آراء

نزار العوصجي: فشل مشروع ولاية الفقيه

العوامل التي أدت إلى فشل مشروع ولاية الفقيه الإيراني كثيرة في جوانبها النظرية و العملية ، فجميع المؤشرات تشير الى ان هدف المشروع يتمحور حول إستعادة إمجاد الإمبراطورية الفارسية ، بأطار شيعي في ظاهره ، مجوسي في مضمونه ، ذلك مابدى جلياً منذ اللحظة الأولى لإنطلاقه و حتى الساعة ..
لقد تجاهل المشروع عوامل الزمن و المتغيرات الفكرية ، الى جانب تجاهله حالة الرفض الأقليمي ، في عصراً لا يحتمل العودة الى الوراء ، فالدولة الوطنية غير الأممية التي تحكمها الجغرافيا هي دولة العصر ، أما تلك الدول التي تتجاوز الحدود الجغرافية أو لا تعترف بها ، لم يعد لها علاقة بالواقع ، و إنما علاقتها بالتاريخ الذي أكل عليه الدهر و شرب ، لذا فان عقارب الساعة لا يمكن أن تعود للوراء ، إضافة إلى أن الدولة الدينية الثيوقراطية تقوم على أسس لا تكترث بمصلحة الفرد ، قدر اهتمامها بنشر الأيديولوجيا ، و صرف الثروات لتحقيق رغباتها المحمومة ، كما يحصل الآن ، الى جانب النزعة التوسعية التي تسيطر على أذهان قادة إيران ، سواء الملالي منهم أو جنرالات الحرس الثوري ..

ان نجاح الثورة الخمينية في عام 1979 مختلف عن مثيلاتها من الثورات الشعبية لأسباب معينة ، أهمها ألباس الطموحات الشاهنشاهية العمامة المتأسلمة السوداء ، و امتطاء العامل الطائفي ، لذلك اصطف معارضو الشاه بجميع فئاتهم مع الخميني ، و بهذا الاصطفاف الغير مسبوق سقط نظام الشاه ..
و ما إن تمكن الخميني من تولي السلطة و الأمساك بزمامها ، حتى التفت إلى جميع الفئات الغير معممة التي شاركت معه في إسقاط الشاه و سحقها ، و انفرد المتأسلمون الشيعة الإيرانيون بالسلطة ، كما يحدث في كل ثورة عند اقتسام الغنائم ..
و سرعان ما التفت الخميني على كل شركائه المتأسلمين من المراجع الدينية الشيعية ، الذين لا يقرون بولاية الفقيه ، و عمل على أقصاؤهم تماماً عن التركيبة السلطوية في الجمهورية الجديدة و الأنفرد بالسلطة ..

إن النظام الدكتاتوري لولاية الفقيه الحاكم في إيران يمارس منذ زمن بعيد سياسة الاغتيال و القتل و النهب و السلب خارج حدود إيران ، متخفياً وراء عناوين مختلفة لإخفاء هويته الحقيقية و عدم ترك أي بصمات ، و يسعى في الوقت نفسه إلى أن يظهر على عكس حقيقته ، بمظهر المحب للسلام و الديمقراطي و المؤمن بالحوار و المدني المتحضر و المدافع عن حقوق الإنسان ..
لذا فأن الحديث عن فشل مشروع ولاية الفقيه وحزب الله و الميليشيات الإخرى التابعة له في لبنان و سوريا و العراق و اليمن مرتبط بعدد من العوامل الأساسية ، منها اعتماده على المجرمين و القتلة و قطاع الطرق ، المتعطشين الى سفك الدماء و التسلط على رقاب شعوب دول المنطقة ، و السعي للسيطرة على مقاليد السلطة ، و وضعها تحت تصرف نظام الولي الفقيه ..

من دلالات فشل مشروع ولاية الفقيه و النتيجة التي انتهى اليها حزب الله بعد الدمار و الخسائر و الإخفاقات ، نتيجة الخاسرين المنهزمين ، و هذه النتيجة حزمة من المفردات المشينة ، بدء بعدم تحقيق أهداف الحرب ، مرورا بسقوط مبدأ وحدة الساحات ، وصولا الى التراجع و الانتكاسات ، فقد أجبر على الانسحاب الكامل من شمال نهر الليطاني ، و الموافقة على انهاء القتال قبل انسحاب قوات الكيان الصهيوني من أراضي الجنوب اللبناني التي دخلها الجيش الصهيوني في هذه الحرب ، مما اضطر حزب الله صاغراً للقبول بتنفيذ قرار 1701 بكامل بنوده ، و انتهى الأمر بوصاية دولية عبر اللجنة التي ستشرف على تنفيذ الاتفاق ، بتعهد أمريكي يضمن للكيان الصهيوني حرية العمل العسكري عند حدوث اي خرق في الاتفاق ، كما رضخ لبسط الجيش اللبناني سيطرته على الجنوب و على سائر الأراضي اللبنانية ، لا سيما المنافذ و المعابر البرية و الجوية و البحرية ، بذلك لم يعد بإمكانه طبقا للاتفاق من تحريك أو إنتاج أو استخدام أي قطعة سلاح ، و قطع شرايين إمداده بالسلاح ، و صار بحماقته سببا لمزيد من نقصان السيادة اللبنانية ، في الوقت الذي كان يتبجح بأنه الحافظ للسيادة اللبنانية و المدافع عنها ..

لم يستطع حزب الله طيلة الحرب التي فتحها من تحقيق أي هدف من الحرب التي شنها على إلكيان الصهيوني ، فلم يتمكن من إسناد غزة بأي نحو من أنحاء الإسناد الحربي ، و هذا واضح لا يحتاج الى دليل ، كما أخفق في معادلة الردع التي طالما صدع بها الرؤوس و تطاول بها على كل الاعتبارات ، بل ظهر زيف مزاعمه و تبجحاته ، و في غضون شهرين تلقى ألعديد من الضربات التي أصابته بمقتل و ألحقت به خسائر فادحة و دمارا هائلاً و هذا يعتبر فشلاً سياسياً و عسكرياً ذريعاً ..
لقد تراجعت نسب التعاطف و التأييد في صفوف حلفاء حزب الله في لبنان ، و أوجدت واقعاً شعبياً و سياسياً جديداً صلباً في الوقوف بوجه مناصريه ، الى جانب الرفض المطلق لأي شيئ يفضي الى تكرار حماقاته ، و عدم القبول بالتغول على حساب الدولة و القوى الوطنية اللبنانية ، و العمل على إيجاد أرضية لتغيير التوازنات السياسية في لبنان لغير صالح حزب الله ..
قريباً سيعود للدولة اللبنانية و للقوى الوطنية اللبنانية زخمها ، و سينعكس ذلك سلباً على وضع حزب الله و دوره في المعادلة السياسية ، كذلك هو الحال في سوريا ، و هذا يمثل اولى محطات فشل مشروع الولي الفقيه ..

جميع المقالات تعبر عن رأي كتابها ولا تمثل يورو تايمز

زر الذهاب إلى الأعلى