آراء

نزار العوصجي: حالة فريدة تستحق الأهتمام

من خلال مراجعة كتب التأريخ وجدنا حالة فريدة تستحق الأهتمام ، ففى ربيع عام 1945 أبان الحرب العالمية الثانية ، تم تدمير المدن الالمانية و مسحها تماماً من على وجه الأرض ..
المانيا محاصرة من كافة الأجاهات ، براً و بحراً و جواً ، و طائرات الحلفاء كانت تملئ السماء و تحجب الشمس ، و المدفعية الثقيلة للجيش الروسي الأحمر لم تترك حجر على حجر ..
نتائج الحرب كانت كارثية ، 20 مليون قتيل و 12 مليون مشرد و 8 ملايين أسير ، و ملايين الجرحى و المعوقين ..
لا شوارع لا عناوين لا شواخص يمكن ان يستدل منها ..

أنه المجهول المطبق بكامل جرعته !!
الروس كانوا ينهبون المصانع و المعدات ، و يسرقون اي قطعة حديد تقع تحت ايديهم و يقع نظرهم عليها ، و يحملونها الى روسيا كغنائم حرب ..
حتى الأسرى الالمان ، أستخدمهم الحلفاء مكرهين كعبيد بالسخرة ، و لم يطلقوا سراحهم الا في عام 1956 ..
اما فرنسا فكانت تنهب الفحم الحجري الألماني ، لكي تستخدمه كمصدر للطاقة و التدفئة ، لتقي مواطنيها من برد الشتاء القارص ..
كما ان الألمان انفسهم تعرضوا لنوبات من الصقيع و البرد فى الاعوام التالية للحرب ( 1946 و 1947 ) ، حيث مات بسببها الكثير من العجائز و الأطفال و المرضى ..
أمريكا و بريطانيا تكرموا على فرنسا و منحوها اكثر من مليون أسير حرب الماني تعويضا” لها ، لكي يسهموا فى اعادة أعمار ما هدمته الحرب ..

مع نهاية هذه الحرب المدمرة ، لم تكن هناك فتاه المانية بالغة جسدياً ، لم تتعرض للأغتصاب من قبل جنود الحلفاء ..
ملايين القتلى و ملايين المعوقين و ملايين الارامل و ملايين المشردين ..
المانيا فى نهاية الحرب لم يكن فيها غير النساء و الأطفال و المعوقين ..
الحضارة الالمانية بالكامل تم تدميرها و عادت الى ماقبل العصور الحجرية ..
لكنها الأمة الالمانية العظيمة !!

من قال ان الحضارة هي المباني و البيوت و الشوارع وما الى ذلك ؟؟
من قال ان الحضارة هى كتب التاريخ المزورة التي يقرأها الأطفال فى مدارسنا التي دونتها اقلام المرتزقة ، الذين نصبوا صعاليك البشرية ، و كلاب السلطة ، و الانتهازيون الذين جاء بهم المحتل ، على أنهم زعماء ؟؟
من قال ان الحضارة في كثرة عدد المساجد و الكنائس و قصور الجواري و المولات و مظاهر الترف الأخرى ؟؟
الحضارة الحقة هي أثبات الوجود ، ان تكون او لا تكون ..

الألمان لا يملكون ربع ثروة العرب ، او عشر نفط الخليج ، و لا قليلا من ( لواتة ) العراقيين أو ( فهلوة ) المصريين ..
لا يملكون تاريخاً يتربع على مؤخرته النسور التي لا تطير و انصاف البشر الكسيح ، أصحاب حرب التحرير المزعومة ، و الجيوش التي لم تنتصر ، و زعماء الوهم و اصحاب انتصارات غرف النوم ..

التاريخ هو عقاب للمتخاذلين ، كما ان الحضارة هي شرف الأنسان ، إذا تخلى عنها ذهب إلى مقبرة ألتاريخ مع الجبناء و الأنهزاميين ..
ألمانيا في عام 1948 عادت للحياة من جديد ، و اكتفت ذاتياً من كل شيئ و بدأت بالتصدير ، و فِي عام 1949 أصبحت مقصد الأوربيين و الأفارقة و الآسيويين ، الباحثين عن فرص العمل و النجاح ..
في عام 1952 نافست كل دول الحلفاء و غير الحلفاء في السوق بافضل الصناعات و المنتجات ، و حتى انها فازت بكأس العالم لكرة القدم في منتصف الخمسينيات ..
عادت المانيا مثل طائر العنقاء الذي احترق ليعود من جديد يقود العالم مرة اخرى رغم أنف الأعداء ، شاءت دول الحلفاء أم أبت ..

تذكرت ذلك و انا أراجع تجليات احد فلاسفة الكوفة المعاصرين حين وصف ان أسوأ احتلال للعراق هو ( احتلال العراقيين للعراق ) ..
و ليس هناك احتلالاً سيدمر العراق و ينهبه اكثر من دمار و نهب العراق لبلدهم ، فالعراقيين ( الحواسم ) سرقوا بتخطيط و توجيه من مراجعهم ، ما لا يخطر على بال اي محتل غازي ..
نهبوا حتى مسطرة الطالب و قنينة المغذي و سرير المريض ..
أحالوا مؤسسات نموذجية عامرة الى اثرا بعد عين ..
و بالغ العراقي الهدر و الأستهانة بالدم العراقي الى حد الثمالة ، و ذبح و صلخ و سبي و باع و سحق و دمر ، كما لا يفعله اي مستعمر غاشم !!

لم يكن ما حصل اعتباطاً بل كان يهدف الى إثبات ثلاثة حقائق اساسية ..
الاولى : غياب سلطة القانون و عدم قدرة الأجهزة الأمنية على حماية المنشأت العامة و الخاصة ..
و الثانية : سقوط مقومات الدولة العراقية ، و الأنتقال الى حالة الفوضى و الادولة ..
و الثالثة : كشف العملاء الذين يدينون بالولاء لجارة السوء إيران ..
عن اي احتلال نتحدث و قد فعل العراقي بالعراق مالم يفكر به يوماً أعدى أعداء العراق ..
الانسان هو مركز الحضارة اذا آمن بنفسه ، و نأى بها من شرور الخيانة و العمالة ..
اذا ماعرف قيمته و عرف قوته ، لا يمكن لأي قوة على ظهر الارض ان تسقطه ..
و يبدو اننا بيدنا نسقط أنفسنا …

زر الذهاب إلى الأعلى