د. عبدالرزاق محمد الدليمي: مآساة التعليم في العراق بعد الاحتلال
![](https://i0.wp.com/euro-times.com/wp-content/uploads/2024/11/IMG-20240305-WA0008-1-1.webp?resize=590%2C470&ssl=1)
الجزء الاول
بدايةً كاتب هذه السطور ابن التعليم العالي وتدرج في سلمه من مدرس مساعد الى استاذ وعمل رئيس فرع وتدريسي ورئيس قسم ثم عميد لغاية يوم التاسع من نيسان 2003 المشؤوم ..عبر نظام وتعليمات دقيقة وموضوعية حملت في طياتها كل ماتعنيه سمات البنية التعليمية التميزة حتى في ظروف الحصار المجرم على بلدنا …ما حدث بعدها كان كارثة إذا جاز التعبير، فأصبحت الجامعات (سيما الاهلية ) تقبل كل من هب ودب بغض النظر عن المستوى وفي أدق التخصصات. وكان لا بد مع هذا العدد الهائل من المقبولين أن يكون ذلك على حساب مستوى مخرجات التعليم العالي، فانحدر المستوى العام بشكل كارثي وأصبح ظاهرة ملموسة ليس فقط في الكليات النظرية فقط بل في العلمية أيضاً، لدرجة أن البعض أصبح يطلق على بعض الجامعات تندراً أنها أصبحت مدارس ثانوية عالية!!.
فقد تكدَّست الأعداد الهائلة من الطلبة في القاعات الدراسية، وتراكمت بنفس العدد في المختبرات والمعامل وتكوَّمت في المكتبات والمدرجات، لدرجة أن الطلبة أصبحوا في بعض الكليات يتصاعدون على أكتاف بعضهم البعض ليشاهدوا أستاذ المادة وهو يشرح… ولم يجد طلبة الطب مثلاً، بسبب العدد الكبير من المقبولين فرصة ليفحصوا مريضاً أو يُشرِّحوا جثة أو يخيطوا جرحاً وأصبح وللأسف تعلُّم الطب في بعض الكليات شفوياً، ولم يكن الأمر محصوراً على الكليات الطبية فقط بل امتد إلى الكليات العلمية الأخرى.. وبسببه يتخرَّج الألوفُ من هذه الكليات دون أن يفقهوا شيئاً في تخصصاتهم، وهبط المستوى العام لدرجة أن الخريج السعودي أصبح مرفوضاً وللأسف في سوق العمل.
واللافت للنظر أن انحدار المستوى العام للغالبية الخريجين أصبح ظاهرة واضحة في كل الاختصاصات فتراجعت اللغة العربية الفصحى وشاعت الأمية اللغوية، وكان لابد مع هذا التكدُّس والكم الهائل من المقبولين أن يهبط النوع إلى مستوى غير مسبوق ليس فقط بالجامعات والكليات الاهلية التي اصبحت مثيرة للجدل بل كذلك كثير من الجامعات الحكومية التي كانت منارا متميزا في التعليم الكفئ.
في الوقت الذي يعيش فيه العالم برؤية التحول الى الاقتصاد المعرفي نلاحظ تجاهلمؤسسات التعليم العالي عن وضع الخطط الإستراتيجية لتحقيق الرؤيةعلما انالمناهج الدخيلة ذات النكهة غير المرغوب بها علميا ومعرفيا التي يجب ان تشطب وتتغير العملية التعليمية من الأسلوب المتخلف المعتمد الى الأسلوب الحديث المبنيعلى دعوة العقل إلى التفكير والإبداع لأننا نعيش عصر التقنية وثورة الاتصالات والمعلومات، فلابد من تغير أساليب التعليم تماماً، لابد أن تتحول الجامعات إلى جامعات ريادية.
التحديات الكبيرة التي تعيق تطوير النظام التعليمي
تواجه عملية النهوض بالتعليم في العراق بعد الاحتلال العديد من التحديات الكبيرة التي تعيق تطوير النظام التعليمي وتحقيق جودة تعليمية تلبي احتياجات المجتمع وتواكب التطورات العالمية. هذه التحديات هي نتيجة لعدة عوامل، سواء كانت تاريخية أو سياسية أو اقتصادية، وتشمل العديد من الجوانب. وفيما يلي أبرز التحديات التي يواجهها التعليم في العراق في واقعه الحالي:
1. التدهور في البنية التحتية
النظام التعليمي في العراق يعاني من نقص حاد في البنية التحتية. العديد من المدارس والجامعات بحاجة إلى صيانة وإعادة بناء، بسبب التدمير الذي تعرضت له خلال الحروب والصراعات المسلحة. في كثير من المناطق، ما زال الطلاب يدرسون في مبانٍ قديمة وغير مجهزة، مع نقص في المرافق الأساسية مثل المكتبات والمعامل.
2. نقص الكوادر التعليمية المؤهلة
تعاني المدارس والجامعات العراقية من نقص حاد في الكوادر التعليمية المؤهلة. المعلمون والأساتذة في العديد من المناطق يعانون من قلة التدريب المهني، كما أن الأعداد الكبيرة من المعلمين الذين هاجروا أو قتلوا بسبب العنف والمشاكل الأمنية تسببت في فقدان الكثير من الخبرات التعليمية. إضافة إلى ذلك، فإن الرواتب المتدنية والعوامل الاقتصادية تساهم في عزوف الشباب عن الانخراط في مهنة التعليم.
3. التدخلات السياسية والمليشيات
كما تم الإشارة سابقًا، يتعرض التعليم في العراق لتدخلات سياسية عميقة، سواء من قبل الجماعات المسلحة أو بعض القوى السياسية التي تسعى لاستخدام التعليم كأداة لترويج أفكارها. في بعض الحالات، يتم فرض مناهج تعليمية تخدم أجندات سياسية معينة، مما يعوق تطوير التعليم الأكاديمي الذي يركز على التفكير النقدي والإبداع.
4. نقص التمويل والتخصيصات المالية
على الرغم من أن العراق يمتلك موارد كبيرة، إلا أن تخصيص الميزانيات لقطاع التعليم غالبًا ما يكون غير كافٍ. هناك ضعف في توجيه الأموال اللازمة لتطوير المدارس، تحسين ظروف العمل للمعلمين، وتحسين جودة التعليم. في بعض الأحيان، تُخصص الأموال لقطاعات أخرى، مثل الأمن والجيش، مما يترك قطاع التعليم يعاني من ضعف في الموارد المالية.
5. النزوح الداخلي والصراعات
النزاعات الداخلية والتوترات الأمنية في بعض المناطق العراقية أسهمت في تدهور عملية التعليم. الكثير من الأسر اضطرت للنزوح بسبب العمليات العسكرية، مما أدى إلى انقطاع الأطفال عن التعليم لفترات طويلة. المدارس في بعض المناطق تضررت جراء العنف، وهناك تحديات كبيرة في توفير بيئة تعليمية آمنة للأطفال.
6. ضعف جودة المناهج التعليمية
تحتاج المناهج التعليمية في العراق إلى إصلاحات جذرية. المنهج الدراسي في العراق قديم ويعاني من قصور في توفير المهارات الضرورية للطلاب في عصر التكنولوجيا. هناك تركيز كبير على الحفظ والتلقين، دون تنمية مهارات التفكير النقدي والتحليل، مما يحد من قدرة الطلاب على التفاعل مع التحديات المعاصرة.
7. الأمية والعوائق الاجتماعية
الأمية ما زالت تشكل تحديًا كبيرًا في العراق، خاصة في المناطق الريفية والنائية. العوامل الثقافية والاجتماعية قد تؤثر على مشاركة الأطفال، خصوصًا الفتيات، في التعليم. في بعض الأحيان، تكون هناك مقاومة اجتماعية للتعليم بسبب العادات والتقاليد التي تحد من تعليم الفتيات أو تفضل تعليم الذكور.
8. اللامركزية والفساد الإداري
إدارة التعليم في العراق تعاني من اللامركزية، مما يؤدي إلى تضارب في السياسات التعليمية وتنفيذها. كما أن الفساد الإداري في المؤسسات الحكومية يعيق توزيع الموارد بشكل عادل ويؤثر على جودة التعليم في بعض المناطق. في بعض الأحيان، يُستغل منصب المسؤولين في التعليم لتحقيق مكاسب شخصية، مما يساهم في تدني مستوى الخدمات التعليمية.
9. استخدام التكنولوجيا في التعليم
رغم التطور السريع في مجال التكنولوجيا، فإن العراق ما زال يواجه تحديات في إدخال التكنولوجيا بشكل فعّال في العملية التعليمية. البنية التحتية الرقمية ضعيفة في العديد من المدارس، كما أن الطلاب لا يتاح لهم الوصول إلى الأدوات التكنولوجية الحديثة التي يمكن أن تعزز من مهاراتهم التعليمية. وهذا يضع العراق في موقف متأخر مقارنة بالدول الأخرى في هذا المجال.
10. تأخر الإصلاحات التعليمية
على الرغم من ضرورة الإصلاحات الجذرية، إلا أن عملية الإصلاح التعليمي في العراق تسير ببطء شديد. غالبًا ما تكون هناك مقاومة للتغيير من بعض الجهات الحكومية، كما أن عدم وجود خطة استراتيجية شاملة وقابلة للتنفيذ يعوق تطور النظام التعليمي. توجد حاجة ماسة لتنفيذ سياسات تعليمية واضحة ومستدامة تسهم في تطوير التعليم على المدى الطويل.
تحديات النهوض بالتعليم في العراق معقدة وتحتاج إلى تكاتف الجهود من قبل الحكومة، المجتمع المدني، والمنظمات الدولية لتحقيق الإصلاحات الضرورية. على الرغم من التحديات الكبيرة، فإن تحسين الوضع التعليمي في العراق يعد أمرًا حيويًا لتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية المستدامة.
يتبع
جميع المقالات تعبر عن رأي كتابها ولا تمثل رأي يورو تايمز