تدوينات مختارة

د. قحطان صديق: ماذا يريدون منا ؟

هل فعلا ان اعداءنا في الغرب يكرهوننا لسبب ديني ؟
هل فعلا يرون في الاسلام خطرا محدقا ؟
اسئلة مهمة يجب طرحها ومحاولة معرفة اجابة صحيحة عليها لكي نبنى عليها مواقفنا ونحدد اين وكيف ندافع ..
دون شك كان الغرب ينظر الى الشرق الاسلامي كعدو محتمل وقائم ، فلو وضعنا في الخلفية فتح الاندلس والتوغل في جنوب اوربا في فرنسا وايطاليا ومن ثم حروب الاسترداد والحروب الصليبية وحروب الدولة العثمانية لادركنا ان الحال كان كذلك .. ولكن هل ان السياسة الاوربية وستراتيجية مسيريها بقت على حالها ولم تتغير .. وبقوا يضعون الاسلام كدين عدو قوي يجب محاربته ؟
في الحقيقة ان الثورة الصناعية التي انهت عصر النبلاء وهيمنة الكنيسة وابعدت رجال الدين عن اي تاثير سياسي واجتماعي في اوربا قد غيرت وقلبت كثيرا من المفاهيم وصنعت معادلة جديدة محركها صناعيون اذكياء يؤمنون بالعلم وبالانتاج نظروا بشهية وحماس الى افاق اوسع والى موارد للمال لا تنضب قابلة للتطور فيها مكامن للقوة والديمومة وانهوا بذلك حقبة عتيقة من التنافس الديني والطائفي والتجاري وسم اوربا لقرون واستبدلوه بتنافس وصراع نهم على الموارد الطبيعية كالمواد الاولية ومصادر الطاقة وعلى مكامن هذه المواد التي هي العامل الاساس في تدوير الماكنة وفي الانتاج .. وبهذا تغيرت الرؤى والاطماع والاولويات وبدأت نظرة مادية بحتة تطغى على الميدان ..
وقد كان من نتائج الثورة الصناعية المباشرة تحسن في الحالة المعيشية وتقدم في مجال الاختراع والابتكار والصحة العامة والطب وفي مجال الحرب ايضا .. وهذه قادت الى تغير كبير في نظم الحياة على الكرة الارضية
فقد انحسرت الاوبئة الى حد بعيد وظهرت العلاجات واكتشفت البكتيريا ومسببات الامراض فاخذت نفوس العالم تزداد باضطراد ومع الوقت وشيئا فشيئا بدأت الموارد تنضب فشكل ذلك قلقا كبيرا للقوى الكبرى المتنافسة ،، ولمن يتأمل ويفكر بالعواقب .. تضخم السكان واختفاء الاراضي البكر يعني خطرا محدقا !
فلجا الانسان الى وسائل الحد من الزيادات السكانية بتحديد الانجاب بطرق مختلفة طبية وقانونية وعنى ذلك تعطيل نظام الطبيعة في الحد من ازدياد السكان وضبطه بالمجاعات والاوبئة والكوارث ..
وزاد في الطين بلة مانتج عن الثورة الصناعية من اخلال بالنظام البيئي جراء الفضلات والملوثات الصناعية وجراء استخدام الفحم الحجري والبترول ..
هذا الخوف من المستقبل دفع القوى الكبرى المتحكمة الى تامين نفسها ومستقبل شعوبها باحتكار الموارد بانواعها .. مصادر الطاقة ، المواد الاولية ، المعادن ، الاكاسيد والخ ..
كل هذا يعني انه على مدا ليس بعيد الامم الضعيفة التي لا تستطيع الدفاع عن نفسها سيتم افتراسها وسينهيها النظام العالمي الجديد فموارد الارض محدودة ولن تكفي الجميع وسيكون البقاء للاقوى من الامم التي تحتفظ بمحركات الاقتصاد وبالموارد ..
كل هذا يجري حولنا ونراه باعيننا ،،
والا لماذا ترامب يريد كندا ؟ لانها مصدر مهم للطاقة ! ويريد كرينلاند لانها تزخر بالمعادن النادرة الحاكمة في الصناعات الاليكترونية ويريد بنما لانها تصل الاطلسي بالهادي وتؤمن انسيابا للمواد وللتجارة ويريد غزة .. لكي يخل بالديموغرافيا التي تسير لصالح الفلسطينيين في صراعهم التاريخي وايضا لان غزة ارض حيوية لها موقع جيوستراتيجي .. ولماذا يتحمس للدفاع عن الكيان لانه قلعتهم المتقدمة والموضع الذي يؤملون ان يديروا الشرق الاوسط من خلاله .. وهاهو يسعى لانهاء الحرب الروسية الاوكرانية مقابل نصف معادن اوكرانيا !
ما اقوله ليس اكتشافا فقد فكر هتلر بنفس الطريقة مبكرا قبل الحرب العالمية الثانية ربما بعقدين من الزمن وحدد عوامل الصراع ومديات السباق في السيطرة على الارض والموارد لتبقى للامة الالمانية السيادة منطلقا من نظرة قومية وعنصرية ضيقة رأى فيها ان الالمان هم الاجدر بالبقاء .. ففي كتاب “كفاحي” يقول (ان الطبيعة لا تعرف الحدود السياسية ، فهي تضع الكائنات الحية جنبا الى جنب على الكرة الارضية ثم تراقب صراع القوى المختلفة ويخفق قلبها للاقوى لانه ابنها المختار الجدير بالحياة) .. انتهى الاقتباس ..

هذا فقط لكي نعي محركات الصراع الحقيقي ولا نتوهم بانه صراع ديني او قومي او ثقافي حضاري .. ابدا انه صراع على الحياة وعلى الشرايين التي تديم الحياة وما نراه من هجمة هي ليست كرها دينيا بمقدار ما هو طمع فيما بين ايدينا من موارد اولية لا يمكن للحياة الاستمرار بدونها ..
فلو كان الغرب يهمه محاربة الاسلام لما تخلى هو عن كنيسته ومعابده .. وادار لها ظهره ولكن لاننا بتنا نستخدم الاسلام سلاحا فان الغرب ينظر اليه كمعوق لاهدافهم .. بالضبط كما كان ينظر بالامس الى التوجه القومي وكما نظر الى توجهات جيفارا وباتريس لومومبا وسلفادور الندي الاشتراكية ..

جميع المقالات تعبر عن رأي كتابها ولا تمثل يورو تايمز

زر الذهاب إلى الأعلى