د فيصل الفهداوي: النبلاء والعملاء.. شتان بين من بنى ومن دمّر العراق!

من يراجع تاريخ العراق قبل الاحتلال الأميركي-البريطاني في عام 2003، يدرك جيداً أن هذا البلد لم يكن يوماً ساحة فوضى أو مسرحاً للدمار كما هو اليوم. كان العراق، رغم الحصار والضغوط، دولة ذات مؤسسات، وهيبة، وقوة مركزية واضحة. قادته – من النبلاء الوطنيين – كانوا يؤمنون بأن العراق أمانة، وبأن الدولة لا تُبنى بالخطابات الجوفاء، بل بالقرار السيادي، والانضباط الإداري، والخدمة العامة النزيهة.
هؤلاء النبلاء، من عسكريين ومدنيين، خططوا، بنوا، وواجهوا الأزمات بإرادة الدولة لا بروح الميليشيا أو منطق الغنيمة. كانت الوزارات تؤدي وظائفها، وكانت الثروات تُدار – وإن بشكل غير مثالي – لكنها كانت تبقى داخل حدود العراق. لم يكن الولاء للخارج، بل للوطن. لم يكن القرار العراقي يُكتب في سفارة أو يُملى من عاصمة بعيدة، بل يُصنع في بغداد.
لكن بعد الاحتلال، تغيّر كل شيء. لم تأتِ الأحزاب التي نُصّبت على الحكم من رحم الشعب، بل جاءت على دبابات الغزاة. تسلل العملاء إلى مفاصل الدولة تحت شعارات الديمقراطية، بينما كانت أجنداتهم تخدم المحتل لا المواطن. هؤلاء ليسوا رجال دولة، بل سماسرة طوائف، وتجار أزمات، ومقاولو خراب.
فمنذ عام 2003، غرق العراق في مستنقع الفساد، وتحوّل الحكم إلى حصص بين قوى تدين بالولاء للخارج أكثر مما تفكر في معاناة الداخل. لم يعد العراق وطناً، بل سوقاً مفتوحاً للنهب، وحلبة صراع لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية. وبدلاً من السيادة، صرنا نعيش تحت ظلال السفارات، وبدلاً من القانون، تُحكم البلاد بمنطق الميليشيا.
الفرق بين النبيل والعميل، أن الأول يموت من أجل كرامة وطنه، والثاني يبيع الوطن من أجل أن يعيش ذليلاً. النبلاء كانوا يبنون العراق رغم الحروب والحصار، والعملاء خربوه رغم الفوائض المالية والدعم الدولي. النبلاء تركوا إرثاً وطنياً، والعملاء يتركون رماد دولة محترقة.
العراق لا يحتاج إلى وجوه جديدة من ذات الطينة، بل إلى عودة قيم النبلاء: الكرامة، الشرف، والكفاءة. يحتاج إلى مشروع وطني حقيقي، لا إلى مقاولات طائفية. وحين يستعيد الشعب صوته وقراره، سيسقط العملاء كما سقط الذين جاؤوا قبلهم، ويبقى العراق، لأنه أقدم من كل خائن، وأقوى من كل عميل.
جميع المقالات تعبر عن رأي كتابها ولا تمثل يورو تايمز