آراء

نزار العوصجي: ‏النظريات المتبعة في السياسة الأمريكية

يقال ان السياسة بحر غويط ، و عملية الولوج فيه للوصول الى عمق القرار تحتاج الى درجة عالية من التركيز في استقراء الواقع الميداني على الساحة ، بالأضافة الى التحليل المنطقي المتجرد لمجريات الأحداث ، و الربط فيما بينها ..
في هذا المقال نتناول بأختصار شديد ، فنحلل بتجرد و واقعية طبيعة النظريات التي تنتهجها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في مواجهة الخصوم ، و الوقوف على اساليب تنفيذها و إنعكاساتها على السياسة الأمريكية ..

تتمحور تلك النظريات حول مايلي :

الضغوطات القصوى :
تتمثل في رفع درجة الضغط الأقتصادي او مايسمى بالحصار الأقتصادي الى الدرجات القصوى ، من خلال تشديد و توسيع دائرة العقوبات ، و حرمان النظام من موارده بمختلف اشكالها ، مما يسهم بشكل فاعل في خلخلة المجتمع الداخلي للدول المعنية ، مما يسهم في أنتاج نظرية الانفجار الشعبي في الداخل ، من أجل تحقيق السلام الشامل ..
و هنا لابد من التذكير بنظرية ريغان متعددة الأهداف ، و التي كان عنوانها الاول استخدام العقوبات الاقتصادية أو الضغط الاقتصادي ، و قد تم استخدام هذه النظرية في تفكيك الاتحاد السوفيتي ..

العزلة الدولية :
هي عقوبة يطبقها المجتمع الدولي أو مجموعة كبيرة من البلدان (( مثل الأمم المتحدة )) تجاه دولة واحدة أو حكومة أو مجموعة من الأشخاص ..
كما انها سياسة أو مبدأ يهدف إلى عزل الدولة عن شؤون الدول الأخرى من خلال رفض الدخول في تحالفات و التزامات اقتصادية مع دول العالم ، و عقد اتفاقيات دولية ، و محاولة جعل اقتصاد الدولة مقنن بالكامل الى اقصى حد ممكن ، و السعي إلى تكريس كامل جهود الدولة لمصلحتها الخاصة ..
قد يشير المصطلح نفسه أيضاً إلى حالة العزلة التي تجد الدولة نفسها فيها ، بعد أن تجنبها المجتمع الدولي بشكل أحادي أو جمعي للدول الكبرى ..

قطف الرؤوس :
تستند هذه النظرية على مبدء إستهداف الفرد (( الزعيم )) كما حصل لقائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني و معه أبو مهدي المهندس ، و هي ذات التجربة التي إتبعها الكيان الصهيوني في تطبيق نظرية قطف الرؤوس عند التعامل مع قيادات حزب الله ، من بينهم حسن نصرالله و نائبه صفي الدين و كذلك مع قيادات حركة حماس ، من بينهم اسماعيل هنية و يحيى السنوار ، و تستند هذه النظرية على تشخيص الرموز و الوكلاء ، و تقوم على مبدء أستهداف الزعيم الفرد وليس المؤسسات ، و بالتالي فان قتل أو اغتيال الزعيم يمكن ان يفتح المجال أمام انهيار المنظومة ، فينتج عنها الأنشقاق و الخيانة و التمرد تمهيداً للأنهيار التام ..

تجفيف المنابع :
تعتمد هذه النظرية على قطع خطوط الامداد و تجفيف منابع الموارد الداعمة للبنى التحتية و تدمير العناصر الهيكلية المترابطة التي توفر إطار عمل داعم ، مثل المكاتب الأقتصادية و الشبكات الكهربائية و الاتصالات عن بعد ، و ما إلى ذلك ، باعتبارها الحلقات المترابطة الأساسية و المادية للأنظمة ، التي توفر الخدمات الضرورية اللازمة لتمكين أو استدامة أو تحسين ظروف الأستمرار ، بما في ذلك المباني و المنشآت الدائمة اللازمة لدعم القوات العسكرية و إعادة انتشارها و تشغيلها ..
و لتبسيط الأمر فإن البنية التحتية تعني أي شيئ يلزم للحياة اليومية ، أي كل شيئ يستخدم بشكل يومي ، لما للبنية التحتية من دور هام في عملية الأستمرار ..

سلام القوة :
هذا المبدأ المستجد لدى صقور إدارة الرئيس ترمب ذو مسارين ، الأول قطع الأذرع الساندة و تقليم المخالب ، يقابله مبدأ توجيه ضربات سريعة و قوية لخصم ضعيف منهك ، لتفادي الدخول في حرب تقليدية طويلة الأمد ، و عدم التورط في الولوج الى مستنقعات عسكرية و أمنية ، بعد ذلك حصد النتائج السياسية الناتجة عنه ، و هذا المبدأ يتم طرحه للحفاظ على هيبة القوة الأميركية ..
و من الناحية العملية فقد حققت هذه النظرية المصالح المرجوة ، لذا ذهب الغرب ليصحح مساره نحو الإستقرار حتى وصلوا الى قناعة للحل ، باعتماد مبدء (( القوة تصنع السلام )) ..

البديل الجاهز :
من الخطأ ان نتصور بان أدارة ترامب تبذل جهداً في إعداد البديل ، الذي يتولي مسؤولية أدارة الدول بعد التغيير ، بل هو العكس تماماً ، فالأدارة الأمريكية تبحث (( عندما تقتضي الحاجة )) عن البديل الجاهز ، و نعني بذلك البديل الذي يمتلك ثقلاً حقيقياً على أرض الواقع ، لطرحه على انه أرادة شعبية تلبي تطلعات الجماهير ، و هذا ما يمكن ملاحظته بوضوح في علاقة الأدارة الأمريكية مع منظمة مجاهدي خلق الإيرانية ، رغم كل محاولات نجل شاه إيران في طرح نفسه كبديل لنظام الملالي في طهران ..

من هنا نجد ان هذه النظريات تمثل اولوية في نهج إدارة الرئيس الأمريكي ترمب لمواجهة الخصوم و إظهار مدى قوة أمريكا ، و تحقيق صفقات أقتصادية في الخارج ، لينعكس ذلك ايجاباً على الداخل الأميركي ، و لتحقيق انتصارات خارجية يتم توظيفها في الداخل الأميركي ..

زر الذهاب إلى الأعلى