آراء

نزار العوصجي: الواقع المتردي للصناعة العراقية في ظل الأحتلالين الأمريكي و الإيراني

لا نغالي حين نقول ان الصناعة تعتبر عصب الحياة و شريانها ..
الحديث عن العراق ذو شجون يدفعنا الى التركيز على تشخيص الأسباب الرئيسية التي أدت بالعراق الوصول إلى هذا المستوى من الأنهيار في كل شيئ و منها الصناعة التي تأثرت بشكل كبير و مباشر ، فالأحتلال الأمريكي و من ثم الإيراني هم من أرادوا شراً بالعراق و لا زالوا ، من خلال أدواتهم المتمثلة بالعملاء و القتلة و المرتزقة المهيمنين على مقاليد السلطة ، لذا لا نعتقد ان اي طرح لمعالجة الموقف يكون قابل للتنفيذ في ظل وجود السبب و المسبب ..

لم يسبق للصناعة العراقية ان اهملت كما هو حالها اليوم ، فقبل عقود من الزمن كان العراق مصنع للعالم العربي و الشرق الأوسط ، فلا تطلب شيئا إلا و تجده “صنع في العراق”، حيث كان رائداً في صناعات كثيرة ، و سباقاً في تأمين الحاجيات الأساسية التي يحتاجها المواطن ، لينتهي به الحال اليوم إلى بلد مستهلك ، يستورد كل شيئ بكل ما للكلمة من معنى ..
اليوم “لا شيء يصنع في العراق” و هذا ما يؤكده التجار العراقيين و أصحاب المحلات و المستهلك في محافظات العراق كافة ، مؤكدين بالدليل القاطع الحالة المأساوية التي وصلت إليها الصناعة في بلاد الرافدين ، فبعدما كان العراق يصنع و يصدر بات يستورد و يستهلك ، في مشهد تراجيدي يدمي قلوب العراقيين المخلصين ، بعد التدني الملحوظ في قطاع الصناعة ، قياساً بدول الجوار ، و لولا النفط لما كان العراق يصدر شيئاً ..

ان الواقع المأساوي للصناعة في العراقي منذ 2003 و لحد الأن يدفعنا الى بذل الجهود لأيجاد المعالجات العملية القابلة للتنفيذ ، عندما تكون هنالك ارادة حقيقية للنهوض بها ..
ان الموقف من قضية الصناعة العراقية بقطاعاتها الثلاثة العام و المختلط و الخاص هو مقياس لمصداقية و حرص أية حكومة ، في إي وقت و زمان ، و هذا يتطلب من المعنيين بالأمر ما يلي :

أولاً : التركيز على وضع خطة استراتيجية توفر التخصيصات اللازمة للقطاع الصناعي ، و إعطاء الأولوية للصناعات ذات المدخلات المحلية البتروكياويات ، الصناعة النفطية ، الصناعات الإنشائية ، صناعة الزجاج ، صناعة الأسمدة بمختلف أنواعها ، الصناعات الغذائية ، و بإمكان الحكومة أن تستفيد من تجربة القطاع المختلط لجذب استثمارات العراقيين لهذه الصناعات ، بدلاً من اللجوء للبيع و الخصخصة للعرب أو الأجانب ، لأن القطاع المختلط سيبقى جزءأ كبيراً من الأسهم بيد الدولة ، مما يجعل لها رأيا أساسياً في عملية التشغيل بأيد عاملة عراقية لامتصاص البطالة من جهة ، و للتدخل في السياسة السعرية للمنتجات النهائية ، فالأعتقاد السائد أن هناك استثمارات عراقية فردية كبيرة يمكن أن تسهم في عملية إعادة تأهيل و تطوير هذه الصناعات ، خاصة إذا جرى التركيز على الجانب الأمني لتبديد مخاوف المستثمرين ..

ثانياً : تطوير الصناعات الميكانيكية و الهندسية القائمة لما لها من أهمية كبيرة ، حتى ولو تم ذلك بالمشاركة مع شركات عالمية تمتلك الخبرة ، لتسهم في رفد السوق العراقية بصناعاتها من جهة و لامتصاص البطالة ، و دعم صناعة البرمجيات التي تعتبر من الصناعات المستقبلية الهامة للبلد ..

ثالثاً : تشكيل هيئة للحماية الصناعية الوطنية ترتبط بمجلس الوزراء ، تضم ممثلين عن قطاعات الصناعة و التجارة و القطاع الخاص ، ممثلا بأتحاد الصناعات و أتحاد الغرف التجارية ، لتامين منح نسبة من الحماية للصناعات العراقية ، لكي تحتل جزءأ من مساحة السوق المحلية ، و هذا سيساعد الحكومة بشكل كبير على امتصاص البطالة و على منح فرصة للصناعات العراقية لتطوير نفسها ، و أعتماد سياسة ضريبية بالنسبة للمستوردات تعطي هامشا للصناعة الوطنية العراقية ..

رابعاً : إعادة هيكلة الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية ، و تعزيزه بالكوادر العراقية الكفوءة و المؤهلة و النزيهة ، و تعزيزه بالصلاحيات اللازمة للسيطرة على انسيابية البضائع الرديئة ، و غير المطابقة للمواصفات التي تستنزف المستهلك العراقي ، و تملأ الأسواق حاليا ، مع مراعاة تمييز موظفي هذا الجهاز ، من حيث الرواتب و المخصصات ، لضمان عيش كريم لهم ، مع ملاحظة أن هذا الجهاز بحاجة إلى تطهير من العناصر الفاسدة أيضا ..

خامساً : دراسة واقع شركات القطاع المختلط القائمة و تقديم الدعم لها لتعود إلى ساحة العمل و الإنتاج و سد حاجة السوق المحلية وصولاً الى الأكتفاء الذاتي في الكثير من الصناعات التي يتم أسترادها ، و يمكن لهذه الشركات أن تزيد رأسمالها ، أو أن تدخل في مشاركات من أجل التطوير و التحديث بسبب تقادم معداتها ..

سادساً : دراسة واقع مشاريع القطاع الخاص المتوقفة بشكل جدي وتقديم الدعم للمشاريع القادرة على تكييف نفسها ، و العودة إلى العمل و الإنتاج و تشجيع إقامة صناعات جديدة لهذا القطاع ، و هذا يتطلب تنشيط الإدارات المهتمة بهذا القطاع و قوانينه و تسهيلاته ، و إعادة الحياة لاتحاد الصناعات العراقي كمنظمة تنموية مستقلة ، يتكامل دورها مع المؤسسات ذات العلاقة بهذا القطاع ..

سابعاً : و هذا أهم ما في الأمر ، إبعاد العمل في القطاع الصناعي و مؤسساته عن العمل الحزبي و إعطاء الدور القيادي للكفاءات العراقية ، بعيدا عن الانتماء الحزبي أو الديني أو الطائفي ، و الاستعانة بذوي الخبرة الفنية و الإدارية و التسويقية من الإدارات الصناعية السابقة ، ومن الصناعيين العراقيين كاستشاريين في القطاع الصناعي ..

السؤال الأهم ، هل ستلقى هذه المقترحات اهتماماً لدى أصحاب القرار في أدارة الدولة ، في الوقت الحاضر؟

جميع المقالات تعبر عن رأي كتابها ولا تمثل يورو تايمز

زر الذهاب إلى الأعلى