قحطان صديق الحمداني: العراق بين العشوائية والتجاذب الخارجي.. مشهد معقَّد ومآلات خطرة

مقدمة: يقف العراق اليوم في قلب مشهد سياسي متداخل، تحكمه العشوائية ويفتقر إلى القرار الوطني المستقل. في الداخل، تتصارع قوى متعددة بلا مشروع جامع، فيما تحيط به تأثيرات إقليمية ودولية تتجاذبه وتُبقيه في حالة من اللاستقرار المزمن. هذه القراءة تحاول تفكيك عناصر المشهد، ورسم ملامح مآلاته، في ظل الهيمنة الأميركية، التغلغل الإسرائيلي، والدور الإيراني المستمر.
أولًا: العشوائية كمنظومة حكم النظام السياسي العراقي لم يُبنَ على رؤية وطنية، بل على محاصصة طائفية وقومية، تشكّلت بفعل توافقات فوقية ورغبات خارجية. العشوائية هنا ليست عَرَضًا طارئًا، بل سِمة تأسيسية تعيق الاستقرار وتعطّل مشروع الدولة.
ثانيًا: مراكز القوى الداخلية
الأحزاب الشيعية: رغم كونها العمود الفقري للنظام، إلا أنها منقسمة إلى تيارات متعددة ذات ولاءات متضاربة، بعضها مرتبط بإيران وبعضها يحاول الانفكاك عنها.
الفصائل المسلحة: تتصرف بوصفها دولة داخل الدولة، ولها أذرع اقتصادية وأمنية، وتؤثر مباشرة في القرار السياسي.
القوى الكردية: تفرض نفسها كشريك فدرالي بندّية، وتمارس سياسات مستقلة في الإقليم، وتتواصل خارجيًا بمعزل عن بغداد.
الأحزاب السنية المرتبطة بإيران: تفتقر إلى قاعدة جماهيرية واسعة، لكنها تُستخدم لضبط التوازن داخل النظام.
قوى الأقليات المرتبطة بإيران أو تركيا: تُوظّف كورقة نفوذ إقليمي حسب الحاجة.
ثالثًا: القوى الخارجية المؤثرة
الولايات المتحدة: تمارس نفوذها عبر أدوات التمويل، الضغط السياسي، ودعم مراكز القرار المؤيدة لها، وتسعى لضمان عدم خروج العراق عن منظومة مصالحها.
إسرائيل: تعتمد في نفوذها على التغلغل غير المباشر من خلال الاقتصاد، التكنولوجيا، الإعلام، وبعض شبكات التأثير السياسي، وتستثمر في ضعف الدولة المركزية.
إيران: رغم أنها ما زالت الأكثر حضورًا ميدانيًا، إلا أن نفوذها يواجه تحديات داخلية وخارجية، ويبدو أنه في حالة تراجع بطيء ومدروس.
رابعًا: المآلات المحتملة
- تثبيت نظام المحاصصة بوصفه واقعًا دائمًا: مما يُبقي الدولة ضعيفة ومفككة.
- توسّع النفوذ الإسرائيلي غير المباشر: خاصة في المناطق الكردية وبعض الأوساط السياسية والاقتصادية.
- تراجع النفوذ الإيراني دون نهايته: بضوابط تفرضها واشنطن وأطراف إقليمية.
- تحوّل العراق إلى ساحة صراع إقليمي ودولي بالوكالة: على غرار النموذج اللبناني، دون انفجار كامل أو استقرار حقيقي.
خامسًا: ما العمل؟
إعادة بناء الهوية الوطنية عبر التعليم والإعلام ومؤسسات الفكر.
دعم مشروع وطني مستقل بعيد عن الاستقطاب الخارجي.
تعزيز الوعي الشعبي لرفض الطائفية والانقسام، وتقديم الدولة على الجماعة.
خاتمة: العراق اليوم بين طريقين: إما التآكل البطيء في ظل استمرار العشوائية والتجاذب الخارجي، أو النهوض الصعب الذي يتطلب مشروعًا وطنيًا شجاعًا، وقيادة تدرك أن القرار الوطني المستقل هو مفتاح النجاة.