انعام كجه جي: طيَّار الخميني
في مثل هذه الأيام قبل 46 عاماً، عاد الخميني إلى طهران على متن طائرة مدنية فرنسية. نشرت صحف العالم صورة رجل دين يرتدي العباءة، ينزل درج الطائرة مستنداً إلى ذراع طيارها. وتقديراً للطيار الفرنسي جان موي الذي خاطر بقيادة تلك «الرحلة الخاصة»، أنجز التلفزيون الإيراني تقريراً عنه. وبعد عقود من الزمن كشف الطيار أن الرجل الظاهر في الصورة الشهيرة كان مضيف الطائرة.
في أولى ساعات الأول من فبراير (شباط) 1979 تحرك موكب الخميني من مقر إقامته في ضاحية «نوفل لو شاتو»، غرب باريس، نحو مطار شارل ديغول. تولى 5 آلاف شرطي تأمين الطريق. تحركت الـ«بوينغ 747» وعلى متنها 200 راكب، ثلاثة أرباعهم من الصحافيين. وصلت مطار مهر آباد في طهران في التاسعة وخمس دقائق بالتوقيت المحلي. كان في انتظارها بحر متلاطم من 4 ملايين شخص.
أمضى الخميني في فرنسا 4 أشهر. يستقبل الزوار متربعاً في الحديقة تحت شجرة تفاح. وخلال 112 يوماً أجرى 130 مقابلة صحافية واختارته مجلة «تايم» رجل العام. زاره السياسي الفلسطيني فاروق القدومي بصحبة موفد ليبي، وتعهد الرجلان بإيصال أسلحة من ليبيا إلى أنصاره في إيران. غير مسموح للاجئ أن يمارس نشاطاً سياسياً لكن أشرطة تسجيلاته عبرت الحدود. اقترحت الأجهزة ترحيله إلى الجزائر ومنع الرئيس الفرنسي فاليري جيسكار ديستان التنفيذ في اللحظة الأخيرة.
في البحر الكاريبي، في الأسبوع الأول من 1979، ترتبت عودة الخميني إلى إيران. اجتمع في جزيرة غوادلوب كل من ديستان والأميركي جيمي كارتر ورئيس الوزراء البريطاني جيمس كالاغان والمستشار الألماني هلموت شميدت. تداولوا في مصير محمد رضا بهلوي. وسيكتب جيسكار في مذكراته أن الأميركي أبلغهم سحب يد الولايات المتحدة من حليفها الإيراني. لكن كارتر سيناقض تلك الرواية وسيسجل في مذكراته أن فكرة التخلي عن الشاه جاءت من الثلاثة الآخرين.
لم يتطوع أي من طياري الخطوط الفرنسية لقيادة طائرة الخميني باستثناء جان موي. كان معه مساعده وثلاثة مضيفين ومضيفة. اعترض خطيب المضيفة على سفرها لكنها وصلت في الموعد. وقاد الكابتن الرحلة المحفوفة بالمخاطر دون أن يعرف الكثير عن الراكب العجوز. لم يتبادلا كلمة. إيماءة من الرأس عند الركوب ومثلها عند النزول. صورة وحيدة علقت بذاكرة جان موي. دخل الخميني حمام الطائرة بمئزر أصفر ليستعد لصلاة الفجر وعندما خرج كان بمئزر وردي فاتح.
حلَّقوا فوق ست دول أوروبية والاتصالات مستمرة مع إدارة الشركة الفرنسية. راود الطيار إحساس سيئ عند الوصول إلى مطار طهران. لم يحب المدرج. عاد وارتفع بالطائرة ودار بها لعشر دقائق ثم هبط وأنزل الركاب وبعدها حلَّق نحو مطار أبو ظبي. لم تبقَ الطائرة في طهران لأسباب أمنية. في اليوم التالي عادت إلى باريس. كان على متنها هذه المرة إيرانيون هاربون من بلادهم… ومن الزائر الجديد
نقلا عن الشرق الأوسط