تحقيقات ومقابلاتموضوعات رئيسية

ماكرون يسقط في حقل ألغام بعد انهيار الحكومة

سلط انهيار الحكومة الفرنسية الضوء مجدداً على الرئيس إيمانويل ماكرون، في ظل تصاعد الأصوات المعارضة داخل قاعات البرلمان، مدفوعة بتساؤلات عما إذا كان الرئيس المثير للانقسام والمتهور في بعض الأحيان، هو الشخص المناسب لحل الأزمة السياسية في البلاد.


وكتبت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية أن انتقادات المشرعين – الذين صوت الكثيرون منهم لمصلحة إطاحة ميشال بارنييه من منصب رئيس الوزراء في اقتراع على الثقة الأربعاء – متجذرة في فكرة أن الأزمة الحالية هي إلى حد كبير من صنع ماكرون. وكان ماكرون هو الذي دعا بشكل انتهازي إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة الصيف الماضي أفرزت جمعية وطنية معلقة تكافح الآن لتمرير موازنة عام 2025 ووقف الذعر بين المستثمرين.

على مدى الأشهر الثلاثة الأخيرة، ابتعد ماكرون عن الخلافات المتعلقة بالموازنة، والتي أدت إلى سقوط بارنييه، مفضلاً تحويل تركيزه إلى الشؤون الخارجية. ومع وصول التوترات في الجمعية الوطنية إلى الغليان، كان ماكرون في زيارة تستغرق 3 أيام للمملكة العربية السعودية، حيث وجه إليه أحد المراسلين سؤالاً كان يعتبر ذات يوم غير وارد، وهو ما إذا كان الرئيس على استعداد للتنحي.

وأجاب ماكرون قائلاً: “هذا غير منطقي.. إن قول هذه الأشياء أمر غير لائق بصراحة”، متجاهلاً الدعوات المطالبة باستقالته، واصفاً إياها بأنها “خيال سياسي”.

ويمكن لماكرون تعيين رئيس وزراء جديد وتكليفه إما بتمرير قانون يمدد موازنة هذا العام إلى الأشهر الأولى من عام 2025، أو دفع موازنة كاملة عبر البرلمان بحلول نهاية العام لتجنب إغلاق الحكومة. ويمكن لماكرون أيضاً أن يسمح لبارنييه بالبقاء في منصبه بصفة مؤقتة لتمرير تمديد الموازنة.
ويعاني المستثمرون من التوتر. وقد انخفضت الأسهم الفرنسية بشكل حاد في الأسابيع الأخيرة، وارتفعت العلاوة التي يطلبها المستثمرون للاحتفاظ بالديون الحكومية الطويلة الأجل إلى أعلى مستوياتها منذ أزمة الديون في منطقة اليورو عام 2012. والخميس، تجاوز معدل الاقتراض في فرنسا لفترة وجيزة نظيره في اليونان.
وقد يؤدي التعيين السريع لرئيس الوزراء إلى تهدئة بعض منتقدي ماكرون، لكنه يخاطر أيضاً بإثارة غضب الآخرين، الذين يلومون ماكرون لعدم بناء إجماع أوسع حول اختياراته لقيادة الحكومة.
وقال المدير الإداري لأوروبا في شركة أوراسيا غروب الاستشارية، مجتبى الرحمن: “هناك احتمال قوي بأن رئيس الوزراء المعين هذا الأسبوع، سيستمر لفترة أقصر من بارنييه”.
جدير بالذكر أن بذور الأزمة الحالية زُرعت جزئياً في سبتمبر(أيلول)، عندما قرر ماكرون تجاهل ترشيح الجبهة الشعبية الجديدة لمنصب رئيس الوزراء، وهو التحالف اليساري الجامح الذي حصل على أكبر عدد من الأصوات في الانتخابات المبكرة، وقام بدلاً من ذلك بتعيين بارنييه. وينتمي المحافظ البالغ من العمر 73 عاماً إلى حزب كان أداؤه ضعيفاً في الانتخابات، على الرغم من مشاركته في الكثير من أجندة ماكرون المؤيدة لقطاع الأعمال.

وأطلق المشرعون من أقصى اليسار إجراءات عزل ماكرون، بعدما تجاهل مرشحة الجبهة الشعبية الجديدة لوسي كاستيت، مما أثار انتقادات بأن الرئيس لا يأخذ بإرادة الناخبين.
وفي حديثها خلال جلسة صاخبة للجمعية الوطنية قبل لحظات من التصويت على حجب الثقة، قالت مارين لوبان إنها لن تدعم إجراءات عزل الرئيس. ومع ذلك، غمزت زعيمة اليمين المتطرف من قناة الرئيس قائلةً إن الأمر متروك لماكرون ليقرر ما إذا كان يجب أن يبقى في منصبه. وأضافت “الأمر متروك لضميره ليقرر ما إذا كان يستطيع التضحية بمصير فرنسا من أجل كبريائه”.
وأضافت الصحيفة أن إجراء انتخابات رئاسية مبكرة ستصب في مصلحة لوبان. وهي تواجه اتهامات بالاختلاس في محاكمة من المتوقع أن تصل إلى حكم في نهاية مارس(آذار). وطلب ممثلو الادعاء الحكم عليها بالسجن لمدة خمس سنوات ومنعها من تولي مناصب عامة لمدة خمس سنوات بأثر فوري، وهي النتيجة التي ستمنعها من الترشح للرئاسة في الانتخابات المقبلة المقرر إجراؤها عام 2027. وهي تخضع للمحاكمة بتهمة استخدام أموال البرلمان الأوروبي، لدفع أجور الموظفين من حزبها – الأمر الذي تنفيه.
إن إجراء انتخابات رئاسية جديدة، لن يساعد بالضرورة في حل الأزمة السياسية الحالية. وقال أستاذ القانون الدستوري في جامعة بانثيون السوربون في باريس دومينيك روسو، إن الرئيس الجديد لن يتمكن من الدعوة لإجراء انتخابات برلمانية جديدة حتى يوليو(تموز) بموجب القانون الفرنسي، الذي لا يسمح إلا بحل البرلمان مرة واحدة كل 12 شهراً. وسيتعين على الزعيم المنتخب حديثاً التعامل مع جمعية وطنية منقسمة بين حلفاء ماكرون المؤيدين لقطاع الأعمال، وحزب لوبان والجبهة الشعبية الجديدة.
وبينما يواجه ماكرون موجة تلو الأخرى من المعارضة السياسية، استفادت حكوماته بشكل كبير من المادة 49.3 من الدستور الفرنسي، والتي تسمح لإدارته بالتحايل على الأصوات في الجمعية الوطنية لتمرير التشريعات. وهذه المناورة، على رغم أنها قانونية، فإنها تشكل تدبيراً نادراً ما تستخدمه الحكومات، لأنها تخاطر بتقويض شرعية الجمعية الوطنية.

زر الذهاب إلى الأعلى