د. محمد القيسي: المخططات الاميركية لاستنزاف ثروات العراق.. ارقام وحقائق الجزء “2”
![](https://i0.wp.com/euro-times.com/wp-content/uploads/2024/12/241134235_3980028322106825_8337868978050986806_n.jpg?resize=592%2C470&ssl=1)
” ألجزء الثاني “
ثانيا ـ خسائر العراق جراء السياسة الكويتية وسرقة النفط العراقي من حقول الرميلة الجنوبية
أثناء سنوات الحرب الطويلة مع ايران، وفي الوقت الذي كان أبناء العراق يسفحون دمهم الغالي في الجبهات دفاعا عن العراق وعن الأرض العربية ومنها أرض الكويت، استغلت حكومة الكويت انشغال العراق كي تنفذ مخططا في تصعيد وتيرة الزحف التدريجي والمبرمج في اتجاه أرض العراق، فصارت تقيم المنشآت العسكرية والمخافر والمنشآت النفطية والمزارع على أرض العراق. وقد اشارت الخارجية العراقية في مذكرتها الرسمية الى الجامعة العربية المؤرخة في 15/7/1990 الى ان العراق يحتفظ بسجل كامل لهذا الموضوع، يوضح بالوثائق والحيثيات كل التجاوزات التي قامت بها حكومة الكويت وقد تم تقديم كل هذه الوثائق الى الجامعة العربية لاحقا في اطار البحث عن تسوية وحل لهذه المشكلة في اطار الجامعة العربية والعلاقات العربية ـ العربية. كما ان الحكومة العراقية بادرت بعد تحرير الفاو، و في أثناء مؤتمر القمة العربية في الجزائر عام 1988 ـ بابلاغ الجانب الكويتي برغبتنها في حل المشاكل القائمة عن هذه التجاوزات بالحوار المشترك، الا ان الجانب الكويتي لم يستجب لذلك وراح يثير التعقيدات المصطنعة مع الاستمرار في التجاوز واقامة المنشآت النفطية والعسكرية والمخافر والمزارع على الأراضي العراقية.
ومن جانب اخر اشتركت حكومة الكويت مع حكومة الإمارات العربية المتحدة، في تنفيذ عملية مدبرة لاغراق سوق النفط بمزيد من الانتاج خارج حصتهما الرسمية المقررة من قبل منظمة الاوبك وبذرائع لم يشاركهما فيها اي من الدول المنتجة، وقد أدت هذه السياسة المدبرة الى تدهور أسعار النفط تدهوراً خطيراً. فبعد التدهور الذي حصل قبل سنوات في السعر من المعدلات العالمية التي كان قد بلغها وهي 24 و 29 و28 دولاراً للبرميل الواحد أدت تصرفات حكومتي الكويت والإمارات الى انهيار سعر الحد الأدنى المتواضع الذي تم الاتفاق عليه في أوبك وهو 18 دولاراً للبرميل الى ما بين 11 ـ 13 دولاراً للبرميل، حيث كان نقص كل دولار من سعر النفط يؤدي الى إلحاق خسارة بالعراق تبلغ مليار دولار سنويا. ومن المعروف أنه بسبب سياسة حكومتي الكويت والامارت فإن السعر قد انخفض سنة 1990 الى 18 دولاراً للبرميل عن السعر الذي كان سائدا وهو 27 ـ 28 دولارا ، وان هذه الاسعار المتدهورة التي وصل إليها سعر النفط في حينه أدت الى خسارة العراق 14 مليار دولار سنويا، في الوقت الذي يعاني فيه العراق ضائقة مالية بسبب نفقات الدفاع الشرعي عن أرضه وأمنه وبالتالي عن أرض العرب وأمنهم طيلة ثماني سنوات.
وقد أضافت حكومة الكويت الى هذه الاساءات المتعمدة اساءة اخرى مستهدفة الاضرار بالعراق بالذات، فقد نصبت منذ عام 1980، وبخاصة في ظروف الحرب، منشآت نفطية على الجزء الجنوبي من حقل الرميلة العراقي وصارت تسحب النفط منه عبر حفر ابار في المنطقة المشتركة والتي هي امتداد لحقول الرميلة الجنوبية حيث انشأت حقل نفطي فيه 33 بئرا واسمه “الرتقة” في محاولة لاستنزاف المكامن النفطية العراقية. وقد سبق لوزير النفط العراقي السابق عامر محمد رشيد العبيدي ان اتهم دولة الكويت في 17 أيلول/سبتمبر 2000 بسرقة 300 الف برميل من نفط العراق يوميا مؤكدا “ان سرقة نفطه حقيقة ثابتة لا يقوى رد الفعل الكويتي على الوقوف امامها وان هذه السرقة تتم من حقول الرميلة الجنوبية”.
لقد كانت الكويت تسعى من خلال ذلك الى إغراق السوق العالمي بالنفط الذي كان جزءاً منه هو النفط الذي تسرقه من حقل الرميلة العراقي، وبهذا فهي تلحق الضرر المتعمد بالعراق مرتين، مرة باضعاف اقتصاده وهو أحوج ما يكون فيه الى العوائد ومرة أخرى بسرقة ثروته. وتبلغ قيمة النفط الذي سحبته حكومة الكويت من حقل الرميلة فقط بهذه الطريقة المنافية لعلاقات الاخوة وفقاً للأسعار المتفقة بين 1980 ـ 1990 ما يعادل 24 مليار دولار. وقد اثبتت الحكومة العراقية بالوثائق المرسلة لجامعة الدول العربية تصرفات حكومة الكويت تلك، مسجلة حق العراق في استعادة المبالغ المسروقة من ثروته وحق العراق في مطالبة المعنيين باصلاح التجاوز والضرر الذي وقع عليه. ورغم محاولات العراق في حل الازمة مع الكويت التي سببتها سرقة ثرواته والتجاوز على اراضيه والاضرار والسياسة النفطية المقصودة للاضرار باقتصاده، بما فيها عرض الموضوع على القمة العربية في بغداد، الا ان حكومة الكويت استمرت في نهجها دون ان تبدي اي استجابة او ردود مسؤولة تفضي الى حل المشاكل القائمة.
وقد توصلت الحكومة العراقية الى قناعة بان ممارسات حكومة الكويت هي اعتداءات مزدوجة على العراق، فمن ناحية تعتدي عليه وعلى حقوقه بالتجاوز على أراضيه وحقوله النفطية وسرقة ثرواته الوطنية، وأن مثل هذا التصرف هو بمثابة عدوان عسكري، ومن ناحية أخرى تتعمد حكومة الكويت تحقيق انهيار في الاقتصاد العراقي في الوثقت الذي كان يتعرض فيه للتهديدات الصهيونية بسبب بروزه كقوة عربية مقتدرة. وهكذا وجدت الحكومة العراقية ان ممارسات الكويت هي عدوان لا يقل في تأثيره عن العدوان العسكري، الأمر الذي أدى إلى إجتياح القوات العراقية للكويت بعد ان عجزت كل الوسائل والمبادرات في ثنيها عن نهجها الساعي الى اضعاف العراق واخراجه من ساحة المواجه مع العدو الصهيوني واعداء الامة العربية.
لقد حشدت الادارة الاميركية الراي العام العالمي ضد العراق في سعيها المزدوج لاخراج قواته من الكويت من جهة، وتحطيم قوته العسكرية وتدمير بناه التحتية ومرتكزات الصناعة والتصنيع العسكري التي توفق فيها من جهة اخرى خدمة لاهداف الصهيونية في اخراج العراق من دائرة العمق الاستراتيجي ومن دائرة الفعل العسكري في المنطقة. والمصيبة ان عدد من الدول العربية قد اشتركت في هذا العمل الذي سمي في حينه حرب “عاصفة الصحراء”، بل ومنها من حرضت عليه وكأن لديها ثارات مع العراق لتنتقم منه خدمة للكيان الصهيوني.
ثالثا ـ خسائر العراق جراء العدوان الاميركي عام 1991 وخلال سنوات الحصار
لقد جن جنون العالم الغربي برمته من العراق ومن النظام السياسي فيه بعد دخول القوات العراقية الى الكويت سنة 1990، وذلك لانه في الحاق الكويت بالعراق يكون العراق قد استحوذ على ما لا يقل عن 20 في المائة من مدخرات العالم من النفط. فلم تكن حرب الخليج التي شنوها ضد العراق هي للدفاع عن الكويت وانما للدفاع عن المصالح الاقتصادية والاستراتيجية للامبريالية في المنطقة.
لقد خلفت حرب “عاصفة الصحراء” في عام 1991، التي شنت على العراق من اجل الكويت، دمارا هائلا في العراق، حيث ان معظم المرافق المدنية قد تم ضربها أو قصفها أو تدميرها، ومن ضمنها الجسور الرئيسية ومقترباتها وعقد المواصلات، والمرافق والمنشآت الصناعية والمنشآت النفطية والمصافي و الاتصالات والمدارس والمعاهد والكليات والمستشفيات ومحطات المياه ومحطات الري والجوامع والكنائس والابنية الحكومية والمتاحف ومحطات الكهرباء. كما دمرت مخازن الغذاء والصوامع ـ السايلوات ـ والمطاحن ومختلف الاجهزة والمعدات في تلك المرافق، بالاضافة الى الخسائر البشرية في المدنيين. ووفقا لتقديرات الحكومة العراقية فقد بلغت خسائر العراق الناجمة عن تلك الحرب والدمار الذي خلفته بـ 230 مليار دولار، في حين ان صندوق النقد العربي قدر تلك الخسائر بـ 190 مليار دولار.
كما ان الادارة الاميركية سخرت المنظمة الدولية “الامم المتحدة” لتنفيذ اجراءاتها القسرية الظالمة ضد العراق واستصدرت قرارا بتجميد امواله المودعة في كافة المؤسسات المصرفية في العالم. وتنفيذا لذلك فقد تم تجميد كافة اموال العراق في 56 بلدا، ويبلغ حجم تلك الاموال مايزيد عن 13 مليار دولار موجودة في الجهاز المصرفي الدولي تتثمل بـ 3 مليارات دولار موجودة في الولايات المتحدة الاميركية لوحدها، وهذه الاموال تدار من قبل بنك الاحتياطي الفدرالي في نيويورك. و بحدود 6.1 مليار دولار في بريطانيا، بالاضافة الى ارصدة مصرف الرافدين فرع لندن والبالغة 350 مليون دولار، واكثر من مليار دولار تدار باشراف المصرف الوطني السويسري، واكثر من مليار ونصف دولار في البنوك الفرنسية، 700 مليون دولار في البنوك اليابانية، وبحدود المليارين ونصف المليار دولار تتوزع على بنوك دول الاتحاد الاوروبي وجميعها باشراف المصارف المركزية في تلك الدول. وفي الاردن 500 مليون دولار تدار باشراف صندوق ادارة الاموال العراقية التابع للمصرف المركزي الاردني الذي شكل لهذا الغرض، واكثر من 500 مليون دولار في مصارف لبنان، وتتوزع بقية الارصدة في عدة دول اخرى في اوروبا واسيا وافريقيا بالاضافة الى ارصدة فروع مصرف الرافدين في عمان و القاهرة و بيروت والبحرين وارصدة الممثليات التجارية والمكاتب التمثيلية العراقية في الخارج والخطوط الجوية العراقية وحصص العراق في الشركات المشتركة مع الدول العربية والارصدة المتراكة لحسابها.
لقد تحمل العراق اعباءا باهضة تمثلت بفرض التزامات كبيرة عليه لم يكن الطرف العراقي يمثل فيها سوى دور المتلقي الذي يطلب منه الانصياع لتنفيذ ما يفرض عليه دون ارادته، ولم يكن له اي حق في الاعتراض او التعديل او حتى الاستيضاح، و لم يتم تحديد شرعيتها من عدمها او طرق احتسابها وتقديرها طبقا لاي قواعد مشروعة والتي تفترض ان يكون هناك دورا او رأيا للطرف الملزم بتسديدها كما هو متعارف عليه في هذه المجال، حين الزمت العراق بتسديد التعويضات للكويت ودول اخرى، حيث طلبت الكويت بتعويضها بـ 350 مليار دولار عن الاضرار الناجمة عن دخول القوات العراقية الى الكويت في اب 1990 وبقائها فيها لمدة سبعة اشهر. وطالبت السعودية بتعويضات تزيد على 28 مليار دولار عن ادعائها بالضرر الذي ألحقته القوات العراقية ببيئتها من جراء اشعال النار في آبار للنفط اثناء انسحابها وكذلك تكلفة إعادة تأهيل الساحل والمصايد والصحراء إلى جانب تعويضات لدول اخرى كمصر وتركيا وايران والأردن وسورية وغيرها. وقد وافقت لجنة التعويضات التي شكلتها الأمم المتحدة بعد انتهاء حرب الخليج مباشرة على تعويضات قدرها 48,6 مليار دولار دفع منها 18,4 مليار دولار.
ولنا ان نلاحظ التقديرات المبالغ فيها من اجل تقديم التعويضات الى الكويت، فقد اعلنت الحكومة الكويتية لاحقا وفي تقاريرها الرسمية لوزارة المالية وبنك الكويت الوطني، وبعد انجاز اعمال اعادة اعمار الكويت وتاهيل مؤسساتها بان خسائرها الاجمالية جراء دخول القوات العراقية الى الكويت وما نجم عن حرب عاصفة الصحراء هو 99 مليار دولار، من ضمنها كلفة اعادة البناء البالغة 30 مليار دولار و 23 مليار دولار هي قيمة النفط الذي كان يفترض ان تصدره البلاد بين تاريخ الاجتياح العراقي للكويت وتاريخ انتهاء الحرب والمتبقي يمثل مساهماتها في تمويل حرب “عاصفة الصحراء”.
وهكذا يتضح ان المطالبة بتعويض الكويت بـ 350 مليار دولار وباكثر مما خسرت بمقدار 251 مليار دولار، المقصود بها هو نهب ثروة العراق وجعله يعيش في ضائقة مالية مستديمة وتحت رحمة الديون والتعويضات ولعدة اجيال.
فقد فرضت الادارة الاميركية، من خلال تسخيرها للشرعية الدولية لتحقيق سياساتها، حصارا اقتصاديا جائرا على العراق مست اضراره كامل المجتمع العراقي طيلة قاربة 13 عاماً، وبسببها تعرض العراق لخسارة مضافة قدرت بـ 150 مليار دولار وهي خسائر عائدات النفط غير المحققة بسبب العقوبات الاقتصادية الدولية والحصار التجاري والمالي الشامل الذي فرض على العراق لمدة استمرت 13 عاما. وقد تدبر العراق امره من خلال استخدام كل امكاناته واحتياطياته المتوفرة وبجهود ابنائه في عملية ضخمة وكبيرة لاعادة اعمار ما دمرته هذه الحرب.
ولكن الامر بالمقابل ادى الى ضعف وتدهور امكانات العراق بشكل عام مقابل الالتزامات التي فرضت عليه بعد تلك الحرب، وخصوصا مسألة التعويضات التي ترتبت للغير دون ارادة العراق، وكذلك الاعباء المالية السلبية التي سببتها ظروف الحصار، كسياسة التمويل بالعجز لتغطية متطلبات الموازنات المالية، اضافة للديون المستحقة عليه من قبل. ومع استمرار هذا الحصار الجائر، بدأت تزداد الاعباء على العراق في كل مجال وتفاقمت المشاكل في كل مرافق الحياة والتي تكمن في تهالك البنى التحتية الاقتصادية والاجتماعية بما في ذلك الانهيار على مستوى الخدمات العامة والمياه والصحة والتعليم، ولم يكن قادرا معها على مجرد التفكير باي خطة للتنمية، وهكذا استمرت معاناة الحياة تسير نحو المجهول. وبهذه الوتيرة عاش العراق بدون اي امكانية لوضع خطة للتنمية او الاعمار ولو في حدها الادنى.
ولابد هنا من العودة مجددا الى استمرار حكومة الكويت بسرقة النفط العراقي من خلال الابار التي تم حفرها في المنطقة المشتركة الممتدة جنوب حقل الرميلة الجنوبية والمشار اليها سابقا والتوسع في حفر الابار فيها. فقد سبق لوزير الخارجية العراقي السابق ناجي صبري الحديثي ان اكد بأن الكويت وبعد قيام الأمم المتحدة في 1993 بترسيم الحدود المشتركة قامت بدعوة شركات أميركية وبريطانية لتوقيع عقود طويلة الأمد للاستثمار في حقلي الرميلة الجنوبي والزبير حيث يمتد حقل الرميلة إلى منطقة الرتقة والزبير إلى منطقة صفوان على الحدود بين البلدين، وأضاف الوزير أن الشركات العالمية العاملة في الكويت قامت بعد عام 1995 بنشاط مكثف باستقدام أجهزة حفر ثقيلة وأجهزة استصلاح للعمل المباشر في المنطقتين. وقد أكدت وزارة النفط العراقية لاحقا من خلال التقارير الفنية والرصد والمسح ان حكومة الكويت سرقت ملايين البراميل من النفط العراقي طيلة فترة الحصار المفروض على العراق من خلال الابار التي حفرت في تلك المناطق التي استحوذت عليها طبقا للترسيم الحدودي الظالم الذي اقرته الامم المتحدة على العراق.
وفي اطار هذه الحرب لابد من الاشارة مجددا الى تصرفات ايران، فقد اضطرت الحرب العراق الى قيامه بارسال عدد من طائراته المدنية والعسكرية الى ايران من اجل حمايتها من قصف الاميركان وحلفائهم في ضوء الاتفاق الذي تم بين وزير النقل العراقي في حينها محمد حمزة الزبيدي والرئيس الايراني السابق رفسنجاني بحضور وزير النقل الايراني، حيث ارسل العراق ثمان طائرات مدنية من نوع بوينغ واكثر من سبعون طائرة عسكرية مقاتلة ومقاتلة/قاصفة الى المطارات الايرانية لاستضافتها، طبقا للاتفاق المذكور، خلال فترة العمليات الحربية ومن بينها افضل الطائرلت الحربية العراقية “ميغ و سوخوي و سوبراتندار وميراج” ، ولكن ايران وبعد انتهاء العمليات الحربية رفضت اعادة تلك الطائرات الى العراق بحجة ان ايران لديها التزامات على العراق جراء الحرب السابقة بين البلدين، وهذا امر مخالف للاتفاق المذكور ولكل الاعراف الدولية في تصفية الالتزامات المعلقة، وقامت بالاستحواذ على الطائرات العسكرية والحقتها بقوتها الجوية. اما الطائرات المدنية فقد قامت بصبغها بالوان شركة الطيران الايرانية و سجلتها ضمن اسطول هذه الشركة وقامت باستخدامها، وهذة تعد مخافة قانونية وفضيحة كبيرة.
رأي وحقائق بشأن الارقام الواردة حول اموال العراق والالتزامات المترتبة عليه
بالامكان تأكيد صحة المعلومات المتعلقة باموال العراق المجمدة والديون المترتبة عليه للاسباب التالية:
· إن المعلومات الواردة عن الارقام المذكورة موثق معظمها، حيث مكننا عملنا السابق في العراق في واحدة من الدوائرالحكومية المسؤولة عن الشؤون الاقتصادية من الاطلاع عليها شخصيا كونها كانت تشكل جزءا من عملنا كمختصين في الجانب الاقتصادي وفي متابعة ما يتعلق بموضوع التزامات الدولة العراقية ـ موجودات ومطلوبات ـ مع الدول الاخرى وخصوصا مع دول الخليج اشرافا وتنفيذا. حيث كانت هنالك هيئة اقتصادية عليا في العراق هي اللجنة الاقتصادية التي شكلت في عام 1989 خلفا لغرفة العمليات الاقتصادية الملغاة التي كان يترأسها طه ياسين رمضان. وترتبط تلك اللجنة الاقتصادية بديوان الرئاسة التي توالى على ترؤسها كل من سعدون حمادي ثم حكمت مزبان ابراهيم، وزير المالية، وتضم وزراء المالية والتجارة والنفط والتخطيط ـ اصبحت فيما بعد هيئة التخطيط ـ ومحافظ البنك المركزي العراقي وعدد من المدراء المختصين في الجهات المذكورة. وكان من بين اعمال هذه اللجنة، بالاضافة الى مسؤوليتها كغرفة عمليات اقتصادية للبرنامج الاقتصادي للدولة العراقية الذي كان يعيش حالة استثنائية في التخطيط والتنفيذ طبقا لمنهج المركزية في االقرار، تكليفها باعداد الجداول والبيانات الخاصة بالتزامات الدولة العراقية ـ الموجودات والمطلوبات ـ وحركتها الدورية ووفقا للبيانات الفرعية المرفوعة من قبل دوائر الدولة ذات العلاقة بموضوع التزامات العراق مع الغير. وكانت الحلقات الفنية التابعة لتلك اللجنة مسؤولة عن اعداد ومتابعة البيان الشامل لحركة تلك الالتزامات. وبحكم سياقات العمل كانت تصل تلك البيانات الى الدائرة الاقتصادية في ديوان الرئاسة للاطلاع عليها وتقييمها وابداء الرأي بشأن المعالجات والتوصيات التي تعرضها اللجنة لايجاد الحلول الممكنة للتصرف حيالها.
ونحن على يقين بان المعلومات والبيانات موجودة بالتأكيد في ارشيف الدوائر التالية: الدائرة الاقتصادية في ديوان الرئاسة وهي ضمن مجمعات ابنية القصر الجمهوري في كرادة مريم، الامانة العامة لمجلس الوزراء ومقرها بناية الجهاز المركزي للاحصاء سابقا وهي ملحلق لمبنى وزارة التخطيط، اللجنة الاقتصادية وتشغل بناية ملحقة بمبنى المجلس الوطني العراقي في الصالحية، وتتضمن كافة التفاصيل من اسماء الجهات الدائنة والمدينة ونوع الاصول واقيامها وجميع المبالغ بالارقام التفصيلية وتواريخ الاستحقاق وتفاصيل الاتفاقات والبروتوكولات المالية واسماء البنوك والمؤسسات المالية وغيرها. وقد احتلت قوات الغزو تلك المقرات في الساعات الاولى لدخولها الى بغداد وسمحت لاحقا لجماعة احمد الجلبي بالدخول اليها والاستحواذ على كل الوثائق والملفات والسجلات والاقراص المدمجة ” الديسكات ” الموجودة فيها، ثم تم لاحقا اعتقال جميع الاشخاص المعنين بهذه الامور بموجب قوائم اعدتها جماعة الجلبي وفي مقدمتهم محمد مهدي صالح الراوي وزير التجارة وعصام حويش محافظ البنك المركزي والمستشار الاقتصادي خليل المعموري واخرين غيرهم.
· هناك مطالبات رسمية للعراق في اكثر من مرة ومن خلال لقاءات رسمية او رسائل متبادلة مع الامم المتحدة للبحث في امكانية اطلاق الاموال العراقية المجمدة وجميع هذه الرسائل موثقة، وهناك ايضا محاولات مع الجامعة العربية من اجل حثها الى تأييد هذه المطالبات، وبالتاكيد ان الجامعة العربية تمتلك ايضا نسخا من تلك المطالبات وجميعها تبلغ الى حجم المبالغ المجمدة.
· ان حجم الدين المترتب على العراق وفقا للوثائق الرسمية للدولة العراقية عام 1990 ، اي قبل دخول العراق الى الكويت، بحدود 65 مليار دولار بما فيها فوائد خدمة الدين، مستثنى منها المبالغ المختلف عليها مع الكويت والسعودية والبالغة 12 و 10 مليار دولار لكلا البلدين على التوالي، كما اشرنا سابقا في الجزء الاول من هذا البحث، والتي يصر السعوديون والكويتيون على إنها ديون على العراق في حين هي في الحقيقة لم تكن إلا خليط من عدة مكونات منها تصدير كميات من النفط لصالح العراق أبان الحرب العراقية الإيرانية. فقد قامت هاتان الدولتان بداية بتصدير نحو 50 ألف برميل نفط يوميا من المنطقة «المحايدة» بين البلدين، بين العراق وتلك الدولتين، وتسمى أيضاً حاليا بـ الخفجي، نيابة عن العراق ولفترة محدودة على اثر نشوب الحرب وتوقف التصدير عبر خلال الموانئ العراقية الجنوبية البكر وخور العمية لوقوعهما ضمن مرمي القصف الايراني ولم يطن ذلك بسبب حاجة العراق المالية فقط وانما من أجل المحافظة على استمرار تدفق النفط في الاسواق ايضا. وكان النظامين السعودي والكويتي يعلنان في كل لقاءاتهما الرسمية مع المسؤولين العراقيين ان الجزء الاكبر من اموال النفط المصدر يعتبر منحة ودعما منهما للوقوف مع العراق في حربه مع ايران. اما الجزء الحقيقي للديون كقروض مالية هو عبارة عن سداد السعودية والكويت لالتزامات مالية عن العراق للآخرين، أو ضمان العراق تجاه الآخرين، أو ضمان القطاع الخاص الكويتي والسعودي للحكومة العراقية. والمتبقي هو عبارة عن تجهيز العراق بوسائل مدنية تخدم المجهود الحربي ـ ناقلات واليات ومعدات ـ شفلات وجرافات وسيارات وحديد ارامكو للمواضع واسلاك شائكة ..ألخ معضمها كان يقيد على اساس تبرعات ودعم للجهد المدني وتقديم تسهيلات في الموانئ السعودية والكويتية واعفاءات من رسوم ترانزيت وتخليص وتحميل وافراغ وتقديم مؤن ووقود للناقلات العراقية في الموانئ السعودية والكويتية وايواء القطع البحرية وتقديم جهد مدني للخط العراقي المارعبر السعودية وما الى اخره من تبرعات او تسهيلات عينية ومدنية لخدمة المجهود الحربي أبان الحرب العراقية الإيرانية.
كان الوضع هكذا على وجه التقريب عام 1990 قبل نشوب حرب الخليج الاولى والعدوان الامريكي الثلاثيني على العراق، في حين ان دوائر الامم المتحدة والجهات المالية الدولية بعد العدوان على العراق في عام 1991 تقدر ديون العراق بـ 86 مليار دولار طبقا لمعلومات واحصاءات الدول التي لها التزامات على العراق وهي تقديرات مبالغ فيها جدا خصوصا بعد احتسبت كل من السعودية والكويت جميع منحها الى العراق ديونا مستحقة مع احتساب فؤاد مترتبة عليها بدءا منذ تواريخ تقديمها للعراق.
لقد سبق لريتشارد سيغال المدير في مركز ابحاث «اكزوتكس ليمتد» البريطاني ان اوضح في ندوة تشجيع الاستثمار في العراق، والتي عقدت في اوليمبيا تشرين الاول/اكتوبر 2003 ، عن احصائيات للديون على العراق قدمتها كل من السعودية والكويت الى الامم المتحدة تقول ان العراق اقترض ما مجموعه 42.1 مليار دولار من المملكة العربية السعودية والكويت خلال اعوام الحرب العراقية الايرانية واشار الى هذا الرقم يمثل ماقدمته تلك الدولتين على انه اجمالي الديون المستحقة على العراق لفترة الثمانينيات ولغاية عام 1991 ( اي قبل دخول القوات العراقية الى الكويت ) والبالغ 23,5 دولار ، ثم ايضف له احصاءات اخرى قدمتها تلك الدولتين لاحقا تتحدث عن ديون اخرى هي (4.9 مليار دولار لديون في عام 1992 ، 4.8 مليار دولار لديون في عام 1993 ، 4.6 مليار دولار لديون في عام 1994، 2.9 مليار دولار لديون في عام 1995، واخيرا 1.3 مليار دولار لديون لعام 1996 وما تلاها) .
وهنا نلاحظ من خلال ما اورده “سيغال” ان السعودية والكويت قامتا بتقديم تلك الارقام لتضخيم حجم المديونية على العراق، حيث ان تلك الارقام الاخيرة تتعلق بديون متحققة على العراق في سنوات ما بعد حرب الخليج وخروج القوات العراقية من الكويت، في الوقت الذي لم تكن هناك اية علاقات سياسية او تجارية بين العراق وتلك الدولتين، فكيف تمكن العراق من القيام بعمليات اقتراض من تلك الدولتين بعد ان فرض واقع الحرب قطع العلاقات التام بين البلدين؟ هذا من جهة، ومن جهة اخرى فإن فرض الحصار الاقتصادي على العراق لم يسمح له باقامة تعاملات اقتصادية دولية مع اية دولة في العالم. واذا كان التساؤل قد يثار بان هذه المبالغ ربما تمثل خدمة الديون ( الفوائد المترتبة على الدون المستحقة )، فالاجابة بباسطة لايمكن ان تكون حجم الفوائد بهذه الضخامة أطلاقا وفق لاي احتساب، ونعتقد انها ارقاما مختلقة ووهمية وليست حقيقة اطلاقا اذا ما قورنت بحقيقو ما موجود في الوثائق الرسمية الخاصة بالالتزامات بين البلدين والتي تمتلكها الاجهزة الرسمية للدولة العراقية التي عمل الاحتلال الاميركي على تدميرها وساهمت جماعات دخلت مع المحتلين بحرق دوائرها والاستيلاء على وثائقها .
لقد قدم العراق وثيقة رسمية إلى مجلس الأمن عام 1990 تثبت بما لايقبل الشكل ان مديونية العراق هي (42) مليار دولار مع فوائد خدمة الدين بالإضافة إلى المديونية العربية لتبلغ في مجموعها 65 مليار دولار وهذا هو الموقف العراقي الرسمي ازاء الديون المترتبة عليه ،لذا فأن جميع الأرقام التي اوردتها اية جهة رسمية او دولية ما هي الا تقديرات غير رسمية تعتمد على احصاءات غير دقيقة قدمتها الدول والجهات المعنية بهذه الديون بقصد المبالغة والابتزاز ، كما ان العراق فاتح الامم المتحدة اكثر من مرة بعد عام 1991 بشان اعتماد الوثائق التي تبين الحجم الحقيقي لمديونيته في اطار تثبيت الالتزامات المتقابلة و البحث في مصير اموال العراق المجمدة ومحاولة اطلاقها ، وقد كان موقف المنظمة الدولية هو اجابة العراق بأن القضية ليست مثار بحث في الوقت الحاضر قبل ان يقوم العراق بتنفيذ كافة الالتزامات المترتبة عليه في قرار مجلس الامن، في حين ان المنطمة الدولية سمحت لنفسها بقبول الاحصاءات والمطالبات والادعاءات التي قدمتها الدول الاخرى، مما يؤكد الحقيقة الثابتة انه في ظل الحصار السياسي والاقتصادي على العراق ووضعه في موضع المنفذ للقرارات المفروضة عليه من قبل مجلس الامن جعل اطراف دولية عديدة تقوم باستغلال هذه الحالة لتثبيت التزامات وحقوق على العراق، وكانت المنظمة الدولية تتجاوب معهم بشكل تام نتيجة لسياسة الابتزاز والضغوط الاميركية التي هيمنت على الامم المتحدة وقراراتها التي تتعلق بالعراق. ولا يمكن تعليل هذه المبالغة والتضخيم بحجم مديونية العراق الا بكونها تمثل نوع من الابتزاز السياسي والاقتصادي انطلاقا من حالة العداء للعراق والشعب العراقي.
للاطلاع على الجزء الاول : انقر هنــــــآ
جميع المقالات عتبر عن رأي كتابها ولا تمثل يورو تايمز