آراء

نزار العوصجي: الجريمة الأمريكية الأبشع

في خضم هيجان الإدارة الأمريكية برئاسة جورج بوش الابن بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 ، أعدت واشنطن العدة بعد غزو أفغانستان واحتلاله في عام 2001 ، وقررت الانتقام من العراق ونفذت عملية غزوه واحتلاله بشكل مباشر من دون موافقة مجلس الأمن ، بل وبمعارضة بعض أقرب حلفائها ..

نستذكر هذه الايام الذكرى ال 22 لغزو العراق ، ذكرى إبشع جرائم القرن ال 21 ، بل يمكن اعتبارها اسوء المجازر الوحشية التي ارتكبتها جيوش الأحتلال الأمريكي الصهيوني ضد الأنسانية ، ألا و هي جريمة غزو العراق و احتلاله ..
فعلى الرغم من زيف الإدعاءات بامتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل التي تشكل خطراً على السلم العالمي ، فهنالك أسباباً أخرى دفعت الأدارة الأمريكية الصهيونية الى غزو العراق ، منها سياسية و اقتصادية و حتى حضارية ، ظلت قيد التناول في وسائل الإعلام العالمية و أروقة السياسة الدولية ، و أصبح بعضها أكثر إقناعاً للمراقبين انطلاقاً من سير الأحداث و ما آلات اليه الحرب و تكشف أسرار تحضيراتها ..
من هنا نؤكد على ان مخطط غزو العراق و إحتلاله لم يكن خطأً كما يروج البعض ، بل انه مخطط بعيد المدى ينطوي على جملة من الاحقاد و الاضغان ، البعض منها تأريخي ، و البعض الاخر انتقامي ، مملوء بالحقد و الكراهية مما آل اليه ، حين اصرت القيادة الوطنية على كسر طوق السيطرة على مقدراته ، و رفض سياسة املاء الارادات الخارجية عليه ، فاصدرت قانون تأميم النفط الخالد ، اضافةً الى قدرتها في التصدي لريح الشر الصفراء و كسر شوكة الفرس في معارك القادسية الثانية ..

إن احتلال العراق كأحد الأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة كان هدفاً مرحلياً في مخطط أكبر رسمته قوى اليمين المحافظ ، يرمي إلى إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط الكبير من أجل ان يكون الكيان الصهيوني عنصراً فاعلاً و قيادياً فيه تركيبه في المرحلة القادمة ..
كما ان استهداف الوطنيين لم يأتي من فراغ ، بل انه جزء من مخطط افراغ العراق من الكفاءات الوطنية التي تنتمي اليه ، لتسهيل عمليات السرقة الممنهجة ، الى جانب تسخير مقدرات الوطن لخدمة دول الجوار و جعله ولاية تابعة لأنظمة رقيعة اقل ما يمكن وصفها ، انها انظمة سفه و الحاد لاتمت بصلة الى دين او مذهب ..

عندما نتحدث عن جريمة غزو العراق و أحتلاله لابد من الاشارة الى ان اولى اوليات المحتل تتمثل في استهداف العقل العراقي الوطني الخلاق ، بالاعتماد على عناصر العصابات المتسلطة ، تلك العقول المبدعة التي تمكنت من أدارة الدولة على مدى ثلاثة عقود و نصف من الزمن رغم كل الصعوبات و العراقيل التي واجهتها ، بما فيها صعوبات الحصار الاقتصادي الجائر الذي فرض على العراق ، بعد ان تمكن الاحرار الاخيار من اعادة اعمار ما دمره الاشرار عام 1991 ، و بعث الحياة من جديد الى كافة المنشأت و المصانع التي استهدفها العدوان الثلاثيني ، لتعود الى العمل من جديد بطاقة قد لا تصل الى الحدود القصوى لكنها كانت بمستوى يلبي الحاجة انذاك ..

لقد تعاملت جميع الدول الاقليمة و الدولية ( بما فيها الدول العربية ) ، مع العراق وفق مبدأ تغليب المصالح الذاتية لها ، على حساب مصالحه الاقتصادية و الامنية و السيادية ، لذا نجد أن المخططات التأمرية التي استهدفت وجود النظام الوطني كثيرة لا حصر لها ، حيث دأب الجميع على العمل لأستنزاف أمكانياته المادية و المعنوية ، و ايجاد السبل الكفيلة لتدمير اقتصاده و زعزعة امنه و استقراره ، جزاء صموده الأسطوري في التصدي لريح الشر الصفراء ، فكان بمثابة السد المنيع بوجه أعداء الوطن و الامة العربية ..

لقد نصت المادة 29 من نظام المحكمة الجنائية الدولية ، على أن الجرائم التي تندرج في اختصاص المحكمة وفقاً للمادة الخامسة من النظام الأساسي ، هي جرائم الإبادة الجماعية و جرائم ضد الأنسانية و جرائم الحرب و جريمة العدوان ، و هي جميعها جرائم لا تخضع لأي تقادم و لا تسقط بمرور الزمن ، و تستلزم محاكمة مرتكبيها و المشاركين فيها و المحرضين عليها ، فلقد صدرت وثائق و أقرارات دولية مؤسسية و فردية ، تؤكد ان ما جرى في عام 2003 هو جريمة عدوان ارتبطت بها مجموعة من إنماط الجرائم ضد الأنسانية ، ارتكبتها قوات العدوان و الاحتلال و من يتبعها من عملاء و مرتزقة ، مستخدمين جملة من الأكاذيب حول ذريعة الحرب على الإرهاب و امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل ، مما يجعله خطراً على السلم العالمي ..

بذلك يتبين لنا هنا أن هناك قراراً استراتيجياً أمريكياً – إسرائيلياً مشتركاً بتدمير العراق وتصحيره وتقسيمه وتفتيته وتحويله إلى دويلات طائفية تسهل عملية السيطرة عليها ، لصالح الحفاظ على التفوق الإستراتيجي الإسرائيلي على المنطقة كلها في نهاية الامر ..
وهكذا تتضح وتتكامل صورة حروب “اسرائيل” و”الموساد” الإسرائيلي في أقذر حرب إسرائيلية تخوضها الدولة الصهيونية على أرض العراق ، تستهدف تصفية وتنظيف العراق من نخب المثقفين والمفكرين والعلماء العراقيين ، في استهداف صريح للدولة العراقية ، وفي محاولة بائسة لإعادة العراق إلى القرون الوسطى او الى العصر الحجري كما يريدون …

زر الذهاب إلى الأعلى