الحياة في إيران وسط الأزمة: شهادة من الداخل

بقلم: شاهد عيان إيراني مقيم في الخارج
في ليلة الأمس، تحدثتُ إلى شقيقي في طهران. توسلت إليه أن يغادر المدينة ويتجه شمالًا إلى مازندران وجيلان، حيث يقيم والدانا حاليًا. لكنه رفض. لم أُفاجأ كثيرًا، فالإيرانيون اعتادوا على العيش في الظل، وتحت القصف السياسي والمعنوي منذ سنوات.
اليوم، وبينما كان شقيقي في مكتبه بمنطقة “سهروردي” في شمال وسط طهران، تعرضت أربعة مواقع للقصف، بعضها لا يبعد سوى مئات الأمتار عنه. ورغم ذلك، قرر أن يبقى في طهران هذه الليلة، كما فعل جميع أبناء عمومتي الذين كانوا يخططون لمغادرة العاصمة. طريق الخروج من طهران نحو الشمال مزدحم تمامًا، السيارات متوقفة، والقلق يحكم المشهد.
الجميع يريد أن يهرب، لكن الهروب نفسه صار معركة. البنزين هو أول العوائق. قد تنتظر أربع ساعات لتحصل على ثلاثين لترًا فقط، إن كنت محظوظًا. والد زوجتي، الذي قضى ثلاث ساعات في الطابور، تمكن من الحصول على خمسة وعشرين لترًا فقط، سمحت له بالوصول من طهران إلى أصفهان.
الوضع يزداد سوءًا. منذ أيام قليلة، حذّرت والديّ من احتمال تعرض النظام المصرفي لهجوم سيبراني. نصحتهما بسحب ما يمكن من النقود. ذهب والدي إلى أحد البنوك حيث يعمل صديق له، وتمكن فقط من سحب خمسة ملايين تومان – ما يعادل خمسين دولارًا تقريبًا – وفقط بسبب علاقته الشخصية بموظف البنك. أما عامة الناس، فربما لا يحصلون على شيء.
وضع المواد الغذائية أسوأ. من بين ثلاثة محلات بقالة قريبة من بيت شقيقي، اثنان منها مغلقان، والثالث شبه فارغ. والديّ في الشمال أكدوا أن الوضع لا يختلف هناك. طلبت منهم شراء أي شيء متوفر، لأن سلسلة الإمداد في البلاد انهارت بالكامل. لا شاحنات، لا وقود، لا نقل. وإضراب سائقي الشاحنات فاقم الوضع حتى قبل هذه الأزمة.
أشعر أحيانًا أنني أبالغ، لكني لا أستطيع أن أتخيل كيف يمكن للبلاد أن تستمر بهذا الشكل لأكثر من أسبوع.
هل هذه هي الخطة الإسرائيلية؟ لا أعلم. لكن الحقيقة أننا شعب بلا سلطة، نواجه نظامًا قاسيًا من الداخل، وهجمات عنيفة من الخارج. نشاهد انهيار حياتنا – ببطء تحت النظام، أو بسرعة تحت الضربات.
الحالة النفسية مختلطة. هناك من يشعر بالفرح لانهيار الحرس الثوري ومقتل قياداته، وهناك من يشعر بالرعب، وهناك من هو في حالة صدمة. أما نحن، فنعيش القلق والخوف على من نحب. وكل ما نملكه هو الأمل.
المرأة، الحياة، الحرية.
لمن قرر البقاء في طهران: ماذا بعد؟
حتى هذه اللحظة، لم تُطلق صفارات إنذار واحدة للمدنيين. لم تُصدر أي جهة تعليمات لحماية الناس، سوى أمر واحد: لا تلتقطوا صورًا. لا توجد ملاجئ، لا خدمات طوارئ، لا مأوى.
بعض السكان بدأوا يبيتون في محطات المترو، رغم غياب الحمّامات والخدمات الأساسية.
قبل قليل، علمت أن بعض أصدقائنا ممن حاولوا مغادرة طهران نحو الشمال اضطروا للعودة بعد ساعات من الوقوف في الزحام، خوفًا من نفاد الوقود. شيئًا فشيئًا، بدأت مشاعر اليأس والفوضى تحلّ مكان نشوة اللحظات الأولى بعد مقتل قادة الحرس الثوري.
إيران، كما نعرفها، تنهار أمام أعيننا.