د. محمد القيسي: من هو الناخب العراقي المشارك في الانتخابات والمؤثر فيها؟

عند التمعن في واقع التجربة الانتخابية الجارية في العراق منذ 2003 ، نجد أن هذا التساؤل يواجه تحديات جوهرية تجعل من الانتخابات أداة غير فعالة لتحقيق التغيير المنشود. فالبيئة السياسية المشحونة دائما بالصراع بين الاحزاب والقوى الطائفية المهيمنة كنتاج طبيعي للعملية السياسية المحاصصاتية والتدخلات الايرانية و الفساد المستشري والتلاعب بنتائج الانتخابات كلها عوامل تعيق إمكانية تحقيق تحول حقيقي عبر صناديق الاقتراع.
ومن هذا المنطلق نبحث بمعطيات الرهان الذي يعول على الانتخابات كمسار وحيدٍ للتغيير . ونتحقق من صحة الفرضية القائلة “بإمكانية إحداث تحول جذري في المشهد العراقي من خلالها”.
ولأن نجاح الديمقراطية العالمية تتم من خلال نجاح الانتخابات فيها كقاعدةٍ إساسية أولى لها ، وان سلامة الانتخابات هي دليل نجاحها، وهي الفيصل في توافق شرعية العملية الديمقراطية ومشروعيتها، من جهة . ولأن الناخب هو فرس الرهان في الانتخابات، من جهةٍ ثانية ، فقد ركزنا دراستنا على الناخب في تجربة الانتخابات في العراق، فمن هو الناخب في العراق وكيفية سريان مشاركته العملية في الانتخابات منذ تجربة 2005 ولحد الان؟
يمكن تقسيم جمهور الناخبين العراقيين المشاركين في كل انتخابات على ستة تصنيفات هي : الناخب الشيعي، الناخب السني ، الناخب العشائري، الناخب الكردي، ناخب المكونات الصغيرة ، الناخب الوطني . وسنتناول هنا ببعض التفصيل طبيعة هذه التصنيفات :
اولا . الناخب الشيعي.
يُشكّل الناخب العراقي الشيعي عنصرًا أساسيًا من العملية السياسية في العراق بعد 2003. ويعدّ ركيزة مهمة في المشهد الانتخابي مدفوعًا برغبة تولي الشيعة للحكم ومورث المظلومية التأريخية . لكن هذا الناخب ليس كتلة واحدة ، بل يمكن تقسيمه إلى عدة فئات وفقًا لدوافعه الانتخابية التي تتراوح بين الانتماء الطائفي والسعي لتحقيق مصالح اقتصادية شخصية. فبينما يندفع بعض الناخبين بدافع الانتماء العقائدي ورغبة في الحفاظ على الهيمنة السياسية للطائفة، يضع آخرون اعتباراتهم المعيشية في المقدمة حيث تؤثر الامتيازات المالية وفرص التوظيف والمساعدات الحكومية على قراراتهم الانتخابية. هذا التنوع في دوافع الناخب الشيعي يعكس تعقيدات المشهد السياسي . يمكن تقسيمه إلى عدة فئات وفقًا لدوافعه.واذا ما تابعنا طبيعة حال الناخب العراقي الشيعي وهو بين المصالح المالية والانتماء الطائفي. فيمكن تقسيمه على الانماط التالية:
1- الناخب المؤمن طائفيًا بالتشيع
هذه الفئة دافعها الانتخابي نابع من رؤية مذهبية ترى ضرورة أن يبقى الحكم بيد الأحزاب الشيعية لضمان حقوق الطائفة في زعامة الدولة والجتمع . اذ ان هذا الناخب يعتقد أن السلطة السياسية يجب أن تكون بأيدي الشيعة لضمان هيمنتهم ويؤمن بأن أي بديل غير شيعي قد يكون تهديدًا له او هكذا اقنعتهم الاحزاب الشيعية و المرجعيات .
2- المؤمن بنظرية ولاية الفقيه
هو الناخب الذي يرتبط بإيران أيديولوجيًا، أو يدعم الأحزاب التي تؤمن بتبعية القرار الشيعي للمرجعية الدينية في ايران. يرى هذا التيار أن القيادة الشرعية يجب أن تكون بيد ولي الفقيه ما يجعله يميل إلى دعم القوى السياسية المرتبطة بهذه العقيدة سواء بدافع الولاء الديني أو القناعة بأن هذا النهج يحقق مصلحة الطائفة
3- الناخب الشيعي المنتفع من النظام.
تشكل هذه الفئة جزءًا أساسيًا من القاعدة الانتخابية للأحزاب الشيعية المتنفذة، حيث ترتبط مصالحها المباشرة بالامتيازات التي وفرها النظام السياسي بعد 2003. وتضم هذه الفئة عدة شرائح:
أ – الرفحاويون: وهم الذين حصلوا على تعويضات وامتيازات مالية بموجب قانون خاص لمن تواجد في في مخيم رفحاء في السعودية بعد نهاية حرب الكويت ، يشكّلون قاعدة انتخابية ثابتة، حيث يحرصون على التصويت للتكتلات التي يترأسها نوري المالكي وحزبه، بعدما تم ربط استمرار امتيازاتهم بالدعم الانتخابي لهذه القوى.
ب – عناصر الدمج: وهم الأفراد الذين تم إدماجهم في مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية بعد 2003 من منتسبي الأحزاب الطائفية والميليشيات. يشغلون مواقع في الجيش، الشرطة والأجهزة الأمنية، ويعتبرون جزءًا من النظام الذي يدينون له بالولاء، مستفيدين من الفساد الإداري عبر الرشى والتعيينات غير المستحقة والعقود المشبوهة.
ج – أصحاب الخدمة الجهادية: تشمل هذه الفئة الذين حصلوا على رواتب تقاعدية وامتيازات مالية بسبب انخراطهم في الحركات المسلحة المدعومة من إيران ضد النظام السابق أو كونهم من الهاربين إلى إيران قبل 2003. وهم من أشد داعمي الأحزاب التي شرّعت هذه الامتيازات، لضمان استمرار مكاسبهم.
د- المُعيّنون في الوظائف الحكومية، خدمة للاحزاب السياسي: مع سيطرة الشيعية على مفاصل الدولة وادارتها فإن هذه الفئة تمثل نسبة كبيرة ممن لديهم وظائف في القطاع العام ويخشون من أي تغيير قد يؤثر على مكتسباتهم. وتقدم هذه الفئة اؤلئك الموظفون المعينون من قبل الاحزاب الشيعية في المناصب العليا في مختلف الدوائر الحكومية والذين يستغلون وظائفهم للمكاسب الشخصية وكذلك تحقيق ايرادات لتموال تلك الاحزاب بالتسيق مع مايسمى باللجان الاقتصادية للاحزاب المتنفذة. وذلك من خلال الرشاوي والاستحواذ على عقود الدولة هذه الفئات ترى في استمرار الوضع الراهن ضمانًا لمصالحها الشخصية، ولبقاء سطوة احزابها وكتلها. لذلك تصوت – بشكل محسوم – للاحزاب والتكتلات المتنفذة التي قدمت لهم هذه الوظائف والامتيازات .
ه – منتسبو الاحزاب الاسلامية الشيعية وعوائلهم واقربائهم: وهم منتمون إلى الأحزاب الدينية المتنفذة، ويتمتعون بامتيازات وفرص اقتصادية خاصة، مما يدفعهم إلى التصويت لصالح أحزابهم لضمان استمرار نفوذها.
و – متنسبو الحشد الشعبي والفصائل المسلحة : الذي يتجاوز عددهم اكثر من 275 الف فرد مابين عسكري و موظف مدني وطبيعة الحال يتبعهم عوائلهم واقربائهم يشكلون قاعدة انتخابية مهمة للقوى السياسية التي أنشات الحشد الشعبي ، باعتبار ان استمرار هذه الفصائل وما يتحقق لها من نفوذ وامتيازات يرتبط ببقاء هذه القوى في الحكم.
ثانياً – الناخب السني.
يتمثل الناخب السني عمومًا في أولئك الذين يؤمنون بضرورة الحضور السياسي الطائفي معتبرين ان المكون السني تراجع بشكل كبير بعد 2003 مما يستوجب وجود قوة سياسية سنية تحمي مصالحهم من التهميش وينقسم هؤلاء الى الفئات التالية :
2- المؤمنون بالمشروع السياسي السني: وهم الذين يرون ضرورة تشكيل كيان سياسي أو عدة كيانات سنية قادرة على منافسة القوى الشيعية سواء عبر تحالفات سنية قوية أو من خلال الانخراط الفعّال في العملية السياسية. يهدف هؤلاء إلى ضمان حصة المكون السني في المناصب الحكومية والعقود والمقاولات إضافةً إلى المشاركة في إدارة مؤسسات واجهزة الدولة.
2- الرافضون لهيمنة الاحزاب الشيعية: وهم الناخبون الذين يعارضون سيطرة القوى الشيعية على الحكم ويعتبرون أن أي مشاركة سياسية سنية يجب أن تكون وسيلة لتعديل ميزان القوى داخل النظام السياسي العراقي، سعياً لضمان نفوذ أكبر للسنة في الحكم و مؤسسات الدولة.
3- الناخب السني المنتفع: وهو نظير الناخب الشيعي المتنفع مادياً أو معنوياً، طبقا لتوزيع المناصب والوظائف للمكون السني بالتفاصيل ذاتها التي تخص الناخب الشيعي المنتفع. وهؤلاء موظفون في الدولة يشغلون وظائف مختلفة المستويات وخصوصا العليا منها وفقا للمحاصصة. وهؤلاء يخشون من أي تغييرٍ قد يؤثر على مكتسباتهم. كما أنهم مثل نظرائهم الشيعة يستغلون وظائفهم للمكاسب الشخصية ويدعمون الأحزاب والتكتلات السنية التي تؤمن استمرار إمتيازاتهم وتحقق تمويل لنشاطهم السياسي من خلال الفساد الإداري و الرشاوي والاستحواذ على المقاولات وعقود الدولة ومن خلال المكاتب الاقتصادية للأحزاب السياسية .
هذه الفئات تمثل القاعدة الانتخابية الأساسية للأحزاب السنية، حيث ترتبط مشاركتهم في الانتخابات بمدى قدرتهم على تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية ضمن النظام القائم ، ويجدر الاشارة الى ان غالبية التكتلات السنية قيادات ومرشحين وناخبين مستعدون للتعاون مع ايران والاحزاب المرتبطة بها و مليشياتها والقبول بكل توجهاتها وأفعالها والرضوخ لاجندتها وهيمنتها على العراق ويقدمون لها اي تسهيلات ممكنة مقابل ضمان حصولهم على التمثيل البرلماني والمناصب والمكاسب .
ثالثا – الناخب العشائري في العراق
يُشكّل الناخب العشائري الفئة الرئيسية الثالثة في المشهد الانتخابي العراقي ، وهذه الفئة لا تحدد خيارها الانتخابي بناءً على البرامج السياسية أو الأداء الحكومي بل وفقًا لتوجيهات شيوخ العشائر الذين غالبيتهم مرتبطين بالأحزاب الحاكمة او يتخادمون معها عبر المال والنفوذ ويتقربونها لها وللمسؤولين المتنفذين وحتى للميلشيات وقادتها بغض النظر للانتماء الطائفي إذ أن الهدف الأساسي لديهم هو تحقيق مكاسب مادية ونفوذ ومناصب حكومية لتلك العشائر وعلى رأسها شيوخهم ومن ثم واتباعهم والمقربين منهم .
دور العشيرة في تشكيل توجهات الناخب العشائري.
لا تزال العشيرة تلعب دورًا محوريًا في المجتمع العراقي وتعمق نفوذها في العراق بعد 2003 نتيجة لغياب العدالة و الحماية المجتمعية وضعف الدولة ، إذ أدى هذا الواقع إلى ترسيخ الولاء العشائري كأولوية تفوق جميع الانتماءات السياسية بل وتتداخل معه الانتماءات الطائفية. ومع تراجع ثقة المواطنين في الاجهزة الحكومية بسبب الفساد وسوء الإدارة أصبحت الناس تجد في العشيرة مصدرًا للحماية والدعم مما عزز من تأثير الشيوخ على توجهات الناخبين.
تستخدم الأحزاب الحاكمة عدة أساليب لضمان ولاء شيوخ العشائر وتحويلهم إلى أدوات داعمة لها، ومن أبرز هذه الأساليب:
أ – المناصب الحكومية : يتم منح العديد من شيوخ العشائر ادوار سياسية ومناصب حكومية و تعيين أقاربهم وتابعينهم في مختلف مؤسسات الدولة مما جعلهم مدينين للأحزاب التي تمنحهم هذه الامتيازات .
ب – العقود والمشاريع: منح الشيوخ عقودًا ومقاولات حكومية ومشاريع استثمارية مقابل ضمان دعم عشائرهم لمرشحي الأحزاب الحاكمة .
ج – الهبات والمساعدات المالية: تقدم الأحزاب الحاكمة أموال مباشرة أو دعم مالي غير رسمي لشيوخ العشائر لضمان التزامهم توجيه ناخبيهم لصالحها.
تُعد سيطرة شيوخ العشائر على قرارات الناخبين أحد العوامل التي تُعطّل مبدأ الديمقراطية القائم على الاختيار الحر، إذ يصوّت الناخب العشائري بناءً على توجيهات زعيمه وليس وفقًا للكفاءة أو البرامج الانتخابية. ومن أبرز آثار هذا الواقع:
1- إستمرار إعادة انتخاب القوى المتنفذة ذاتها التي تستفيد من الفساد والمحاصصة، مما يُعيق أي تغيير حقيقي في المشهد السياسي.
2- منح الأحزاب الحاكمة ميزة غير عادلة، حيث يمكن للشيخ توجيه مئات أو حتى آلاف الأصوات لصالح مرشح معين، مما يقلل من فرص المستقلين والإصلاحيين.
3- ترسيخ منظومة الفساد عبر استغلال الشيوخ لشراء الأصوات بدلاً من التنافس الحر على أسس عادلة.
وطبقا لهذا التخادم مابين الاحزاب الحاكمة والمتنفذة وشيوخ العشائر فإن ذلك يؤدي إلى إعادة انتخاب القوى ذاتها التي تسيطر على المشهد السياسي في العراق وبالتالي استمرار منظومة الفساد والمحاصصة بالتحكم بالعراق ويعطل فرصة الناخبين من اختيار ممثليهم بناءً على الكفاءة والبرامج و يعيق أي تغيير حقيقي.
رابعًا – الناخب الكردي
يُشكّل الناخب الكردي فئة قائمة بذاتها داخل المشهد الانتخابي العراقي حيث يتميز بتمسكه العميق بهويته القومية بغض النظر عن التوجهات السياسية أو المناطقية. هذا الناخب يصوت حصريًا للمرشحين الأكراد دون النظر إلى البرامج السياسية أو الأداء الحكومي إذ يرى أن ضمان التمثيل الكردي في السلطة هو الأولوية القصوى بغض النظر عن الظروف السياسية العامة في العراق.
خامسًا : ناخب المكونات الصغيرة
تشمل هذه الفئة الناخبين من المكونات الدينية والقومية الأقل عددًا مثل المسيحيين، التركمان، الإيزيديين والشبك. وكما هو الحال مع الناخب الكردي فإن هذه الفئة تصوت فقط للمرشحين الذين ينتمون إلى مكونها بغض النظر عن البرامج السياسية أو الاتجاهات الحزبية العامة. الهدف الأساسي لهؤلاء الناخبين هو ضمان تمثيل مكونهم في السلطة، مما يُتيح لهم الحصول على حصص من المناصب والوظائف بصرف النظر عن السياسات العامة للدولة أو توجهاتها المستقبلية.
سادسًا – الناخب الوطني: الغائب عن المشهد الانتخابي
الناخب الوطني هو المواطن الذي لا يصوّت بناءً على الطائفة أو العشيرة أو المصالح الشخصية بل يبحث عن المرشح أو الحزب الذي يملك برنامجًا حقيقيًا للإصلاح والتغيير. هذا الناخب من مختلف الانتماءات المعروفة في العراق ، لكنه يقدم الانتماء الوطني على أي هوية فرعية ، و يرفض الفساد والمحاصصة ويسعى الى بناء دولة مدنية حقيقية تقوم على المواطنة وانهاء المحاصصة والتقسيمات الطائفية و العشائرية والمناطقية . ومن خلال المتابعة الميدانية لدور الناخب الوطني تم تاشير التالي:-
أ – إحجام الناخب الوطني:
تعد هذه الظاهرة أحد أسباب تراجع المشاركة الانتخابية لعموم الشعب العراقي . ففي ظل الدور الفاعل للتقسيمات التي ذكرناها أنفا والتي تسيطر على المشهد السياسي يتراجع تأثير الناخب الوطني بشكل واضح ، حيث تدفعه الى لاحجام عن المشاركة بالانتخابات فساهم ذلك في انخفاض نسب المشاركة العامة في الانتخابات. فبين الناخب الطائفي والناخب العشائري والمستفيدين او المنتفعين ماليًا من النظام يتوارى الناخب الذي يحمل رؤية وطنية ناصعة ، نتيجة عوامل متعددة أبرزها التهديد والتغييب والإحباط من العملية السياسية برمتها.
ب – مسببات غياب الناخب الوطني.
هناك عدة عوامل دفعت الناخب الوطني إلى الابتعاد عن صناديق الاقتراع، أبرزها:
(1) فقدان الأمل في التغيير: يرى الكثير من الناخبين الوطنيين أن أصواتهم لن تحدث فرقًا إذ تهيمن القوى السياسية التقليدية على الانتخابات عبر المال السياسي الفساد والتزوير ما يضمن بقاءها في الحكم.
(2) التهديد والتغييب القسري: تعرض الناشطون والمستقلون الذين حاولوا دخول المعترك السياسي إلى التهديد والاغتيال مما جعل الناخبين الوطنيين يخشون المشاركة سواء كمرشحين أو ناخبين داعمين للتغيير. وإضافة إلى ذلك تتحكم الأحزاب المتنفذة في مفوضية الانتخابات، التي تُشكَّل وفق نظام المحاصصة،مما يجعل أي انتخابات تجري في ظل هذا النظام غير عادلة منذ البداية.
(3) الإحباط من التجارب السابقة: كثير من الناخبين الذين صوتوا في السابق لقوى رفعت شعارات وطنية (مثل بعض المستقلين أو القوى الإصلاحية) لم يلمسوا أي تغيير حقيقي، مما زاد من شعورهم باليأس والعزوف عن الانتخابات.
(4) المعوقات القانونية والتزوير : اوجدت الاحزاب الطائفية الحاكمة قانون انتخابي غير عادل تتحكم به بما يحقق لها فرص اعادة انتخابها ومفوضية انتخابات مؤلفة على أساس المحاصصة الطائفية والعرقيةومسؤوليها ترشحهم الاحزاب الطائفية الحاكمة حسب ثقلها الذي حددته العملية السياسية حيث تكون وبشكل دائم الكتلة ” الشيعية ” هي المهيمنة ثم الاكراد و الكتلة السنية وهذا باقرار السلطة القضائية ، وكذلك ادارة الانتخابات تشوبها عمليات التزوير المختلفة والمقننة عبر وسائل مبتكرة تشترك فيها جميع الاطراف .
ج – غياب الناخب الوطني في الأرقام
تشير نسبة المشاركة الفعلية في الانتخابات الأخيرة، التي لم تتجاوز 15% من عدد الناخبين المؤهلين إلى حجم أزمة الثقة في العملية السياسية. هذه النسبة المتدنية تؤكد أن الأغلبية الصامتة والتي تشمل الناخبين الوطنيين اختارت العزوف عن التصويت لعدم رغبتها في منح الشرعية لنظام سياسي تراه غير قابل للإصلاح.
سابعاً: مالحل ؟!
وبعد هذا السرد الموجز عن واقع انتخابات العملية السياسية وملابساتها يبرر السؤال الأهم هنا وهو؛ هل يمكن التغيير في العراق عبر الانتخابات ؟
وفق الواقع الذي استعرضناه ، لا يمكن حصول تغيير جوهري في العراق عبر هذه الانتخابات ، بدون وجود الناخب الوطني، والذي لن يكون له دور مؤثراً حقيقياً في التغيير دون توفير بيئة إنتخابية آمنة تحمي المرشحين الوطنيين والناخبين من التهديدات والاغتيالات. وتوفير هذه البيئة أكيد لا تتحقق إلا بعتديل قواعد اللعبة السياسية القائمة في العراقي منذ 2003 . وبضرورة إعتماد قواعد معتمده في تجارب دولية ديمقراطية ناجحة ، كتشريع قانون للاحزاب السياسية، وأقرار قانون إنتخابي عادل لا تتحكم به الأحزاب السياسية المتنفذة. وضرورة تجاوز ظاهرة للمحاصصة الطائفية والتوافقية المصلحية، واعادة النظر ببعض التشريعات التي سبب خللاً في الوحدة الوطنية للشعب ومنها التي تضمن حيادية القضاء . وإضافة لذلك كله لأبد من تفكيك هيمنة القوى المتسلطة التي تمتلك الميليشيات والمال السياسي وتتحكم بمفاصل الدولة ومؤسساتها الأمنية فالأموال الطائلة التي نهبها أقطاب النظام الحالي، تمكّنهم من شراء القضاء وإقرار القوانين التي تخدمهم وشراء الأصوات وإعادة إنتخاب أنفسهم وأبنائهم وأقاربهم أو الموالين عليهم بدوافعٍ مصلحيةٍ نفعيةٍ. لكي لا تكون كالانتخابات السابقة التي كانت انتخابات محسومة النتائج مسبقًا. وهذا كله لا يتحقق إلا عبر تغيير جوهري في طبيعة العملية السياسية القائمة في العراق منذ 2003 ولحد الان.