق ( فما بني على باطل فهو باطل ) ، كما انها دعوة الى التغيير الجذري و الشامل ..
جميع المقالات تعبر عن رأي كتابها ولا تمثل يورو تايمز