آراء

د. عبدالرزاق محمد الدليمي: هل تنجح القوة الناعمة الامريكية في فك طلاسم ملالي طهران؟

يشهد العالم تحركات امريكية مدعومة اوربيا لايجاد خارطة طريق لانهاء الحرب الروسية الاوكرانية  وهناك تحركات دبلوماسية عالية المستوى ومكثفة تشهدها المنطقة ايضا رافقت جولات التفاوض بين الجانبين الأمريكي والإيراني، كذلك الزيارة المفاجئة لرئيس وزراء حكومة الاحتلال في العراق محمد شياع السوداني، ولقاؤه بالرئيس السوري أحمد الشرع، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد وتسلم علي الخامنئي رسالة حملها وزير الدفاع السعودي، وجولة الرئيس المصري السيسي في دول الخليجالعربي كل هذه الجولات المكوكية والرسائل المتبادلة تحمل في طياتها الكثير، رغم تكتم الأطراف عن فحواها. فنحن على أبواب تغيير جذري في خارطة الشرق_الأوسط، وإن أي غفلة أو عناد أو غباء في قراءة المشهد وخاصة من قبل الأنظمة في إيران و العراق و الحوثي في اليمن بعد أن تستنفد الدبلوماسية حلولها، سيكلف هذه الدولة وتلك الكثير، وما زالت تجربة العراق المريرة قبل ثلاث عقود ونيف شاخصة أمامنا…

ان قراءة متأنية لهذه الجولات المكوكية التي يبدو ان بعضها جاء مفاجئ لمن شارك فيها يدلل على مايلي:

 تكثف التحركات الدبلوماسية: يشير المنشور إلى نشاط دبلوماسي مكثف وعالي المستوى تشهده المنطقة قبيل جولة مفاوضات ثانية بين الولايات المتحدة وإيران في روما. هذا يدل على أهمية هذه الجولة والمحاولات الإقليمية والدولية لتهيئة الظروف المناسبة لها.

 الزيارة المفاجئة لرئيس الوزراء العراقي: زيارة محمد شياع السوداني المفاجئة ولقاؤه بالرئيس السوري أحمد الأسد تحمل دلالات مهمة. قد يكون العراق يلعب دور الوسيط أو يسعى لتهدئة التوترات الإقليمية المرتبطة بالمفاوضات الأمريكية الإيرانية. العلاقة بين العراق وسوريا وإيران تجعل هذا التحرك ذا أهمية خاصة.

رسالة من الملك سلمان إلى المرشد الإيراني: تسليم وزير الدفاع السعودي رسالة من الملك سلمان إلى المرشد الإيراني علي خامنئي يمثل تطورًا لافتًا. هذا الانفتاح في التواصل بين السعودية وإيران، حتى على مستوى رفيع، يشير إلى جهود لخفض التصعيد وبناء قنوات اتصال مباشرة، وقد يكون له تأثير على أجواء المفاوضات الأمريكية الإيرانية. التكتم على فحوى الرسالة يزيد من التكهنات حول مضمونها وأهدافها.

 جولة الرئيس المصري في الخليج: جولة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في دول الخليج تأتي في سياق هذه التحركات المكثفة، مما يوحي بوجود تنسيق إقليمي أوسع حول الملف الإيراني وتأثيره على المنطقة.

 توقعات بتغيير جذري في خارطة الشرق الأوسط وأن المنطقة على أعتاب تغيير جذري، وأن هذه التحركات الدبلوماسية هي مؤشر على ذلك. هذا يشير إلى توقعات بتسويات أو تحولات كبيرة في التحالفات والعلاقات الإقليمية.

لذلك فكل العقلاء يحذرون من الغفلة والعناد خصوصا الأنظمة التي تمارس دور الذيللإيران كالعراق والحوثين في اليمن وعدم تجاهلهم لأهمية الحلول الدبلوماسية، واحتمال أن تسنفذ هذه الحلول وما سيحمله ذلك من تبعات وخيمة لهذه الأطراف.

 البعض يحاول التذكير بتجربة العراق المريرة وهذا يعتبر بحد ذاته تصور وربط غير سليم عند الإشارة إلى تجربة العراق المريرة علما ان احتلال العراق جاء بقرار امريكي بريطاني انفرادي مصمم عليه لم تسبقه اية جهود دبلوماسية دولية بعكس ما يجري الان وكما نشرنا في موضوعات سابقة مؤكدين ان هناك فرق كبير بين حالة العراق وموضوع ملالي طهران لان هؤلاء جاؤا الى الحكم بقطار امريكي بريطاني فرنسي؟؟؟

في ضوء ما اشرنا اليه اعلاه يبدو واضحا ، أن هناك لحظة حرجة ومهمة تمر بها منطقة الشرق الأوسط، تتزامن مع جولة مفاوضات حساسة بين الولايات المتحدة وإيران. التحركات الدبلوماسية المكثفة من قبل قادة إقليميين بارزين تشير إلى محاولات جادة لتأمين الاستقرار وربما التوصل إلى تفاهمات جديدة. هناك تفاؤل حذر بإمكانية حدوث تغييرات جذرية في المنطقة، ولكنه مصحوب بتحذير من مغبة الفشل في استغلال الفرص الدبلوماسية والتعلم من التجارب السابقة. التكتم الشديد حول فحوى الرسائل والمحادثات يترك الباب مفتوحًا للتكهنات حول طبيعة هذه التغييرات المحتملة.

إن التنافس الأمريكي الإيراني ليس على النفوذ، بل هو أيضًا بين رؤيتين متناقضتين للعالم ودور كل منهما فيه. لذلك فأن فهم خلفية العقلية لكلا الطرفين ، حتى لو كانت تبسيطية، يمكن أن يساعد في تحليل ديناميكيات هذا التنافس واستشراف مساراته المستقبلية. مع قدرة الطرفين على تجاوز هذه التصورات المتبادلة والبحث عن حلول دبلوماسية تخدم مصالح شعوب المنطقة وتحقق الاستقرار المنشود.

الأولوية للمحادثات الدبلوماسية بين واشنطن و طهران

واضح أن الرئيس الأمريكي ترامب يريد إعطاء الأولوية للمحادثات الدبلوماسية مع طهران وأنه غير مستعد لدعم ضربة على منشآتها النووية في المدى القصير.وان كل هذه المؤشرات تدل على وجود قنوات اتصال وتنسيق على مستويات عالية بين الولايات المتحدة وإيران، وأن الطرفين يسعيان لإدارة التوترات وتجنب التصعيد الشامل من خلال هذه القنوات الدبلوماسية والتنسيقية وأن هناك اتجاهاً نحو إدارة الأزمات والتوتر بين الولايات المتحدة وإيران عبر قنوات دبلوماسية غير مباشرة يمكن وصفها بـ “الدبلوماسية الناعمة”.

فالمحادثات النووية التي جرت في عُمان وروما، تؤكد إلى سعي الطرفين للحفاظ على قنوات اتصال مفتوحة وتجنب التصعيد المباشر. ووصف الجولة الأولى من المحادثات بأنها “بناءة” يعكس رغبة مشتركة في إيجاد حلول دبلوماسية للملف النووي.بالإضافة إلى ذلك، فإن تصريحات الرئيس الأمريكي ترامب حول تفضيل الدبلوماسية في المدى القصير، والمباحثات بين الولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة بشأن تنسيق الموقف من الملف النووي الإيراني، كلها تدعم فكرة وجود نوع من التنسيق لإدارة الأزمة. رغم ان هناك اختلافات عميقة في وجهات النظر. لذا، يمكن وصف المسعى الحالي بأنه “دبلوماسية ناعمة” تهدف إلى احتواء التوترات وإدارتها ومنع تفاقمها إلى صراع مباشر، مع السعي ربما لإيجاد حلول طويلة الأمد عبر التفاوض.

يبدو أن التوجه الحالي يشير بقوة نحو تفضيل الحوار الطويل المدى كبديل استراتيجي للصراع بين الولايات المتحدة وإيران. فبدلاً من الانزلاق إلى مواجهة عسكرية مباشرة، يبدو أن كلا الطرفين، وإن كانا بتحفظ وحذر، يستكشفان مسارات للحوار المستمر، حتى لو كان ذلك يتم بشكل غير مباشر وفي إطار إدارة الأزمات.

ترجيح الحوار الطويل المدى على الصراع

 تكلفة الصراع الباهظة: أي صراع عسكري مباشر بين الولايات المتحدة وإيران سيحمل تكلفة إنسانية واقتصادية وسياسية هائلة على المنطقة بأسرها، وليس فقط على البلدين. هذا الوعي بالتكلفة يردع الطرفين.

 عدم وجود حل عسكري حاسم: من غير المرجح أن يحقق أي طرف نصراً حاسماً وسريعاً في صراع مباشر. بدلاً من ذلك، من المتوقع أن يتحول إلى حرب استنزاف طويلة الأمد وغير قابلة للسيطرة.

 الأولويات المتغيرة: لدى كلا البلدين أولويات داخلية وإقليمية أخرى تتطلب تركيز الموارد والجهود، مما يجعل الانخراط في حرب شاملة أقل جاذبية.

 الدور المحتمل للدبلوماسية التدريجية: حتى لو لم يتم التوصل إلى اتفاق شامل في المدى القصير، فإن الحوار المستمر يمكن أن يبني تدريجياً جسوراً من الثقة ويقلل من سوء الفهم ويفتح الباب أمام حلول جزئية أو تفاهمات مرحلية.

 الضغط الدولي والإقليمي: هناك ضغط دولي وإقليمي كبير لتجنب أي تصعيد عسكري في منطقة حساسة مثل الشرق الأوسط، وهذا الضغط يدعم خيار الحوار.

تحديات الحوار الطويل المدى:

 بناء الثقة: سنوات من العداء وعدم الثقة تجعل بناء الثقة عملية طويلة ومعقدة.

 القضايا الخلافية العميقة: لا تزال هناك قضايا جوهرية تباعد بين وجهات النظر وتحتاج إلى حلول مبتكرة.

  التدخلات الخارجية: يمكن لأطراف إقليمية ودولية أخرى ذات مصالح مختلفة أن تعرقل مسار الحوار.

 التغيرات السياسية الداخلية: التغيرات في القيادة أو السياسات الداخلية في أي من البلدين يمكن أن تؤثر على استمرارية الحوار.

على الرغم من التحديات، يبدو أن “الحوار الطويل المدى” يمثل الخيار الأكثر عقلانية واستدامة للتعامل بين الولايات المتحدة وإيران. فبدلاً من الخيار المدمر للصراع، يتيح الحوار فرصة لإدارة الخلافات تدريجياً، وبناء تفاهمات على المدى الطويل، وربما في نهاية المطاف، التوصل إلى حلول مستدامة للقضايا العالقة. المسار طويل وشاق، ولكنه يبقى أفضل بكثير من بديل الحرب.علما اننا سبق واكدنا مرارا وتكرارا ضعف احتمالية لجوء امريكا لاستخدام القوة العسكرية ضد ملالي طهران!

جميع المقالات تعبر عن رأي كتابها ولا تمثل يورو تايمز

زر الذهاب إلى الأعلى