آراء

عبدالله سلمان: الزمن الجميل.. بين السردية التاريخية والتعايش المجتمعي

لطالما ارتبط مفهوم “الزمن الجميل” في أذهان الناس بفترات ماضية كانت مليئة بأشكال من التعايش السلمي والتلاحم الاجتماعي دون أن يكون لهذا المفهوم بالضرورة أي علاقة بالرضا عن النظام السياسي القائم آنذاك. فالزمن الجميل لا يعني بالضرورة الحقبة المثالية من الناحية السياسية أو الاقتصاديةبل هو تجربة إنسانية مشتركة عاشها الأفراد بوجدانهم وأحاسيسهم حيث سادت قيم الاحترام والتسامح والروابط الاجتماعية العميقة.

عندما يستحضر الناس “الزمن الجميل”، فإنهم لا يستحضرون بالضرورة نظام الحكم أو السياسات التي كانت تُدار بها الدولة بل يسترجعون الحياة اليومية التي كانت تحمل طابعًا أكثر دفئًا وبساطة فيها كانت العلاقات الاجتماعية أكثر متانة والروابط الأسرية أقوى والتعاون بين الأفراد جزءًا من نسيج الحياة اليومية. كانت المجتمعات تتسم بدرجة عالية من التلاحم والتآلف وللجيرة معنى عميق حيث يتشارك الجيران في الأفراح والأتراح وكأنهم عائلة واحدة.

والأسواق الشعبية التي كانت تعج بالحياة والبيوت مفتوحة لاستقبال الضيوف دون تكلف والأطفال يلعبون بحرية في الشوارع دون خوف وان القيم الاجتماعية كانت تلعب دور الحامي الأخلاقي الذي ينظم العلاقات بين الأفراد دون الحاجة إلى قوانين صارمة. كان المجتمع كنسيج واحد مترابط حيث تشابكت الأيدي في الأفراح والأتراح . طالما ارتبط “الزمن الجميل” في مخيلتنا بشرائح زمنية ملوّنة ببساطة الحياة ودفء العلاقات لا بسياسات حاكمة أو اقتصاد مزدهر .

عند مقارنة تلك الحقبة مع الواقع الحالي نجد أن الكثير يحنّ إلى ذلك الزمن ليس بالضرورة لأنه كان خاليًا من التحديات ولكن لأن طابع الحياة فيه كان أبسط وأكثر ألفة. اليوم ومع التقدم التكنولوجي والتغيرات الاقتصادية والاجتماعية تراجعت بعض القيم التي كانت سائدة في الماضي. فأصبح التواصل بين الناس أكثر سطحية رغم التطور الكبير في وسائل الاتصال وضعفت الروابط الاجتماعية التي كانت تحكم التفاعل بين الأفراد.

في الزمن الجميل كانت الأخلاق الجماعية تنظم العلاقات وتخلق بيئة يسودها الاحترام والتقدير بينما في العصر الحديث تراجعت هذه القيم لصالح الفردية والاستقلالية مما خلق فجوة اجتماعية أضعفت من قدرة الأفراد على الشعور بالانتماء إلى مجتمع واحد.

من الأخطاء الشائعة إسقاط الأحوال السياسية على مفهوم الزمن الجميل حيث إن الشعور بالحنين إلى الماضي لا يعني بالضرورة تأييد نظام سياسي معين أو التشبث بفكر أيديولوجي محدد. الزمن الجميل هو ببساطة لحظة تاريخية عاشها الناس في ظل ظروف اجتماعية متميزة جعلتهم يشعرون بالسعادة والأمان . والتواصل الانساني الذي لامس الروح قبل الجسد .

قد يكون النظام السياسي في تلك الحقبة غير مرضٍ للجميع وقد تكون الظروف الاقتصادية قاسية و رغم كل ذلك تبقى التجربة الإنسانية التي عاشها الناس هي الأساس في تحديد ملامح ذلك الزمن. المشاعر الحقيقية واللحظات العفوية والعلاقات القوية بين الأفراد هي التي صنعت من تلك المرحلة “زمنًا جميلاً” .

لا يمكن الحديث عن الزمن الجميل دون استحضار الذكريات الجميلة من الطفولة في ذلك الزمن الأطفال أحرار يملؤون الشوارع بلعبهم تحت سقف قيمٍ تحميهم أكثر من كاميرات المراقبة وللصبا والشباب والمراهقة التي شكلت هذه المراحل جزءًا مهمًا من هوية الأفراد شغلت فسحة من الخيال .

الحب الأول الذي بقي محفورًا في القلوب والأغاني الخالدة التي لم تفقد سلطانها أو ارتباطها بالواقع حيث تنساب الذكريات كأنغام أغنية قديمة تُعيدنا إلى شوارع ضيقة والأفلام التي صاحبت تلك المرحلة ورسمت ملامحها كلها تشكل إرثًا وجدانيًا لا يمكن تجاوزه.  

كانت تلك أيامًا عشناها بكل تفاصيلها الحلوة والمرة ورغم تغير الزمن وتبدل الظروف فإن تأثيرها يظل حاضرًا في وجداننا يذكرنا بجمال الحياة وصدق المشاعر التي كنا نعيشها التي جعلته تجربة فريدة لا تُنسى.

لكن يبقى السؤال مفتوحًا هل سيرى الجيل الحالي زمنه جميلاً كما نرى نحن زمننا؟ إن هذا الجيل لا يزال يمر بمحطات الحياة يكوّن ذكرياته الخاصة ويواجه تحدياته اليومية في عالم سريع التغيير. ربما يبدو المشهد الاجتماعي قاسيًا في أعيننا وربما نفتقد روح البساطة والألفة التي كانت تميز ماضينا ولكن لا يمكننا الجزم بما سيبقى خالدًا في ذاكرة الأجيال القادمة. فكما حفظنا نحن زمننا في الذاكرة والوجدان سيأتي يوم يستعيد فيه هذا الجيل أيامه الماضية بشوق وحنين ليحكي عن زمنه الجميل بطريقته ورؤيته الخاصة. نحن في عالمٍ تُسرع فيه الساعات بينما تتباطأ المشاعر

ويبقى الزمن الجميل مهما اختلفت ملامحه جزءًا لا يتجزأ من ذاكرة التاريخ. 

جميع المقالات تعبر عن رأي كتابها ولا تمثل يورو تايمز

زر الذهاب إلى الأعلى