آراء

نزار العوصجي: ألسياسة الأمريكية و ألغربية

تتضارب الأراء حول عملية التغيير المتوقعة في العراق ، و ما نطرحه من رأي يتقاطع مع تحليلات المحللين ، كونه يتعارض مع شعار الديمقراطية التي جاء بها الأحتلال ، و التي تحرص أمريكا و الغرب ( من وجهة نظر المحللين ) اشد الحرص على ارساء معالمها و التمسك بتطبيقها ، لذا يرون ان من المستبعد ان تقدم الأدارة الأمريكية و الغرب ، على القيام بإي عمل منافي داخل العراق ، حفاظاً على العملية السياسية الحالية ، و ان لا مناص من ان تتم عملية التغيير من خلال صناديق الأنتخاب ، و هذا صحيح 100% عندما تكون الظروف طبيعة ، فالأنتخابات هي السبيل لتحقيق التغير المنشود الذي تطمح اليه الجماهير ..

و لتعزيز رؤى المطلعين و لكي تتضح صورة ألسياسة الأمريكية بشكل خاص و الغربية بشكل عام ، لابد من التعمق في فهم المبادئ الأساسية التي تستند اليها سياساتهم وفق منظورها العام ..
تلك المبادئ المبنية على حماية مصالحهم الخاصة قبل كل شيئ ، من خلال إشاعة نظام القبول بمبدء الشراكة ، باعتبار ان الثروات الطبيعي في إي بقعة من بقاع العالم لا تقتصر ملكيتها على ساكنيها ، بل هي ملك للجميع ، فالنفط مثلاً لا يزرع في مناطق انتاجه لكي يقتصر مردوده على شعوبها فقط ، لذا فأن من حق الدول الأخرى الحصول عليه ، كذلك هو الحال من وجهة نظرهم الى المواقع الجغرافية كالبحار و الخلجان ، فأن الفائدة المتأتية منها لا تقتصر على شعوب بعينها دون غيرها ..
و لتحقيق هذا المنطلق الذي تنطلق منه السياسة الأمريكية و الغربية ، لابد من تسمية السياسيين الذين يتولون السلطة في عدد من الدول ، حيث ان تسميتهم تأتي تبعاً للظروف المرحلية بما يتناغم مع تطلعات أمريكا و الغرب ، و خير مثال على ذلك هم السياسيين العراقيين ..

فالسياسيين من وجهة نظر أمريكا و الغرب ، هم أدوات تستخدم للوصول الى الهدف ، و تستمر عملية إستخدامهم لحين انتهاء الصلاحية Expire ، لذا فانهم يعمدون الى إقتناء الأدوات الرخيصة ذات المعدن الرديئ التي لا تكلفهم غالياً ، لكي يسهل عليهم تغيرها حين تصدء دون ان يشكل تغيرها عبئاً مادياً ..
تلك هي الحقيقة التي تحاول الطبقة السياسية التي جاء بها المحتل جاهدة الى نكرانها ، و عدم الأقرار بها ، رغم علمهم علم اليقين انها الواقع الذي لا يمكن تغيره مهما حاولوا ذلك ..

يساورنا الشك حين يتجاهل البعض من المحللين الأهداف الأساسية التي دفعت الى غزو العراق ، و هل جاءت نتيجة حرص أمريكا و الغرب على إرساء معالم الحرية و الديمقراطية فقط ، إم هنالك شيئ إخر أكثر أهمية من ذلك ، إم ان غزو العراق و إحتلاله كان خطأً كما يروج البعض ..
لقد تعاملت جميع الدول الاقليمة و الدولية بما فيها الدول العربية ، مع العراق وفق مبدأ تغليب المصالح الذاتية لها ، على حساب مصالح العراق الاقتصادية و الامنية و السيادية ، لذا نجد أن المخططات التأمرية التي استهدفت وجود النظام الوطني كثيرة لا حصر لها ، من خلال العمل على استنزافه مادياً و معنوياً ، و ايجاد السبل الكفيلة بتدمير اقتصاده و زعزعة امنه و استقراره ..
لقد حرصت الأدارة الأمريكية منذ عقود على وضع مخططات لرسم مستقبل دول المنطقة و في مقدمتها العراق ، حيث تعد استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية حيال العراق بعد الاحتلال عام 2003 ، جزء متوافق مع استراتيجيتها الشاملة لمنطقة الشرق الأوسط الجديد عموماً ، لأنها تنظر للمنطقة و العراق في المقدمة كمفصل أساسي و مؤثر في أحوال منطقة الشرق الأوسط ، و ما يحيط به من جوانب جيو- استراتيجية ، لذا تنظر الولايات المتحدة الى الشرق الأوسط وفق ثلاث معطيات رئيسية هي :
⚫️ ضمان السيطرة على منابع النفط (( و لم يتحقق بسبب تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة )) ..
⚫️ ضمان الحفاظ على استمرارية الأنظمة الخانعة الحاضنة للمصالح الأميركية (( و لم يتحقق لنفس السبب )) ..
⚫️ ضمان أمن ألكيان الصهيوني (( و لم يتحقق ايضاً بسبب استفحال الميليشيات المرتبطة بإيران )) ..
هذه المعطيات يمكن أن تفسر معظم سلوكيات الولايات المتحدة حيال الشرق الأوسط ، بيد ان هذا لا ينفي إمكانية التغيير في الاستراتيجية الأميركية بسبب حركية المتغيرات الدولية ، التي تستوجب التكيف و التعاطي مع المستجدات على الصعيدين الإقليمي و العالمي ..

لقد سعت الحكومتين الأميركية و البريطانية الى تحقيق المعطيات الثلاثة التي اشرنا اليها اعلاه ، الى جانب وضع اليد على ثروات العراق النفطية الهائلة ، لذلك عبرت جيوشهم البحور والمحيطات ، و انفقوا أكثر من ترليونين دولار ، و ضحوا بألاف الجنود ..
لقد تحدثت تقارير عديدة عن التحريض على غزو العراق من طرف مسؤولي شركات نفط أميركية كبيرة ، من بينها مثلا مجموعة هاليبيرتون النفطية التي كان يتولى إدارتها آنذاك ، حتى عام 2000 ، نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني ..
و يستدلون على صحة ذلك بأن وزارة الدفاع الأميركية البنتاغون منحت شركة هاليبيرتون في نوفمبر / تشرين الثاني 2003 ، عقدين مختلفين :
الأول بسبعة مليارات دولار لإعادة تأهيل البنى التحتية النفطية العراقية و التزويد بالمنتجات النفطية المكررة في العراق ..
و الثاني لتقديم دعم لوجستي للقوات الأميركية في الشرق الأوسط و آسيا الوسطى بقيمة 8.6 مليارات دولار ..
كما أكدت وثائق سرية حكومية بريطانية ، وجود علاقة قوية بين شركات و مؤسسات نفطية و عملية غزو العراق ، و قالت إن خططاً لأستغلال الأحتياطي النفطي العراقي تمت مناقشتها بين مسؤولين حكوميين ، و بين كبريات الشركات النفطية العالمية ، و خاصة البريطانية منها بينها ( شركات “شل” و”بي بي” و”بي جي”) ..

من ما تقدم من وقائع لا تقبل التشكيك تتضح اكذوبة تحرير العراق ، التي تذرعت بها قوات الغزو الباغية ، و الغاية من تباكيهم على الحرية و الديمقراطية الزائفة التي تنادي بها أمريكا ، حين اقدموا على تنفذ مخططهم الخبيث ، و إرتكاب أبشع جريمة شهدها التأريخ ..
لقد تبين لأمريكا بعد ذلك ان المستفيد الأول من غزو العراق هي إيران ، من خلال سيطرتها المطلقة على موارده ، و حصولها على مئات المليارات من الدولارات ، كما انها تقف حائل دون تحقيق الطموحات الأمريكية و الغربية ، بعد ان جندت عملائها في عدد من الأقطار العربية ، لذا فان أحتمالات قطع اذرع إيران داخل العراق أمر وارد جداً ، مثلما فعلوا حين أقدموا على القضاء على حزب الله في لبنان و سوريا ..

هنالك مثل عراقي شائع يقول :
أگعد أعوج وأحچي عدل ..
لهذا نأمل ان يتكرم علينا المحللين السياسيين في طرحهم للحلول العملية الممكنة ، التي تتيح إجراء أنتخابات ديمقراطية سليمة لتغيير العملية السياسية ، في ظل سطوة الميليشيات الأجرامية التابعة لأحزاب السلطة المرتبطة بإيران ، و المتخمة بالمال الحرام المنهوب من ثروات العراق ، من دون تدخل خارجي ..

جميع المقالات تعبر عن رأي كتابها ولا تمثل يورو تايمز

زر الذهاب إلى الأعلى