مقالات رئيس التحريرموضوعات رئيسية

د. علي الجابري: إتفاقية الشرع وعبدي.. “حبر على ورق” أم خارطة طريق حقيقية؟

اعلنت الرئاسة السورية توقيع اتفاقية رسمية مع قوات سوريا الديمقراطية “قسد” يوم الاثنين 10 مارس 2025، وقعها الرئيس السوري احمد الشرع مع مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية الكردية “قسد”، وهي القوة العسكرية المدعومة من الولايات المتحدة الامريكية.

ونص الاتفاق التاريخي بين الطرفين على دمج قوات سوريا الديمقراطية “قسد” في مؤسسات الدولة السورية الرسمية، بما فيها الجيش والشرطة ووقف إطلاق النار، وادارة الموارد، مثل الحقول النفطية.

ويبدو من خلال تصريحات ادلى بها قياديون من “قسد” ان الولايات المتحدة الامريكية لعبت دوراً مهماً في التوصل لهذا الاتفاق بعد مفاوضات سرية طويلة، بعد ان شهدت الفترة الماضية توترات بين الطرفين وتبادلاً للاتهامات بينهما.. 

وهذه الاتفاقية سوف تنعكس بكل تاكيد على محاربة تنظيم داعش الارهابي في سوريا، والذي كان احد ابرز مهمات قوات “قسد” خلال السنوات الماضية.

وذكرت المعلومات ان طائرة اميركية قامت بنقل وفد قوات سوريا الديمقراطية “قسد” الى دمشق للتفاوض وتوقيع الاتفاقية.

وتضمنت الاتفاقية بين الطرفين ما يلي:

  • دمج المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية في مؤسسات الدولة السورية.
  • وقف اطلاق النار في جميع الاراضي السورية
  • دعم جهود الدولة في القضاء على بقايا نظام بشار الاسد الذين تصاعدت عملياتهم خلال الفترة الماضية.
  • التاكيد على وحدة الاراضي السورية ورفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية
  • ضمان حقوق جميع السوريين في المشاركة السياسية بناءً على الكفاءة بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والقومية 
  • ادارة المعابر الحدودية والمطارات وحقول النفط والغاز من قبل الدولة.

بالمقابل اكد المسؤول الاعلامي لقوات سوريا الديمقراطية “فرهاد شامي”، ان لا صحة لدخول هيئة تحرير الشام المنخرطة في الاجهزة الامنية الى المناطق الكردية، وان هناك احتمال ان تدخل الى المعابر الحدودية فقط، وان لا تغيير في ملف النفط وملف السجون والحرب على داعش، مشيراً ان هذا الاتفاق المبدئي الذي رعته الولايات المتحدة الامريكية ناقش وقف التحركات التركية وعودة النازحين لمدينة عفرين الى منازلهم.

ووفقاً لتسريبات من مقربين من الطرفين كانت هناك بعض البنود التي وردت في الاتفاق ولم تنشر علناً ومنها:

  • الوقف الفوري للمجازر في الساحل السوري، ويلاحظ تصاعد الاصوات والدعوات الى ادخال قوات سوريا الديمقراطية “قسد” الى مناطق الساحل، بدلاً عن القوات السورية وفقاً لرغبة اغلبية سكان الساحل، لكن الامر مازال غير مؤكد حتى الان.
  • الاتفاقية وفقاً لمقربين من “قسد” تمثل الخطوة الاولى نحو سوريا اللامركزية.
  • مناطق عفرين وسري كانيه وكري سبي تعود الى الاكراد قريباً.

من الرابح والخاسر من الاتفاقية؟

اولا: الحكومة السورية

قد يرى المراقبون ان كلا الطرفين سيحققون مكاسباً مهمة من توقيع هذا الاتفاق، حيث ستتمكن الحكومة السورية وفقاً لهذه الاتفاقية من استعادة السيطرة على المناطق الغنية بالموارد النفطية، مثل حقول النفط في الشرق السوري، وتسيطر على المعابر الحدودية والمطارات وهي خطوة لم تحدث قط منذ اندلاع الثورة السورية، مما يعزز من الاستقرار الاقتصادي في البلاد.

لكن بالمقابل فإن الحكومة ستجد نفسها مضطرة لتقديم التنازلات لقوات “قسد” والاكراد بشكل عام لغرض انجاح هذه الاتفاقية، التي لم تكن لتكون لولا التنازلات التي قدمها الشرع لتحييد دور الاكراد، في ظل تصاعد الصراع مع من يسميهم بـ “فلول النظام السابق”، إذ يبدو ان ما حدث في الساحل السوري عجـّل من رغبة الشرع بعقد اتفاقية مع “قسد”، وإن تضمنت تقديم الكثير من التنازلات، وتلبية المطالب التي كان يطالب بها مظلوم عبدي سابقاً.

ثانياً : قوات سوريا الديمقراطية قسد

اما بالنسبة للأكراد، وقوات سوريا الديمقراطية “قسد” ، فبالاضافة الى انهم حصلوا على الاعتراف بهم كقوة اساسية في البلاد من قبل حكومة الشرع، وهو ما يحقق الامن والاستقرار في مناطقهم بعيداً عن التهديد والتصعيد والمواجهات بين الطرفين، او التخلص من التهديدات الخارجية التي تقودها تركيا ضدهم، كما سيحصلون على الدعم للشروع بعملية التنمية في المناطق الكردية بعد سنوات من الحرب.

الا انهم بالمقابل سوف يخسرون استقلالهم الذين يسعون اليه، ويمكن ان يكتفوا بالحكم الذاتي لمناطقهم كأفضل سيناريو ممكن على غرار التجربة العراقية. 

ولابد من الاشارة ان هناك اصوات كردية لا تقبل بغير الانفصال وتأسيس دولة مستقلة، ويعتبرون ان هذه الاتفاقية تصيب احلامهم في مقتل، وهؤلاء سيشكلون عقبة امام صمود هذا الاتفاق مستقبلاً.

فرص نجاح الاتفاقية

تلعب عدة عوامل دوراً في نجاح الاتفاقية بين الطرفين واستمراريتها، منها داخلية، ومنها اقليمية كالدور التركي والايراني، ومنها دولي، كـ “دور الولايات المتحدة الامريكية”.

الثابت الوحيد الذي يمكن الاشارة اليه وتم تأكيده، ان الولايات المتحدة الامريكية لعبت دوراً مهماً في توقيع هذه الاتفاقية، بحكم كونها الراعية لقوات “قسد” وكذلك بحكم وجود تواصل مع ادارة الشرع مؤخراً، ورغبة الاخير في كسب رضا الولايات المتحدة من خلال ادارة البلاد بطريقة ترضي المجتمع الدولي وتقديم صورة مغايرة لهيئة تحرير الشام.

ورغم انه لم يبرز دور تركيا بشكل رئيس في هذه الاتفاقية، الا انها سوف تستفيد حتماً من توقيع الاتفاقية، حيث يتخلى الكرد عن المطالبة بإستقلالهم في سوريا، وينخرطون تحت خيمة الحكومة التي تعد مقربة من تركيا. لكن بالمقابل قد تسعى تركيا الى عرقلة الاتفاقية اذا ما شعرت انها سوف تعزز من مكانة الاكراد في البلاد.

تبقى التحديات الداخلية تشكل علامة مهمة قد تهدد استقرار البلاد والمضي بهذه الاتفاقية، لان الكثير من الاطراف السورية التي تعمل مع حكومة الشرع، وبينهم اطراف من هيئة تحرير الشام وفصائل اخرى، لها عداء متأصل مع قوات “قسد” ويدعون الى الثار منها والقضاء عليها لا التحالف معها، لكن الى الان يبدو ان هذه الاصوات غير مؤثرة امام رغبة السوريين والمجتمع الدولي وقف نزيف الدم والاقتتال في سوريا، كذلك يبدو انهم يدركون ان الوقت ليس مناسباً لاستعداء “قسد” في ظل تصاعد عمليات العناصر المحسوبة على نظام الرئيس السابق بشار الاسد.

التحدي الاكثر اهمية، هو ان الاتفاقية الموقعة بين الشرع وعبدي قد تصطدم بصعوبات كبيرة في التنفيذ، وقد تُربك المشهد وتعيده الى نقطة الصفر، خاصة اذا ما علمنا ان الثقة بين الطرفين تكاد تكون معدومة حتى ساعات قبل توقيع الاتفاقية.

كذلك فإن الدور الروسي والايراني الداعم لنظام بشار الاسد مازال غير واضحاً وكيف ستتعاملان مستقبلاً مع هذه الاتفاقية.

طرفا الاتفاقية

يبقى من المهم الاشارة الى ان احمد الشرع ومظلوم عبدي، اللذين يُتَّهمان بـ”العمالة” لدول خارجية من قبل المناوئين لهما، كان كلاهما قد انضما لجماعات مسلحة صنفتها الكثير من دول العالم على انها منظمات ارهابية (هيئة تحرير الشام وقوات قسد)، وكلاهما تدربا وقاتلا في العراق خلال السنوات الماضية وعادا الى سوريا عام 2011، وبدأت الصراعات بينهما حتى في ظل خلافهما مع نظام بشار الاسد، الا انهما بهذا الاتفاق الذي يفترض ان ينجز بحلول نهاية عام 2025 وضعا حداً للصراع، سيرسمان مستقبل سوريا، إن كانت نواياهما صادقة، وتمكنا من الصمود امام التحديات والعقبات التي ستواجههما اثناء الدخول في تنفيذ بنود الاتفاقية، وعليهما الاستفادة من العامل الخارجي الدولي الذي هيأ لهما الاجواء المثالية لتوقيع هذه الاتفاقية.

رئيس تحرير صحيفة يورو تايمز السويدية الناطقة بالعربية

زر الذهاب إلى الأعلى