نزار العوصجي: حتمية الثورة

بما لايقبل الجدل إن للشعوب الحق كل الحق في الثورة عندما تشعر بالظلم و الضيم من الأنظمة الجائرة المستبدة و الغارقة في وحل العنصرية و الطائفية ، و التي تعمد الى نهب الثروات و تسخيرها لخدمة احزابها و تياراتها دون ان تقدم شيئ للمواطن غير الاقوال التي لاتستند الى افعال تذكر ، بذلك تكون الثورة حقاً شرعياً للشعوب ، اذا ما بلغ الانتقاص من الكرامة حداً لا يمكن السكوت عنه ..
و تستكمل الثورة شرعيتها عندما تتم بطرق مدنية متحضرة و بأشكال نضالية سلمية مثل الاضراب و الاحتجاج و المسيرات و المقاطعة و العصيان ..
و لكي يتم المحافظة على قيم الثورة يجب تبنى سياسة متوازنة قائمة على مبدأ احترام كرامة المواطن و السعي لتحقيق المكاسب التي يطمح لها ..
حين يطالع المحللين الاقتصاديين في دول العالم ، واردات بيع النفط العراقي خلال شهر واحد فقط ، يجدون انها قد بلغت اكثر من 8 مليارات دولار امريكي ، عندها يتصور الواهمون منهم ان الشعب العراقي البالغ تعداده اربعون مليون نسمة ، يعيش في بحبوحة و رفاه و رخاء و ترف ، قد يرتقي الى مستوى البذخ في بعض الأحيان ، فيتبادر الى اذهانهم تساؤل مشروع ، كيف هو حال المواطن ، اذا ماتم اضافة موارد الكبريت و الفوسفات و ما يتبعها ، الى جانب الموارد الاخرى ..
حيث تبلغ واردات الضرائب ، و الاموال المستحصلة الحكومية ، و دوائر المرور ، و النقل الجوي و السككي ، و البري و رسوم مرور الطائرات ، و بيع الحنطة ، و المنافذ الكمركية ، و الأمانة و وحدات البلدية ، و بيع المشتقات النفطية ، بمجموعها اكثر من 3.5 مليار دولار شهرياً ، لا تدخل بمجملها خزينة الدولة العراقية ، هذا ما صرح به وزير المالية السابق ..
لا يعلم حساد خيرات العراق ، ان ابناء الشعب الاصلاء لا ينوبهم من تلك المليارات مايكفي ليسدوا به رمقهم ، و لا يعلم الحساد ، ان هنالك عوائل متعففة تبحث عن ما بسد رمقها بين فضلات الطعام الملقى في مكبات النفايات ، كما لا يعلم الحساد ، ان الاولوية لتوزيع تلك الموارد تتأتى بموجب الاوامر التي يتلقاها (( من يسمون انفسهم حكام العراق )) من نظام الولي السفيه ، و التي تقضي بمنح كل ما تحتاجه الميليشات في سوريا ، و عصابات حزب اللات في لبنان ، و مرتزقة الحوثي في اليمن ، و مشاريع صناعة الموت الإيرانية ، كل هذا يأتي تحت شعار نصرة المذهب !!
ذلك ما حفز الاحزاب و الكتل بمن فيها و من معها ، الى ابتكار و ابتداع اساليب شيطانية فنية و متطورة للسرقة و النهب ، دون حسيب او رقيب ..
حين اعلن الشعب ثورته في تشرين ضد العملاء المتحكمين بزمام السلطة ، كان شعاره الوحيد (( نريد وطن )) ، لم يأتي شعارهم هذا من فراغ ، كونهم يدركون اهمية استعادة الوطن ، بعد ان ادركوا بما لايقبل الشك ، ان من يتحكم بمصيره هم ثلة من العملاء و اللصوص ، جل همهم السرقة و الأذعان لتنفيذ ما يصدر اليهم من اوامر و توجيهات خارجية ، ليكسبوا رضى اسيادهم الفرس المجوس ، متجاهلين عن عمد مأسي الشعب ، غير ابهين لمصلحة الوطن ..
ان خيار الثورة و المقاومة أمر حتمي ، يجب ان لا يغيب عن ذهن الثائرين ، فالثورة إرادة شعبية في التغير السياسي و الإجتماعي أو كلهما معاً ، في حين أن المقاومة لاتعني أكثر من الضغط على الحكام و اجبارهم على العودة إلى إحترام القانون ، و إلتزام حدود إختصاصاتهم كما جاء في الدستور ، و هذا يعني أن المقاومة تختفي بإختفاء الاسباب ، بعد ان يتم تخدير عناصرها بوعود واهية ، أما الثورة فهي متجددة بإستمرار و هي عمل إيجابي ، يستند إلى إرادة لاتنشأ فجأة أو تختفي فجأة ، رغم علمنا أن الثورة تواجه بالسلوك العنيف من قبل اعدائها ، الا انها حتمية لأنقاذ الوطن مهما بلغت التضحيات ..
كما قال الشاعر عبدالرحيم محمود :
ســأحمل روحي عـلى راحـتي ..
وألقي بهـا في مهـاوي الـردى
فإمــا حيــاة تســر الصــديق ..
وإمــا ممــات يغيــظ العــدى
ونفس الشـريف لهــا غايتــان ..
ورود المنايـــا ونيـــل المنــى
وما العيش؟ لا عشت إن لم أكن ..
مخوف الجنـاب حـرام الحـمى
جميع المقالات تعبر عن رأي كتابها ولا تمثل يورو تايمز