على غرار فرنسا.. السويد تطلق تحقيقاً حكومياً حول تغلغل “تنظيم الاخوان” في البلاد

د. علي الجابري
أطلقت الحكومة السويدية تحقيقاً رسمياً حول اختراق تنظيم الاخوان المسلمين للبلاد وتغلغله ونشاطاته داخل المؤسسات الرسمية والخاصة، على غرار التقرير الفرنسي الذي أعدته وزارة الداخلية الفرنسية، ونشر في 21 مايو 2025 الماضي، والذي كشف فيه عن محاولات تنظيم الاخوان المسلمين التغلغل في مؤسسات الدولة والمجتمع في فرنسا ودول اوروبية اخرى، من ضمنها مملكة السويد.
وأعلن وزير العمل والاندماج السويدي، ماتس بيرسون، يوم الثلاثاء 3 يونيو 2025، عن تشكيل مجموعة خبراء للتحقيق في مدى اختراق تنظيم الاخوان المسلمين في السويد، مؤكداً أن السويد تواجه تحديات مماثلة لتلك التي تواجهها فرنسا فيما يتعلق بالاندماج ومكافحة الهياكل الاجتماعية الموازية التي تتحدى الديمقراطية الليبرالية.
وقال وزير الاندماج السويدي ان هناك تردد في السويد بشأن الحديث عن هذه القضايا ، ولكن هذا التردد انتهى الآن، ونحن بصدد مواجهة هذه المشكلات بكل حزم، وسنبذل قصارى جهدنا للحد من هذه القوى التي تدفع الى نظام مواز، ويخلق مواقف معادية للسامية.
وينشط تنظيم الاخوان المسلمين في السويد منذ السبعينات حيث اسسوا منظمات مثل الرابطة الاسلامية في السويد (تأسست عام 1995 وهي عضو مؤسس في اتحاد المنظمات الاسلامية في اوروبا) ومجلس المسلمين السويدي (تأسس عام 1990) ومجلس شباب المسلمين السويديين ، كما تمكن التنظيم من اختراق الاحزاب السويدية السياسية ، وخاصة الحزب الاشتراكي الديمقراطي.
وكان التقرير الفرنسي تناول تأثير تنظيم الاخوان المسلمين في السويد (رغم صغر حجمه)، وكيف يؤثر بشكل ملحوظ على هياكل التنظيم داخل اوروبا، وذلك بفضل التمويل القطري المستمر ، والتسامح الكبير في السياسات السويدية متعددة الثقافات.
وأثار التقرير الفرنسي والتحقيق السويدي جدلاً سياسياً في البلاد ، حيث اتهمت الحكومة اليمينية والاحزاب اليمينية المتطرفة ، الحزب الاشتراكي الديمقراطي السويدي بوجود علاقات مع جماعة الاخوان المسلمين ، بينما نفى الحزب الاشتراكي هذه الاتهامات وأكد على سياسة عدم التسامح مع أي ارتباطات مع منظمات متطرفة.
ودعم العديد من الخبراء التحقيق وأبرزهم “ماغنوس راستورب” الذي وصف التحقيق بـ”الخطوة المهمة جداً”، بينما دعت شخصيات سياسية مثل تشارلي وايمرز عضو البرلمان الاوروبي من حزب الديمقراطيين السويديين الى سياسة “صفر تسامح” مع الاخوان المسلمين مع التركيز على تمويل الاتحاد الاوروبي للشبكات الاسلامية، مثل منتدى شباب وطلاب المسلمين الاوروبيين (FEMYSO) واغاثة اسلامية التي تتلقى اموالاً تحت مسمى “المشاريع الاندماجية والشبابية” ووصف هذا التمويل بأنه غير مقبول ويدعو الى رقابة صارمة..
وأعلن “فايمر” انه سيصدر قريباً تقريراً شاملاً يكشف كيف تواصل بروكسل ضخ اموال دافعي الضرائب في شبكات اسلامية، وسيوضح التقرير بالتفصيل كيفية توزيع هذه الاموال، ويقدم حلولاً لقطع التمويل عن الجماعات المرتبطة بالتطرف الناشطة في أوروبا.
خلفية عن التقرير الفرنسي
قدمت وزارة الداخلية الفرنسية تقريراً حكومياً بعنوان “الاخوان المسلمون والاسلام السياسي” في 21 مايو 2025، الى مجلس الدفاع والامن القومي الفرنسي، مكون من 73 صفحة كان مخصصاً لكبار المسؤولين قبل تسريبه لوسائل الاعلام، وكان ابرز ما تضمنه التقرير ما يلي:
- أشار التقرير ان جماعة الاخوان المسلمين تسعى الى تغيير البنية الجمهورية من الداخل، عبر ما يعرف بـ”الاسلام السياسي القانوني” الذي يهدف الى فرض الشريعة الاسلامية تدريجياً من خلال الوسائل السياسية والاجتماعية.
- تركز جماعة الاخوان على اختراق المدارس والمساجد والجمعيات غير الحكومية والانشطة الرياضية والثقافية بهدف التأثير على السياسات المحلية والوطنية ، خاصة فيما يتعلق بالعلمانية والمساواة بين الجنسين.
- كشف التقرير ان جماعة الاخوان المسلمين تتلقى تمويلا من قطر وتستفيد من سياسة التعددية الثقافية في فرنسا، بالاضافة الى علاقة الجماعة مع بعض الاحزاب السياسية الفرنسية.
- كشف التقرير ان حوالي 7% من أماكن العبادة الاسلامية في فرنسا، والبالغ عددها 2800 مكان ترتبط بالجماعة، وفي ايام الجمعة، يشارك اكثر من 91 ألف شخص للصلاة في اماكن العبادة المرتبطة بجماعة الاخوان.
- وفقاً للتقرير، تمتلك مؤسسة “FMF” أكثر من 139 مسجداً في جميع انحاء فرنسا ، بالاضافة الى 68 مسجداً تابعاً لها ، وبالاضافة الى الهياكل الدينية ، تدير المؤسسة حوالي 280 جمعية في مجالات الرياضة والتعليم والاعمال الخيرية وغيرها من القطاعات الاجتماعية وتدير 21 مدرسة ، فضلاً عن ادارة 815 مدرسة قرآنية تربي 66 ألف طفل
- أشار التقرير ان الاسلام المتطرف ينتشر في نحو عشرين مقاطعة فرنسية.
- تناول التقرير المنظمات المرتبطة بالتنظيم وذكر ان جمعية مسلمو فرنسا تمثل الفرع الوطني لجماعة الاخوان، رغم ان الجمعية تنفي علاقاتها بالتنظيم الدولي للاخوان المسلمين – كعادتهم في جميع دول العالم-.
- يذكر التقرير عدة منظمات فرنسية مرتبطة بالاخوان المسلمين، وتشمل مدرسة ابن رشد الثانوية في مدينة ليل ومجموعة مدارس الكندي قرب ليون ومعهدين اوروبيين للعلوم الانسانية يركزان على تعليم اللغة العربية والقرآن الكريم.
- خارج فرنسا ذكر التقرير ان جماعة يطلق عليها “فيميسو” الطلابية ومقرها بوركسل وتنظم حملات ضد الاسلاموفوبيا ترتبط بالتنظيم، وكذلك شبكة مالية تدعى “اوروبا تراست” ومقرها لندن.
- أشار التقرير ان جماعة الاخوان المسلمين لديها نشاط بارز في دول اوروبية اخرى ومنها السويد والمملكة المتحدة وألمانيا والنمسا وهولندا والدنمارك، وهو ما دفع بعض تلك الدول الى إجراء تحقيقات مماثلة حول تأثير الجماعة على مجتمعاتها ومؤسساتها.
وبناءً على ما ورد في التقرير، دعا الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الوزراء الى تقديم مقترحات لمواجهة التهديدات التي اوردها التقرير، مع ضرورة عدم وصم المسلمين بشكل عام ، والتركيز على المنظمات التي تمثل التنظيم المذكور. كما اقترح رئيس حزب النهضة الفرنسي غابرييل تال ، حظر الحجاب للفتيات دون سن الخامسة عشرة في الاماكن العامة ، مما اثار انتقاد اليسار السياسي الذي اعتبر الاقتراح تقارباً مع اجندات اليمين المتطرف في البلاد.
بالمقابل انتقد ممثلون عن الجالية المسلمة التقرير، واعتبروه مبالغاً فيه وانه قد يؤدي الى زيادة الشكوك تجاه المسلمين في فرنسا.
الخطوات المتوقعة من الحكومة السويدية
من المتوقع ان يتضمن التحقيق الذي اطلقته الحكومة السويدية سلسلة من الاجراءات ، بدأتها بتشكيل مجموعة من الخبراء للحصول على تقرير مفصل حول مدى اختراق جماعة الاخوان في السويد لمؤسسات الدولة والمنظمات غير الرسمية والمجتمع المدني، ويمكن ان تنهي المجموعة اعمالها خلال الاشهر المقبلة، ويمكن ان تشمل الخطوات الحكومية ما يلي:
- التركيز على التمويل الاجنبي للمؤسسات الدينية الاسلامية في السويد، خاصة المؤسسات التي تمولها دولة قطر ، والتي عرف عنها ارتباطها بتنظيم الاخوان المسلمين الدولي.
- التعاون مع دول اوروبية اخرى، مثل فرنسا ، التي اطلقت تقريراً سابقاً حول الموضوع، بغية تبادل المعلومات والخبرات في هذا المجال.
- من المتوقع ان تنظر الحكومة السويدية في اتخاذ اجراءات تشريعية إضافية لمكافحة أي محاولات لاختراق مؤسسات الدولة من قبل تنظيم الاخوان المسلمين والتركيز على قيم العلمانية والمساواة بين الجنسين.
- مراجعة سياسات الاندماج الحالية للتأكد من عدم وجود هياكل اجتماعية موازية تتحدى الديمقراطية الليبرالية في السويد.
رد فعل جماعة الاخوان في السويد
حتى الان لم يصدر أي رد فعل من المنظمات والجمعيات والمراكز “الاسلامية” المحسوبة على تنظيم الاخوان المسلمين في السويد، بشأن قرار الحكومة السويدية ، اطلاق تحقيق حول ما وصفته بالاختراق الاسلاموية في البلاد، ولكن من خلال التجارب السابقة يمكن ان نخمن بعض الخطوات التي سوف يتخذها التنظيم قريباً ومنها:
- من المتوقع ان تنفي الجهات المعنية وجود أي ارتباط تنظيمي لها مع جماعة الاخوان المسلمين ، كما حدث في نفي “جمعية مسلمو فرنسا” وجود أي علاقة لها مع الجماعة، رغم ان الحكومة الفرنسية تعلم بما لا يقبل الشك انها الفرع الوطني لجماعة الاخوان في فرنسا. الامر نفسه حدث في السابق عندما نفت “الرابطة الاسلامية في السويد” وجود ارتباط تنظيمي لها مع جماعة الاخوان في اكثر من مناسبة.
- سوف تلجأ هذه المنظمات والمراكز الى الادعاء بأنها تمثل المسلمين في السويد ، وانها الممثل الشرعي لهم. وهو امر اتبعته في مواقف سابقة حيث كانت تحاول ان تقود الحكومات السويدية المتعاقبة انها الجهة الاكثر تأثيراً وتمثيلاً للجالية المسلمة في البلاد، وهو امر استغلته بعض الاحزاب السياسية السويدية بشكل انتهازي للاستفادة من تأثير الجماعة لدعمها انتخابياً، وانخرط العديد من قيادات تنظيم الاخوان في اكثر من حزب سياسي بارز في السويد، وبعضهم تمكن من الوصول الى مناصب قيادية في تلك الاحزاب.
- من المتوقع ان تركز هذه الجماعات على مصطلح “الاسلاموفوبيا” للرد على الاتهامات الموجهة لها، وادعاء ان هذه المواقف ما هي الا جزء من سياق مناهض للأسلام والمسلمين. وسوف تلعب دور المدافع عن حقوق المسلمين في البلاد لغرض تشويش الصورة، وكسب المؤيدين.
- سوف تلجأ الجماعات المعنية الى الدعوة الى الحوار مع الحكومة واستخدام الاعلام لأيصال رسائلها السياسية ، وتعرب عن استعدادها لتبديد المخاوف من عملها، وترتدي ثوب الوطنية والحرص على السويد وقوانينها وثوابتها الديمقراطية، بشكل مخالف لخطابها الباطني غير المعلن.