آراء

د. عبدالرزاق محمد الدليمي: العراق أمس واليوم وغداً

العراق، البلد الغني تاريخيًا وثقافيًا، يعيش اليوم مرحلة حساسة ومصيرية ومنذ احتلاله في نيسان 2003 يعيش البلد في آتون الحروب والصراعات الداخلية والخارجية، كما يشهد تحديات كبيرة على كافة الأصعدة: السياسية، الأمنية، الاقتصادية والاجتماعية. وإحدى القضايا الأكثر إثارة للجدل هي الصراعات الطائفية التي شكلت محورًا رئيسيًا في الحياة السياسية والاجتماعية، ما جعل البلد أمام مفترق طرق يحدد مستقبله على المدى البعيد. وكيف أن الطائفية أصبحت تشكل عائقًا أمام استقراره، سيما بعد إصدار سلسلة كبيرة من القوانين الطائفية التي اصبحت تأثيراتها السبية واضحة المعالم جعلت  الشعب يعيش مرحلة حرجة وخطيرة ومعقدة للغاية، حيث يعاني من تحديات كبيرة تتعلق بالاستقرار السياسي والاجتماعي. بسبب التأثيرات الطائفية التي تغلغلت بشكل مخطط ومتعمد في اغلب المجالات، سواء في الحكومة أو في المجتمع، وهذا يعقد إمكانية تحقيق وحدة وطنية حقيقية التحولات في السياسة الداخلية والخارجية للعراق قد تقود إلى المزيد من الانقسامات إذا لم يتم إيجاد حلول شاملة تهدف إلى تعزيز العدالة والمساواة بين جميع فئات المجتمع العراقي، بعيداً عن الطائفية. 

العراق في مفترق الطرق وانتظاره لقوانين طائفية

العراق يقف فعلاً على مفترق طرق، وقد تكون قراراته في الأيام المقبلة حاسمة في تحديد مستقبله. الطائفية تمثل عائقًا كبيرًا أمام التقدم، لكن إذا تم اتخاذ خطوات نحو الوحدة والمساواة، سيكون العراق قادرًا على بناء دولة أكثر استقرارًا وازدهارًا. إن تحقيق التعايش السلمي وإنهاء الانقسامات الطائفية يتطلب إرادة سياسية قوية، ولا سيما من القوى السياسية التي يجب أن تضع المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار.

ويمكن الاشارة الى ابرز ملامح الوضع السلبي السيئ في العراق المحتل:

1. الوضع السياسي الحالي:

العراق اليوم يعاني من حالة من الفراغ السياسي وعدم الاستقرار الحكومي المستمر، حيث تتصارع الأحزاب السياسية التي تمثل الطوائف المختلفة على النفوذ والمقدرات. بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003، ظهرت صورة جديدة من النظام السياسي الذي يعتمد بشكل أساسي على المحاصصة الطائفية. وهذا النظام، رغم كونه قد يحقق تمثيلًا لطوائف معينة، إلا أنه يعزز الانقسامات ويجعل من الصعوبة بمكان بناء دولة مؤسساتية قوية. كما أدى هذا النظام إلى أزمة مستمرة في تشكيل الحكومات، إذ تعتمد كل حكومة على توافقات بين الكتل الطائفية، مما يعوق إصدار قوانين أو مشاريع إصلاح حقيقية. وفي ظل هذه البيئة، يصعب إيجاد حلول فعّالة لمشاكل البلاد العميقة، من فساد وضعف في الخدمات إلى الفقر والنزاعات الأمنية.

2. الطائفية وتأثيراتها على النظام القانوني:

الطائفية في العراق ليست مجرد عامل سياسي بل أصبحت جزءًا من الحياة اليومية، حيث ينعكس هذا الانقسام في جميع جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية، بما في ذلك القوانين. منذ عام 2003، شهد العراق سلسلة من التشريعات التي تميز بين الطوائف والأديان، سواء في قانون الأحوال الشخصية أو قانون الانتخابات أو قوانين أخرى.كما ان إصدار قوانين طائفية هو أحد الاحتمالات التي قد تُطرح في المستقبل، نتيجة للضغط المستمر من قبل الأحزاب السياسية الطائفية التي تسعى لتأكيد نفوذها. هذه القوانين قد تشمل، على سبيل المثال، تقسيم الموارد بين الطوائف بشكل أكثر تحديدًا أو حتى تمييزًا في الحقوق الأساسية كالتوظيف أو التعليم. هناك أيضًا مخاوف من محاولة فرض قوانين دينية بناءً على الانتماءات المذهبية، وهو ما قد يزيد من تعميق الانقسامات ويساهم في تراجع الحريات المدنية.

3. الأمن والتحديات الاجتماعية:

الأمن في العراق لا يزال أحد أبرز التحديات. على الرغم من الانتصار على تنظيم “داعش” في 2017، إلا أن البلاد لا تزال تعاني من انتشار الجماعات المسلحة المرتبطة بالطوائف، التي تؤثر في كل من الاستقرار الداخلي والعلاقات مع الدول المجاورة. في ظل هذا الوضع، تكون المجتمعات المحلية مستعدة أكثر لتبني قوانين طائفية باعتبارها وسيلة لحماية أنفسهم من النفوذ الخارجي أو المجموعات التي تعتبرها تهديدًا.

4. الاثر السلبي للطائفية على الاقتصاد:

الاقتصاد العراقي يعاني من فساد هائل وعدم كفاءة في إدارة الموارد الطبيعية، خصوصًا النفط. المحاصصة الطائفية تؤدي إلى توزيع غير عادل للثروات، مما يجعل بعض المناطق أكثر فقرًا وتهميشًا من غيرها. الطائفية السياسية تساهم في تقوية النفوذ المحلي للأحزاب، مما يعوق مساعي الإصلاح الاقتصادي الجاد، ويزيد من مستويات الفقر والبطالة.

5. الآثار المستقبلية لإصدار قوانين طائفية:

في حال تم تبني قوانين طائفية بشكل أكثر رسمية، فإن العراق سيواجه العديد من المخاطر، أبرزها:

• زيادة الانقسامات المجتمعية: سيتعمق الشعور بالتمييز بين الطوائف، مما قد يؤدي إلى تفشي العنف الطائفي والتهجير القسري للمواطنين من مناطقهم.

• ضعف الدولة المركزية: ستضعف سلطة الحكومة المركزية في بغداد، حيث قد تُفقد السلطات المحلية قدرة الحكومة على التدخل في شؤون المدن والمناطق الطائفية.

• انعكاسات على الاستقرار الإقليمي: ستكون لهذه القوانين تأثيرات سلبية على العلاقات العراقية مع جيرانها، حيث قد تُستخدم الطائفية كأداة ضغط من القوى الإقليمية.

6. التحديات المستقبلية والفرص:

رغم هذه المخاطر، لا يزال العراق أمام فرصة لإعادة بناء دولة أكثر شمولًا ووحدة. يمكن تحقيق ذلك عبر:

• إصلاح النظام السياسي: التخلي عن المحاصصة الطائفية وتطوير نظام يعتمد على الكفاءة والعدالة.

• تعزيز التعايش السلمي: تعزيز الحوار بين الطوائف المختلفة وتأسيس ثقافة من التفاهم المشترك.

• مكافحة الفساد: تقوية مؤسسات الدولة لمحاربة الفساد وضمان توزيع عادل للموارد.

افاق المستقبل القريب

من الامور المتفق عليها منطقيا ان استمرار الحكم الطائفي الفارسي في العراق ليس أمرًا حتميًا. فالعراق يمر الان في مفترق طرق، والفرص متاحة لإعادة بناء نظام سياسي أكثر شمولًا واستقلالية. لكن التغيير يتطلب تضافر الجهود الداخلية، بما في ذلك التحولات في القوى السياسية، وضغط الشعب العراقي من أجل التغيير، بالإضافة إلى تفاعل القوى الإقليمية والدولية مع الوضع العراقي بطريقة تدعم الاستقرار والسيادة الوطنية.

الوضع الحالي خطيرمعقد في العراق. فالحكم الطائفي في العراق، يرتبط بشكل وثيق بالانقسامات الطائفية والسياسية في البلاد، يمثل إحدى أبرز التحديات التي تواجه العراق منذ الاحتلال الأمريكي عام 2003. كما ان تأثير القوى الإقليمية، وعلى رأسها نظام الملالي في إيران، له دور بارز في تحديد مسارات السياسة الداخلية العراقية، لكن ذلك لا يعني أن الحكم الطائفي الفارسي هو العامل الوحيد الذي يحكم العراق فهناك عوامل اخرى ابرزها:

1. التغلغل الإيراني في العراق:

إيران منذ العام 2003 أصبحت لاعبًا أساسيًا في السياسة العراقية. النفوذ الإيراني تمثل في دعم الأحزاب والميليشيات الشيعية، ما أدى إلى تعزيز الدور الطائفي داخل النظام العراقي. هذا النفوذ تعزز بعد انهيار الدولة المركزية في العراق، حيث أصبحت إيران تملك تأثيرًا كبيرًا في تشكيل الحكومة، وفي تحديد أولويات السياسة العراقية، سواء في مسائل الأمن أو الاقتصاد.

2. المقاومة الداخلية:

لكن على الرغم من النفوذ الإيراني، هناك فئات كبيرة داخل العراق تعارض بشدة الطائفية والهيمنة الأجنبية. الاحتجاجات الشعبية التي شهدها العراق في السنوات الأخيرة، مثل احتجاجات 2019، كانت ضد الفساد والمحاصصة الطائفية، مطالبة بحكومة تكنوقراط وحكم أكثر عدالة. هذه الاحتجاجات تمثل صوتًا قويًا يرفض النظام القائم ويطالب بتغيير جذري.

3. العوامل التي قد تؤدي إلى التغيير:

• الضغط الشعبي: هناك تزايد في الضغط الشعبي ضد المحاصصة الطائفية. هذه الاحتجاجات والمطالب الشعبية يمكن أن تدفع الأحزاب السياسية للبحث عن حلول سياسية جديدة.

• الضغوط الدولية: المجتمع الدولي، خاصة الولايات المتحدة والدول الأوروبية، بدأ يعبر عن رغبة في تغيير طبيعة الحكومة العراقية، حيث يدعو إلى إصلاحات سياسية وتحقيق مزيد من الاستقلالية عن النفوذ الإقليمي.

• الأزمات الداخلية: العراق يعاني من أزمات اقتصادية وأمنية متزايدة، مما يجعل استمرار النظام الطائفي غير مستدام على المدى البعيد. قد تدفع هذه الأزمات إلى تغييرات سياسية كبيرة إذا لم يتم معالجة أسباب الفساد والفشل الإداري.

اخيرا لابد من الاشارة الى ان استمرار الحكم الطائفي الفارسي في العراق يعني استمرار الوضع كما هو عليه، والتحديات ستظل كما هي، بما في ذلك تزايد الفساد، وتفشي المحاصصة، وتعميق الانقسامات الطائفية. لكن إذا حدث تحول داخلي مدعوم بضغط شعبي قوي وحلول سياسية حقيقية، قد يكون هناك أفق لتغيير النظام القائم.

جميع المقالات تعبر عن رأي كتابها ولا تمثل يورو تايمز

زر الذهاب إلى الأعلى