د. بندر عباس اللامي: قانون تحرير العراق من إيران؟ ام أداة تفاوض أم بداية تحوّل استراتيجي؟

أثار مشروع “قانون تحرير العراق من إيران” الذي طُرح في الكونغرس الأميركي موجة واسعة من التساؤلات داخل العراق وخارجه. ففي الوقت الذي رحبت به بعض القوى الوطنية العراقية بوصفه فرصة لتحجيم المليشيات المسلحة واستعادة السيادة، شكّك آخرون في نوايا الولايات المتحدة، واعتبروا القانون مجرد ورقة تفاوضية تستخدمها واشنطن في صراعها الأشمل مع طهران. فهل هذا القانون تكتيك تفاوضي أم بوابة لتحول استراتيجي في العلاقة بين العراق والولايات المتحدة؟ هذا المقال يحاول تفكيك أبعاد القانون وقراءة خلفياته بدقة.
خلفية القانون وأهدافه المعلنة
مشروع القانون ينص على تصنيف المليشيات المدعومة من إيران في العراق كـ”منظمات إرهابية وفرض عقوبات اقتصادية وشخصية على قادتها.اضافة إلى دعم مؤسسات الدولة العراقية وتعزيز استقلالية الجيش.وتشكيل لجنة متابعة داخل الكونغرس لضمان تنفيذ القانون.
وبذلك، يبدو القانون على الورق وكأنه مبادرة جدية لتحجيم النفوذ الإيراني في العراق، لكن السياق السياسي يكشف أبعادًا أعمق.
من وجهة نظرنا تم الترويج لمشروع القانون كورقة ضغط تفاوضية فمن زاوية الجغرافيا السياسية، غالبًا ما تلجأ واشنطن إلى سنّ قوانين عقوبات وتدخلات كأدوات ضغط غير مباشر في المفاوضات مع الخصوم، وإيران ليست استثناءً.
القانون جاء في توقيت حساس تشهد فيه العلاقات الأميركية–الإيرانية تجاذبًا بشأن البرنامج النووي.والعقوبات الاقتصادية.والنفوذ الإيراني في المنطقة.
وهو ما يدفع إلى الاعتقاد بأن القانون يمثل ورقة “ابتزاز تفاوضي” لزيادة كلفة تعنّت طهران في الملفات الإقليمية، لا سيما في العراق الذي يُعد أحد أكبر ساحات نفوذها.
هذا القانون ربما هو بمثابة إعادة للتموضع الأميركي في العراق فبعد انسحابها العسكري الشكلي من العراق عام 2011، فقدت واشنطن الكثير من نفوذها الميداني في العراق، بينما ملأت إيران الفراغ بسرعة عبر أذرعها المسلحة.
القانون الجديد يبدو كإطار إستراتيجي مرن يسمح للولايات المتحدة بـالتأثير في الداخل العراقي دون وجود عسكري مباشر.وخلق بيئة قانونية تُجرّم المليشيات وتفتح المجال لدعم بدائل وطنية.ومحاولة لإعادة بناء الثقة مع الحلفاء الإقليميين الذين يرون في إيران تهديدًا دائمًا.
القانون بمثابة رسائل لأطراف متعددة
اهم جهة هي الداخل الأميركي بمعنى ان القانون هو استجابة لمطالب تيارات في الكونغرس تطالب بسياسات أكثر صرامة تجاه إيران.
الجهة الثانية هي الشرق الأوسط فالقانون يمثل رسالة اطمئنان لشركاء واشنطن في الخليج وإسرائيل بأن الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بوقف التمدد الإيراني.
اما الجهة الثالثة وهي الأضعف القانون رسالة إلى الشعب العراقي يوفّر القانون غطاءً قانونيًا وسياسيًا يمكن للقوى الوطنية العراقية استثماره في إعادة بناء الدولة بعيدًا عن سطوة السلاح غير الشرعي.
ويبقى السؤال الأكثر اهمية هل القانون قابل للتنفيذ فعلًا؟
رغم أهمية القانون، إلا أن مسار تنفيذه يعتمد على عدة عوامل منها إرادة الإدارة الأميركية وتوازن أولوياتها.ومآلات المفاوضات مع إيران.وموقف الحكومة العراقية الحالية.اضافة إلى ضغط الرأي العام العراقي والدولي.
بالتالي، القانون ليس ضمانة كافية وحده، بل أداة قابلة للاستخدام أو التجاهل حسب التغيرات السياسية.
ما المطلوب من الوطنيين بالعراق؟
بدلًا من الشك أو الاتكالية، يجب أن تنظر القوى الوطنية العراقية إلى القانون كفرصة تكتيكية وأداة تفاوض مضادة، وذلك عبر:
-استثمار المناخ الدولي لإدانة المليشيات.
-بناء تحالفات ضغط داخل العراق وخارجه.
-المطالبة العلنية بتطبيق القانون وحماية المدنيين.
-التفاعل مع المؤسسات الأميركية والدولية لتنفيذ بنوده على الأرض.
القانون بحد ذاته ليس عصا سحرية، لكنه أداة من أدوات كثيرة يمكن تحويلها إلى مكسب وطني… بشرط أن نحيد استخدامها.
جميع المقالات تعبر عن رأي كتابها ولا تمثل يورو تايمز