آراء

د. عبدالرزاق محمد الدليمي: الفوضى في قرارات ترامب

يمكن أن يُعتبر بعض ما قام به الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في فترة ولايته نوعًا من “الفوضى غير الخلاقة”، وذلك بناءً على الطريقة التي اتخذ بها العديد من القرارات، والتي في بعض الأحيان بدت غير منسقة أو متضاربة مع المؤسسات والسياسات المعروفة.

قد يرى البعض أن أسلوبه في اتخاذ القرارات السريع وغير التقليدي قد خلق نوعًا من الارتباك والارتباك السياسي في الداخل والخارج. على سبيل المثال، قراراته المفاجئة مثل انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس للمناخ أو سياسة الهجرة المثيرة للجدل، خلقت حالة من الفوضى وعدم الاستقرار السياسي. هذه السياسات أثارت انقسامًا كبيرًا في المجتمع الأمريكي وأدت إلى توترات مع العديد من الحلفاء الدوليين.
من جهة أخرى، هناك من يراها خطوات جريئة تخرج عن المألوف وتأتي من رغبة في إصلاح النظام وتحدي البيروقراطية، وهو ما يمكن اعتباره “فوضى خلاقة”. بمعنى آخر، كان ترامب يسعى إلى إعادة تشكيل النظام السياسي والاجتماعي بطريقته الخاصة.
بالتالي، يعتمد الحكم على ما إذا كانت “فوضى غير خلاقة” أم “فوضى خلاقة” على وجهة نظر الشخص حول التأثيرات النهائية لتلك القرارات.

الفرق بين الفوضى الخلاقة وغير الخلاقة:
1. الفوضى الخلاقة: يشير هذا المصطلح إلى حالة من التغيير الكبير والاضطراب الذي يتم من خلاله إعادة تشكيل النظام بطريقة تؤدي إلى تحسينات على المدى الطويل. في سياق السياسة، تعني الفوضى الخلاقة اتخاذ خطوات غير تقليدية قد تؤدي إلى نتائج إيجابية مثل الإصلاحات الهيكلية أو تحسين النظام على مستوى أوسع. تُعتبر الفوضى الخلاقة أداة لتجديد النظام بشكل يساهم في تطور جديد، رغم أنها قد تولد توترات أو فوضى في البداية.
2. الفوضى غير الخلاقة: تعني حالة من الاضطراب أو التغيير غير المنظم الذي يؤدي إلى نتائج سلبية أو تدهور النظام بدلاً من تحسينه. في السياسة، قد تكون هذه الفوضى نتيجة لقرارات غير مدروسة أو عدم استقرار في الحكم، مما يخلق اضطرابات دون تقديم حلول مستدامة أو تحولات إيجابية.

تطبيقها على ما يقوم به ترامب:

داخل الولايات المتحدة:
• فوضى غير خلاقة:
• ترامب اتخذ العديد من القرارات التي أثارت انقسامات داخلية كبيرة، مثل سياسة الهجرة القاسية والفصل بين الأطفال والآباء عند الحدود، مما أدى إلى انتقادات واسعة من المجتمع الأمريكي ومنظمات حقوق الإنسان.
• كما أن إلغاء العديد من السياسات البيئية والإجتماعية، مثل انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ، خلق نوعًا من الفوضى السياسية، حيث فقدت الولايات المتحدة تأثيرها في القضايا العالمية المتعلقة بالمناخ.
• أسلوب ترامب الهجومي في التغريدات والتصريحات الإعلامية خلق جوًا من الاستقطاب بين الأمريكيين، مما زاد من الانقسامات السياسية والاجتماعية في البلاد.
• فوضى خلاقة:
• من جهة أخرى، يعتبر بعض أنصار ترامب أن سياساته الاقتصادية، مثل خفض الضرائب وإلغاء بعض اللوائح التنظيمية، كانت تهدف إلى تحفيز النمو الاقتصادي وإعادة تشكيل الاقتصاد الأمريكي بطريقة تساهم في تسريع التقدم، وهو نوع من الفوضى التي قد تثمر عن تغيير إيجابي على المدى البعيد.
• كما أظهر ترامب رغبة في إعادة التفاوض على الاتفاقيات التجارية الدولية مثل “نافتا” (التي أصبحت “الاتفاقية الأمريكية-المكسيكية-الكندية”)، وهي خطوة اعتُبرت فوضوية بالنسبة للبعض، لكنها تهدف إلى إعادة ترتيب العلاقات التجارية بطرق تؤدي إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية للولايات المتحدة.

خارج الولايات المتحدة:
• فوضى غير خلاقة:
• على المستوى الدولي، كانت قرارات ترامب مثل انسحابه من الاتفاق النووي مع إيران (JCPOA) وسحب القوات الأمريكية من سوريا في بعض الأحيان تُعتبر مثالاً على فوضى غير خلاقة، حيث تسببت في تقلبات سياسية في المنطقة وأثارت تساؤلات حول مكانة الولايات المتحدة في الساحة العالمية.
• كانت العلاقات مع حلفاء الولايات المتحدة أيضًا تتأثر بسياساته غير المتوقعة، مثل فرض التعريفات الجمركية على الصين ودول أخرى، مما أحدث توترات تجارية ودبلوماسية على الصعيد الدولي.
• فوضى خلاقة:
• من جهة أخرى، يرى بعض المؤيدين أن سياسة “أمريكا أولًا” التي تبناها ترامب قد تكون بمثابة فوضى خلاقة تهدف إلى إعادة تموضع الولايات المتحدة على الساحة العالمية وحماية مصالحها بشكل أفضل. في بعض الحالات، كان ترامب يشجع الدول على تحمل مزيد من المسؤولية عن أمنها واقتصادها (مثل زيادة الإنفاق الدفاعي من قبل حلفاء الناتو).
• بعض السياسات مثل اتفاقات التطبيع بين إسرائيل والدول العربية (اتفاقات أبراهام) كانت تُعتبر إنجازًا دبلوماسيًا مفاجئًا رغم الأجواء المشحونة، مما يدل على إمكانية الفوضى الخلاقة في بعض الأحيان.

تعتمد الفوضى على السياق. في بعض الأحيان، يمكن اعتبار خطوات ترامب فوضى غير خلاقة بسبب انعدام التنسيق أو التسبب في فوضى داخلية ودولية. وفي حالات أخرى، يمكن أن تُعتبر فوضاه خطوة نحو إعادة هيكلة الأنظمة الاقتصادية والدبلوماسية التي قد تؤدي إلى نتائج إيجابية على المدى الطويل، مما يجعلها فوضى خلاقة.

جميع المقالات تعبر عن رأي كتابها ولا تمثل يورو تايمز

زر الذهاب إلى الأعلى