نزار العوصجي: الخجل والحياء والكرامة
الحياء هو ليس الخجل ، فالحياء لا يأتي إلا بخير ، و هو خلق يحمل صاحبه على ترك القبيح من الأفعال ، أما الخجل فحالة من الضعف النفسي ، تمنع الإنسان من أن يكون له دور جميل ينفعه و ينفع غيره ، فيفوّت الخجول على نفسه أو غيره خيراً ، لذا فإن العاقل يستعيذ بالله من الخجل ، و يسأل الله أن يرزقه الحياء ..
و عن معنى يستحي في قاموس اللغة العربية ، استحى فلانٌ من فلان ، إي خجل منه ..
إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَافْعَلْ مَا شِئْتَ ..
{وَاللهُ لاَ يَسْتَحِي مِنَ الْحَقِّ} ..
{فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ} ..
استحى الأسيرَ ، إي تركه حيًّا فلم يقتله ..
أما الكرامة فهي أحترم الأنسان لذاته كما انها حق الفرد في أن تكون له قيمة بين الأخرين ، و أن يُعامل بطريقة أخلاقية ..
كما ان الكرامة ذات أهمية في الأخلاق و القانون و السياسة كأمتداد للمفاهيم البشرية المتحضرة ، للحقوق الطبيعية و الحقوق القانونية ..
و يستخدم مصطلح الكرامة أحيانا لوصف التصرفات الفردية مثل “التصرف بكرامة” ، إي ينتخي الفرد لنفسه حين تستدعي الحاجة لذلك ، فيتصدى لكل ما من شأنه الأساءة لنفسه و لأهله و لبلده و لشعبه ..
كم هي جميلة لغتنا العربية ، كم هي واضحة و سلسه ، لم تترك مفردةً دون إيضاح ، فمن خلالها يمكن للأنسان العاقل ان يدرك معاني الخجل و الحياء و الكرامة ، فيتبينها لتكون نبراس ينير له الطريق في سلوكه و حياته اليومية ..
من هنا نستدل بإن مفردات اللغة العربية تضم في طياتها جانب من التهذيب الأخلاقي و السلوكي ايضاً ، يتوجب علينا جميعاً أن نقتدي به و ننهل منه ، و في مقدمة من هو بحاجة الى فهم تلك المفردات ، هم صناع القرار في المجتمع ، الذين يتصدرون المشهد السياسي في يومنا هذا ..
عليهم ان ينهلوا من تركيبتها القيمية كل ما يتعلق بعلاقتهم مع أبناء الشعب ، في جانبي التهذيب الأخلاقي و السلوكي ، الا اننا مع شديد الأسف ، نجدهم أبعد ما يمكن عنها ..
فما لمسناه خلال أل 21 عاماً ألماضية ، منحنا ثقة تامة بعدم أدراك الساسة لمبادئ القيم و الأخلاق بل العكس تماماً ، لا علاقة لهم بها من قريب إو من بعيد ، و هذا مؤشر يدعوا الى ألقلق و يدعونا للبحث عن السبب ..
فأول ما يتبادر الى الأذهان ان ألسبب هو عدم أنتمائهم الى وطنهم و الى المنظومة القيمية العربية ، كونهم دخلاء يتخفون خلف مسميات لا يمتون لها بشيئ ، ذلك لأن الفعل يدل على الفاعل ، و يظهر حقيقة صفاء و نقاء معدنه ، فالعرب كما اشرنا سلفاً متمسكون بأخلاقيات تعكسها لغتهم العربية بوضوح لا لبس فيه ..
لم يشهد العراق العربي عبر التأريخ شخوص يشبهون دخلاء اليوم ، حيث إجتمعت فيهم كل مقومات الفساد و الرذيلة ، لم يتركوا فعلاً شائناً إلا و اقترفوه ، لم يتركوا سيئة إلا فعلوها ، متخذين من الدين غطاء و من المذهبية وسيلة و من فتاوى المرجعية حجة ، الأمر الذي مكنهم من ان يرتكبوا بحق العراق و العراقيين أبشع ألجرائم و إشد المعاصي ، التي ترفضها الأديان و الشرائع السماوية ..
لقد حولوا العراق إلى غابة تسرح فيه الوحوش و تمرح دون حسيب إو رقيب ، حتى صار مضرباً للأمثال في سوء الحال ألذي وصل إليه ..
ذلك ما بدا جلياً للعيان و على مسامع ألعالم في الكثير من الأحاديث و الخطابات ، و منها رسالة الغنوشي القيادي التونسي في مؤتمر عقد في تركيا و هو يقول : لن أعمل لتكون تونس مثل العراق !!
و قبله بأيام قال مسؤول ليبي على قناة الـ بي بي سي : يريدونا ان نكون مثل العِراق !!
أما ممثل الخارجية السورية فكان قوله : إن سوريّا تجاوزت أن تكون عراقٌ آخر !!
كذلك هو تصريح رئيس أرتيريا حين قال : هل تُريدون أن نكون مثل العراق !!
و الأغرب من هذا وذاك ، ان خبير مصري يتحدث عن اليمن صرح : إن مصر ودول مجلس التعاون الخليجي لن تسمح (بعرقنة) اليمن ، اي جعل اليمن مثل العراق !!
و أخيرا قالها الرئيس الصيني لن تكذبوا على العالم بأن الصين هي من صنعت كوفيد 19 الكورونا ، كما كذبتم على العالم بأن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل تبيد البشرية !!
آهٍ يا بلدي أمسيت مضرباً للأمثال في ظل سطوة الأرذال ، ممن لا يعرفون معنى الخجل و معنى الحياء و معنى الكرامة ..
هذه الرسالة مهداة الى سياسيي الصدفة ، مطلقي مبادرة الفرصة الأخيرة ، في تقييم منصف لما لمسناه لمس اليد خلال عقدين من الزمن ، و تذكير للساعين عبثاً الى تدارك الموقف و أنقاذ العملية السياسية البائسة من الزوال ، بعد ان شارفت على لفظ إنفاسها الأخيرة ..
جميع المقالات تعبر عن رأي كتابها ولا تمثل يورو تايمز