آراء

د. عبدالرزاق محمد الدليمي: وهم التغيير الوشيك المنشود في العراق بين تعقيدات داخلية وتحولات دولية

هناك عدة أسباب تجعل عملية “التغيير المزعومة” في العراق، التي كثر الحديث عنها منذ انتخاب ترامب، لم تتحقق بالسرعة أو بالشكل الذي توقعه البعض. هذه الأسباب تتعلق بالتعقيدات الداخلية العراقية، والتحولات في السياسة الأمريكية، والتوازنات الإقليمية والدولية:
تغير الأولويات الأمريكية
إدارة ترامب: على الرغم من أن إدارة ترامب كانت تنتقد بشدة السياسات الأمريكية السابقة في العراق والمنطقة، إلا أن أولوياتها تحولت تدريجياً نحو ملفات أخرى مثل مواجهة إيران النووية، والتركيز على “أمريكا أولاً” في السياسة الخارجية، وتقليل التورط العسكري المباشر في الشرق الأوسط.
الانسحاب الجزئي للقوات الأمريكية: قرار ترامب بسحب جزء من القوات الأمريكية من سوريا والعراق أشار إلى رغبة في تقليل الوجود العسكري، وليس بالضرورة الانخراط العميق في تغيير النظام السياسي في العراق.
ارث إدارة بايدن: جاءت إدارة بايدن بسياسة أكثر تركيزًا على الدبلوماسية والحوار، وإعادة بناء التحالفات، والتعامل مع قضايا مثل المناخ والاقتصاد. على الرغم من استمرار انتقادها للفساد والتأثير الإيراني في العراق، إلا أنها لم تتبنَ أجندة واضحة لتغيير النظام بالقوة أو من خلال تدخل مباشر كبير.التعقيدات الداخلية العراقية:
تعقيدات النظام السياسي القائم: النظام السياسي العراقي بعد 2003 مبني على أساس المحاصصة الطائفية والإثنية، وهو نظام تدافع عنه القوى الداخلية والخارجية سيما الفارسية المستفيدة منه. فتغيير هذا النظام يتطلب إرادة شعبية واعية منظمة مستوعبة للواقع السياسي المعقد الذي أسسه الاحتلال وماخلقته من ظروف قاهره إضافة إلى أن عملية التغيير تؤسس على منظور عراقي وطني حقيقي داخلي قوي وتوافقًا بين مختلف المكونات، وهو أمر يبدو صعب التحقيق سيما في ظل تزايد نفوذ الأحزاب والجماعات المسلحة حيث هناك العديد من الأحزاب والجماعات المسلحة ذات النفوذ القوي في العراق، والتي لديها مصالحها الخاصة وهي ترفض وتقاوم أي تغيير جذري في النظام. وهذه الجماعات مدعومة من قوى إقليمية وتحديدا نظام طهران
ولا ننسى وجود منظومة الفساد المستشري فالفساد يمثل عقبة كبيرة أمام أي عملية إصلاح حقيقية. شبكات الفساد متجذرة بعمق في مؤسسات الدولة وتعيق أي محاولة لتغيير الوضع القائم.
الانقسامات الداخلية: لا يوجد إجماع وطني عراقي واضح على شكل “التغيير المزعوم” المطلوب. هناك رؤى مختلفة بين المكونات السياسية والاجتماعية حول مستقبل البلاد.
الاحتجاجات الشعبية: على الرغم من خروج احتجاجات شعبية واسعة تطالب بالتغيير، ومنها الاحتجاجات الأخيرة هذه الايام خصوصا في المحافظات الجنوبية إلا أنها لم تتمكن حتى الآن من إحداث تحول جذري في النظام السياسي بسبب قمعها وعدم وجود قيادة موحدة لها.

  1. التوازنات الإقليمية والدولية:
    النفوذ الإيراني: لإيران نفوذ كبير في العراق على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية. أي محاولة لتغيير النظام بشكل لا يخدم مصالحها ستواجه مقاومة قوية منها.
    مصالح القوى الإقليمية الأخرى: دول إقليمية أخرى لها مصالح في العراق وتسعى للحفاظ على توازن قوى معين، وقد لا تدعم تغييرًا جذريًا قد يخل بهذا التوازن.
    دور القوى الدولية الأخرى: روسيا والصين ودول أوروبية أخرى لها مصالح في العراق وقد لا تتفق مع رؤية الولايات المتحدة للتغيير.
    صعوبة تحقيق “تغيير” حقيقي:
    ضبابية تعريف “التغيير” الذي لم يكن هناك اتفاق على مفهوم محدد او تعريف واضح لما يعنيه “التغيير المزعوم” الذي كان يُتوقع حدوثه. هل كان المقصود تغيير النظام السياسي بالكامل؟ تغيير الحكومة؟ تقليل النفوذ الإيراني؟ مكافحة الفساد؟ غياب رؤية واضحة جعل من الصعب تحقيق أي هدف محدد.
    اذن التغيير عملية معقدة وفيها جوانب متعددة مثل التغيير السياسي والاجتماعي وهما عمليات معقدة وطويلة الأمد تتطلب إرادة داخلية قوية، وتوافقًا وطنيًا، وظروفًا إقليمية ودولية مواتية.
    على ما نراه فإن تأخر عملية “التغيير المزعومة” في العراق يرجع إلى مزيج من العوامل الداخلية العراقية المعقدة، وتغير الأولويات والسياسات الأمريكية، والتوازنات الإقليمية والدولية، وصعوبة تحقيق تغيير حقيقي في ظل هذه الظروف. الحديث عن تغيير “وشيك” ربما كان ناتجًا عن تطلعات أو تحليلات لم تأخذ بعين الاعتبار عمق التحديات والعقبات التي تواجه أي عملية تغيير جذرية في العراق الذي كبل باحتلال من جهات دولية واقليمية ولكل منها ذيولها وعملائها لعل أبرزهم وضوحا هم عملاء ملالي طهران !!؟؟
زر الذهاب إلى الأعلى